رأي

بعد.. ومسافة

من الذي سيواجه الرئيس؟
مصطفى أبو العزائم

بعض قيادات المؤتمر الوطني تتمسك بمقاعد السلطة كأنهم خالدين فيها أبداً، وهذا البعض من القيادات يعيش خارج دائرة المتغيرات الداخلية والإقليمية والدولية، فيتمسك بالمناصب الحكومية والتي هي (حق عام) لا (حكر خاص) لحزب أو فئة أو جماعة، ويؤكدون من خلال التصريحات الصحفية واللقاءات الإذاعية والمقابلات التلفزيونية بأن منصب رئيس الوزراء المستحدث بعد مؤتمر الحوار الوطني لن يذهب بعيداً عن حزب المؤتمر الوطني، وبعضهم يقول إن الأغلبية البرلمانية ستكون لحزبه، وآخرون يقولون إن المناصب ستكون بالأغلبية، وأحاديث من هذا النوع (المحبط) والتي تؤخر ولا تقدم في مسيرة الإصلاح العام، التي تبنتها الدولة من خلال برنامج كبير وجد شبه إجماع من القوى الشعبية والمجتمعية، قبل القوى السياسية، ورأى فيه الناس مخرجاً من الأزمات التي نعيشها وتعيشها بلادنا، مثلما رأوا في ذلك البرنامج مخرجاً للأجيال القادمة، وأماناً لها من الزعازع والحروب والدمار.
ولكن يخرج على الناس، السيد رئيس الجمهورية الذي هو في ذات الوقت رئيس للمؤتمر الوطني فيأتي بما لا يهوى بعض منسوبي حزبه وبعض المحسوبين عليه، مبيناً بما لا يدع مجالاً للشك بأنه متقدم ألف خطوة على كثيرين ممن هم دونه في القيادة، مؤكداً لخصومه قبل حلفائه بأنه من أكثر السياسيين بعداً للنظر، وذلك عندما دعا قادة الوطني إلى التنازل عن المناصب في الحكومة المرتقبة.
وحديث السيد رئيس الجمهورية في هذا الجانب وفي جانب آخر هو التمسك بتنفيذ مخرجات الحوار الوطني بعد التوافق على وثيقة الحوار.. يسبق تفكير البعض الذي ظن – وبعض الظن إثم – أن الوثيقة ما هي إلا اعتراف من المعارضين بدور المؤتمر الوطني الريادي والقيادي في الساحة السياسية، وقد يكون بعضهم محقاً في ذلك، لما نراه من تقاعس المعارضة وتشتتها، وعدم اجتماع كلمتها وغياب برنامجها السياسي المتكامل، وضعف وجودها الفعلي وأثرها في الشارع السوداني، مقابل الحراك الفاعل من خلال القوى الحية وتجديد الدماء والخلايا الذي يشهده حزب المؤتمر الوطني، لكن ذلك لا يعطي تلك القيادات الحق في أن تطالب بما تطالب به، أو نقول بما نقول به من تمسك بالمقاعد الوزارية والمناصب الحكومية، كأنما السلطة باتت محتكرة للمؤتمر الوطني.
حديث السيد رئيس الجمهورية المشير “عمر حسن أحمد البشير” والذي هو رئيس المؤتمر الوطني في ذات الوقت، عند مخاطبته لاجتماع الشورى القومي في دورته الثالثة، وتمسكه بالإصلاح، أكسبه شعبية إضافية، وخصم من شعبية الذين يطالبون بعكس ذلك، وهم الذين يخشون التحول من نعيم السلطة والحكم إلى جحيم المواطنة والتحكم، وهم الذين لا يريد الواحد منهم أن يحمل صفة دستوري سابق.
وأمثلة هؤلاء الذين أشرنا إليهم كثيرة، الفاقد الدستوري الذي رهن ولاءه للدولة والسلطة والحزب بالبقاء في موقعه غير آبه لحق الآخرين، ولحق الأجيال الجديدة في اكتساب تجارب الحكم والإضافة لها.. وكثير من هؤلاء الذين تحولوا بقرار إلى فاقد سياسي أصبحوا أكثر الناس انتقاداً للنظام، حتى أحدهم قال لي بعد إعفائه من منصب رفيع بقي فيه سنين عددا، قال لي: إن الفساد الذي شاهده وتجاوز اللوائح الذي رآه جعله (يقرف)، ضحكت.. وسألته لماذا بقيت كل تلك السنوات؟، ولماذا لم تحاول الإصلاح وتقويم الاعوجاج؟.. غضب الرجل مني.. لم يرد عليَّ، ولم يحادثني حتى يومنا هذا.. غفر الله له وهداه.

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية