تقارير

السعودية.. السعي لاستعادة موقعها المرجعي وتذويب الخلافات التاريخية بين الصوفية والسلفية؟

“الكباشي” تجمع بين مدرستين متناحرتين
الخرطوم – عقيل أحمد ناعم
(الجمعة) الماضية كان مسيد الشيخ “إبراهيم الكباشي” ـ القادري ـ 22 كلم شمال الخرطوم بحري مسرحاً لزيارة هي الأولى من نوعها جمعت طائفتين من طوائف المسلمين ظلتا في حالة من الخلاف بل و التناحر عقدياً وفقهياً  لعقود متطاولة من الزمن، هما (الصوفية) و(التيار السلفي). زيارة كسر الجمود التي فاجأت الجميع كانت على شرف مقدم إمام الحرم المكي “خالد الغامدي” إلى السودان، وصحبه وفد من جماعة أنصار السنة المحمدية ـ الغريم التقليدي للصوفية ـ بقيادة رئيس الجماعة ـ جناح المركز العام ـ د.”إسماعيل عثمان الماحي”. فما الجديد بين المدرستين المتخاصمتين، وما هي مدلولات الزيارة في هذا التوقيت، وإلى أين ستمضي بالعلاقة بين المجموعتين، أم أن تأثيرها سينتهي بانتهاء مراسم الاحتفاء و(النوبة والدفوف) ومغادرة الضيف الكبير للبلاد؟
توترات تاريخية ومحاولة إذابة الجليد
منذ ظهور المدرسة السلفية في السودان اتخذت من الطرق الصوفية خصماً لدوداً وجعلتها مناط دعوتها بل في كثير من الأحيان مناط انتقاد وهجوم لا ينقطع، ما أنتج حالة من الاختلاف كثيراً ما تتحول إلى موجة من العداء بين قادة وقواعد المدرستين، ولكن حفيد الشيخ “الكباشي” والرئيس الأسبق لمجلس الدعوة والإرشاد بولاية الخرطوم “عثمان الكباشي”، يرى في تصريح لـ(المجهر)، أن الزيارة جاءت في توقيت مناسب لترسل رسالة واضحة ومهمة في اتجاه تعزيز لأواصر العلاقات بين مكونات الساحة الإسلامية وأهل القبلة عموماً، باعتبار أن الحرم المكي ومن يقوم فيه مقام الإمامة والخطابة يمثل رمزية مهمة للمسلمين  تكون حريصة على التواصل مع مختلف الجماعات الإسلامية مهما تعددت مذاهبهم وطرائقهم ومشاربهم. وقال (الزيارة دلالة على أن فكرة توحيد أهل القبلة قابلة للتطبيق وأن تقود العالم الإسلامي والسني تحديداً في ظل حالة التشرذم وإسالة الدماء التي تعيشها كل أرض المسلمين)، مؤكداً أنها يمكن أن تكون بادرة لتذويب الجليد بين المذاهب والتصويب نحو المشتركات والجوامع بين المسلمين. ولفت إلى  أن وحدة أهل القبلة تقوم على فقه المقاصد وليس التعصب للمذاهب وعلى الإعذار في الاختلاف وتغليب الأصول على الفروع.
انتباهة متأخرة للمؤسسة الدينية السعودية
لا يمكن قراءة الخطوة (السلفية) تجاه أهل التصوف بمعزل عن الأوضاع الإقليمية والدولية وحالة الصراع المستعرة في المنطقة العربية وخصوصاً بين السعودية وإيران، لذلك يرى الباحث في شؤون الجماعات الإسلامية “عباس محمد صالح” أن زيارة جماعة أنصار السنة برفقة إمام الحرم المكي لواحد من أهم مراكز الصوفية بالسودان وهو مسيد الشيخ “الكباشي” ترسل مؤشرات مهمة في كثير من الاتجاهات، ويؤكد “صالح” في تصريح لـ(المجهر)، أن الزيارة لا تنفصل عن مواقف المؤسسة الدينية السعودية خاصة في ما يلي صراع المملكة مع إيران وما يمكن اعتباره إهمال السعودية لواحدة من أكبر الجماعات السنية. وقال (السعودية أدركت أن تفريطها في واحدة من أهم وأكبر الجماعات السنية منح إيران فرصة للتمدد  داخل الصوفية).
وتؤكد الوقائع فرضية استغلال إيران للفراغ الكبير الناتج عن إدارة الدولة السنية الأكبر لأكبر المدارس السنية في السودان وهي الصوفية، حيث نقلت كثير من وسائل الإعلام مؤخراً وجوداً متعاظماً للتشيع وسط بيوتات التصوف وقواعده.
