عابر سبيل
“بدر الدين محمود” الخروج من عش الدبابير!!
ابراهيم دقش
تعاقب على وزارة المالية أو الخزانة عدد من الوزراء منذ الاستقلال وحتى الآن، “حماد توفيق”، “إبراهيم أحمد” و”مأمون بحيري” و”الشريف الهندي”، و”حمزة ميرغني” و”محمد عبد الحليم عبد الرحمن”، “بدر الدين سليمان”، “الشريف الخاتم بشير عمر”، “عمر نور الدائم”، “سيد علي زكي”، “عبد الوهاب عثمان”، “عبد الرحيم حمدي”، “علي محمود عبد الرسول”.. وفي عهد كل واحد منهم كانت هناك إشراقات كما كانت هناك إخفاقات، وهذا طبيعي في أمر يخص بيت المال الذي تأتي إيراداته وموارده من الجباية والضرائب والصادر والقروض والمنح.
أتذكر “الشريف الهندي” وهو وزير مالية، وضايقوه في الجمعية التأسيسية بأسئلة وتعليقات ومراشقات وربما اتهامات حول قرض ناله السودان، زعم (أحدهم) أنه وضعه منذ ستة أشهر في مصرف أجنبي، ثم سحبه بعد أن جنى منه ربحاً طائلاً، ووقف “الهندي” أمام النواب قائلاً: لو امتدت يدي لمال هذا الشعب لكنت أول من سيقطعها.
وبالأمس وقف صديقنا “بدر الدين محمود” وزير المالية في المجلس الوطني ليحاوره النواب حول (قفة الملاح) أو الحال المعيشي المائل، وقال لهم الرجل بشجاعة الشجعان أنا لا أتحدث عن المعيشة، وإنما عن الاقتصاد، وهي رسالة واضحة، فاقتصاد بلادنا مضروب تحت الحزام، بتدني الصادرات، وتهريب السلع وضعف موارد التحصيل، وفوق ذلك كله حصار جائر قطع أنفاس بعد انحسار البترول وانكسار الحكم في دولة الجنوب وتدهور الزراعة في البلاد (وخنق) الدولار للجنيه السوداني المسكين.
ويبدو أن بعض النواب قد زادوها (حبتين) فحمَّلوا الرجل كل إسقاطات سابقيه وكل تركات الماضي، فلماذا يتحمل أوزار غيره؟ فهو بالنسبة لي مثل الذي (كتفوه) وألقوا به في اليم ثم حذروه ألا يبتل.. هذا هو حال الرجل الذي لما تعطلت لغة الكلام المنطقي والجدل السليم في ردهات البرلمان (أقسم) بأنه عقب إجازة موازنة 2017م، مطارد ولا رجعة في قراره.. وأنا أصدقه ليس لأنه يفسح المجال لغيره حسب طلب الرئيس من منسوبي المؤتمر، وإنما ليخرج من (النفق) الذي وجد نفسه حبيساً داخله نتيجة عوامل ليست من صنعه هو!.
أعرف تماماً أن “بدر الدين محمود” قد حاول وظل يصارع (المستحيلات) فاستطاع على الأقل أن يوفر بند المرتبات في مواقيتها ومال التشييد في أوانه وتحويلات الولايات كاملة غير منقوصة، كما استطاع أن يوفر الضروريات للقطاع الإستراتيجي وكل مستلزمات الأمن والسلام وآخرها الحوار الوطني.
وفي عهده لم نسمع عن (ندرة) في سلعة في بلد أضرت بها الحروب والنزاعات وأقعدت اقتصادها. لقد طرق الرجل أبواب الغرب ومؤسسات (بريتون وود) وفتح (كوة) في حائط الحصار والمقاطعة.. وجهوده في حدود الممكن والمتاح مشهودة دونكم تحديث وزارة المالية وإدخال التقانة الجديدة في أدائها وتكفي شاهداً الخزانة الموحدة وشبكة الحوسبة المالية.. وقد وجد في أركان حربية وزيري الدولة، د.”عبد الرحمن ضرار” و”مجدي حسن يس” خير معين له في تنفيذ سياساته المالية تلك.
وبهذه المناسبة أحكي لكم عن وزير مالية قديم، المرحوم “عبد الوهاب عثمان” فقد دخل عليه اثنان من أعضاء مجلس الوزراء يطلبان مالاً لغرض عاجل في بدايات ثورة الإنقاذ، فاعتذر لهما.. فقال له أحدهما.. قاعد في تربيزة كبيرة، وما عندك قروش؟ فما كان منه إلا أن قام وجلس على البساط وأشار له على التربيزة قائلاً: كان التربيزة تجلب القروش أجلس عليها أنت!!.
ولا أطلب من “بدر الدين محمود” أن يطلع في (المقدَّر)، ليجلب لنا المال من ثروته بقدر ما أشكره على صبره وطول باله، وعلى أدائه الهادئ النبرة والمتميز السمة والعادل القسمة ودون تقطيبة جبين!.
ومن قال إن “بدر الدين” (يناور) فليرجع لقسمه.. والله وتالله لا أرغب في الاستمرار.
شوفوا ليكم.. زول يخلفه، منذ الآن ليدخل عش الدبابير الذي اسمه وزارة المالية والتخطيط الاقتصادي.