هذه المعطيات دفعت الباحث في الجماعات الإسلامية “عباس محمد صالح” لتفسير الزيارة بأنها قد تكون محاولة لـ”لملمة” أطراف أهل السنة والجماعة ومحاصرة لحالة العداء من بعض الجماعات السلفية تجاه التصوف على أساس عقدي، الأمر الذي قد يسهم في خفض التوتر المستعر بين المعسكرين. ولم يستبعد  “صالح” أن تكون الزيارة في إطار مراجعات تجريها المدرسة السلفية وصلت من خلالها إلى أن بها تياراً تطرف واشتط  تجاه الصوفية، وأنه لو كان هناك تواصل مع الصوفية فإنه كان بالإمكان إزالة ما يراه السلفيون من مخالفات بالحسنى. وألمح “صالح” إلى أن مؤتمر “قروزني”  الأخير لتعريف أهل السنة والجماعة قد يكون لفت انتباه المدرسة السلفية لوجود أطراف خارجية تصطاد في الخلافات بين أهل السنة والجماعة، ورجح أن السعودية تنظر لنفسها بأنها مركز العالم الإسلامي ومرجعيته وأن هناك دول مثل (أمريكا وروسيا وإيران)، تسعى لنزع هذه المرجعية بدءاً بمؤتمر “قروزني”. وقال (ليس أمام السعودية خيار غير المحافظة على مركزها كمرجعية للعالم الإسلامي عبر تعظيم المشتركات وتجنيب الخلافات المذهبية، لأن مركزها الآن على المحك بابتعادهم عن جماعة تمثل السواد الأعظم من المسلمين السنة).
حالة تطبيع مسبق
جماعة أنصار السنة التي كانت ممثلة في الزيارة برئيسها د.”إسماعيل عثمان” تنظر للزيارة باعتبارها زيارة (عادية) لا تحتمل تأويلات بعيدة، فقد أوضح القيادي بالجماعة “علي أبو الحسن” لـ(المجهر)، أنهم شاركوا في الزيارة باعتبارهم مجرد مدعوين. وقال (لا علاقة لنا بالزيارة)، مشيراً إلى أنهم تلقوا الدعوة من اللجنة العليا المعنية بتنظيم زيارة إمام الحرم المكي، لكنه استدرك مؤكداً أن جماعته ليس لديها إشكال في تفقد ومزاورة ومداخلة شيوخ الصوفية في إطار العمل الاجتماعي. وقال (هذه لم تكن الزيارة الأولى من الجماعة لمسيد الشيخ “الكباشي” فقد زرناه من قبل وعزيناه في وفاة والدته وزرنا كذلك كثيراً من الطرق الصوفية).
مشوار الميل يبدأ بخطوة
أشد المتفائلين لا ينتظر أثراً عاجلاً للزيارة في إحداث التقارب المنشود بين الجماعات الإسلامية وخاصة بين الصوفية والسلفية، لكن بدون شك قد يدفع التفاؤل البعض لاعتبارها خطوة في طريق طويل من التقارب، وهذا ما أكد عليه الشيخ “عثمان الكباشي” بقوله (الرجاء والأمل أن ما تم لم يكن مجرد مجاملة وأن تمثل الزيارة واستقبال ضيوف البلاد في مكان واحد رسالة باتجاه تحقيق توحد أهل القبلة والتقريب بينهم). وأضاف (العافية درجات ولا يمكن أن نصل لما نصبوا بين يوم وليلة). وأكد تقديره لحالة الاختلاف المذهبي والفكري الحادث وتمسك كل طرف بخياراته. وقال (ليس مطلوب من أي طرف التنازل من خياراته الفقهية والمنهجية، ولكن المشتركات فيها سعة).
ذات الإقرار تحلى به القيادي بأنصار السنة الشيخ “أبو الحسن” الذي آثر أن يكون صريحاً في الإقرار بأن لهم اختلافات في الرأي مع الصوفية، لكنه بالمقابل توسل بالحالة السودانوية التي كثيراً ما تخفف الاختلافات بين الفرقاء. وقال (ولكن نحن كمجتمع سوداني متسامح ومتواصل ولو جلس السودانيون في الأرض بإمكانهم معالجة أي خلاف)، إلا أنه نبه إلى أن القيادات والعلماء وأهل الوعي  في الجانبين ليس بينهم خلاف وخصام. وقال (ولكن العوام (ماخدين) في نفوسهم قليلاً). وأشار إلى أن القيادات تتزاور فيما بينها لتحقيق نوع من الائتلاف والتقارب، وأكد أن جماعته عملت كثيراً ودعت للتقارب بين الجماعات الإسلامية وعقدت مؤتمراً خاصاً بذلك.

تحول الآمال إلى أفعال
حتى لا تصبح الزيارة خطوة معزولة معلقة في الهواء بدون امتدادات توصلها لتحقيق الهدف الإستراتيجي بتقارب أهل القبلة لابد أن تتحول إلى خطط وبرامج عمل، وهو ما يراه “عثمان الكباشي” التحدي الحقيقي في تحويل الأقوال إلى أفعال تؤسس لعمل مشترك وأجسام مشتركة. وقال (هذا يحتاج لصدق النوايا وأن تتعزز الرغبة وتتحول لبرامج وأجسام مشتركة).
من جانبه اكتفى القيادي بأنصار السنة “علي أبو الحسن” بالقول ( الزيارة عمل نتوقع أن يكون له ما بعده).
هي الآن آمال منثورة على ثرى الزيارة وما يمكن أن يتبعها من ردود أفعال،  في انتظار أن تصدق النوايا وتتعاظم الإرادة في جمع صف جماعات المسلمين، الذين يجمع بينهم المذهب السني ما دام قد تعثر جمع كل طوائف المسلمين.

 
 

 

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية