هجرة الشباب.. الفرص والتحديات
(90%) من حالاتها تتم عبر التهريب..!!
تقرير: عماد الحلاوي
الهجرة المتزايدة حالياً لشريحة الشباب، أخذت في التنامي في نهاية الثمانينات، وبالتحديد بعد الهجرة الواسعة من الريف إلى المدينة في بدايات السبعينيات من القرن الماضي، حيث اصطدم الشباب في حياتهم المدنية الجديدة بالبطالة وزيادة مصاريف المدينة وأعباء المعيشة، لتتحول سريعاً إلى تيار هجرة خارجية توجه الشباب نحو دول الخليج بشكل خاص.
وفي الآونة الأخيرة تغيَّر مسار الهجرة الشبابية من الوطن العربي نحو الغرب، حيث أصبح الشباب يحلمون بمستوى معيشي لائق وبالثروة والمال والجاه وبالخلاص من الضغط الداخلي المرير.
ولهذا ازدادت الهجرة اللا شرعية بشكل ملفت للنظر في الآونة الأخيرة.
وهذه الهجرة التي تتم اليوم عن طريق شبكات التهريب التي استطاعت بأساليبها الخاصة تهريب ما يقارب الـ (90%) من حالات هجرة الشباب العرب إلى الغرب، وإن بدأت تقل في الآونة الأخيرة بسبب معوقات السفر في كل من بلدان الهجرة (الغرب) التي تعمل على الحد من دخول اللاجئين غير الشرعيين إليها، وبلدان المهجر (الوطن العربي)، وذلك بسبب ارتفاع تكاليف الهجرة غير الشرعية على أيدي المهربين ومخاطر الطريق البحري ومشاكله.
ولأهمية المشكل أقام مجلس الشباب العربي والأفريقي فعاليات المنتدى الدولي لقضايا الهجرة والذي شرفه مساعد رئيس الجمهورية “موسى محمد أحمد” ووزير الداخلية الفريق أول ركن “عصمت محمد عبد الرحمن”.
وتناولت جلسات المؤتمر أوراقًا عن هجرة العمالة العربية من الشباب العربي قدمها الدكتور “خالد السيد”، نائب رئيس الجمعية المصرية للهجرة، بالإضافة إلى ورقة عن الهجرة السرية قدمها الدكتور “أحمد ميزاب”، عضو اتحاد المغرب العربي.
وقد أشارت التقارير إلى أن الهجرة تنتشر بشكل خاص بين شباب الوطن العربي بين من هم في سن المراهقة والذين لا يجدون عملاً محترماً في أوطانهم ويتعرضون لمضايقات وقيود العمل. وبالفعل فقد أشارت تقارير الأمم المتحدة ومنها تقرير (التنمية والجيل القادم) إلى أن المهاجرين من البلدان العربية أو من البلدان النامية هم ممن تتراوح أعمارهم ما بين (12- 24) سنة.
ويقول الدكتور “خالد علي عبد المجيد” في ورقته (هجرة الشباب – الفرص والتحديات): إن وزارة العمل أكدت أن نتائج مسح سوق العمل أظهرت أن حجم العمالة في السودان قد ارتفع في عام 2013م، ليصل إلى (9,3) مليون مقارنة مع (3) مليون حسب آخر مسح أجرى عام 1990م، وأشارت الوزارة إلى ارتفاع نسبة البطالة من (14,4%) عام 1990م إلى (18,8%) عام 2013م، وأشارت إلى أن النسبة الأعلى للعاطلين عن العمل وسط فئة الشباب خاصة المتعلمين منهم، لتمثل البطالة أهم الأسباب الدافعة لهجرة الشباب بحثاً عن وضع أفضل ومستقبل أكثر رفاهية.
وأرجع الدكتور “خالد السيد” في ورقته (هجرة العمالة من الشباب العربي) هجرة الشباب العربي إلى الأسباب الاقتصادية بصفة أساسية، والبطالة الناشئة عن الاقتصاد العام المغلق والتي طالت مختلف الشرائح الشبابية ومن أعمار مختلفة، وعدم كفاية الدخل المتحصل وارتفاع الأجور بالخارج، بالإضافة إلى أن فرص العمل أفضل بالخارج. وعدم وجود فرص عمل كافية لاستيعاب الطاقات الشبابية وتحمسهم للعمل والإنتاج داخل بلدانهم.
بالإضافة إلى الضغوطات السياسية القمعية والنزاعات العسكرية والسياسات الاقتصادية المتبعة من قبل الحكومات المتعاقبة في البلدان العربية، وعدم الاهتمام بالشباب من قبل هذه الحكومات كانت هي أيضاً من جملة الأسباب التي أدت إلى الهجرة غير الشرعية المتفاقمة بين شباب الوطن العربي اليوم.
وأشار الدكتور “خالد السيد” إلى أن أخطر أنواع الهجرة، هي ما نسميه بهجرة العقول أو الأدمغة أو أصحاب الشهادات العليا، لأن أوطانهم لا توفر لهم مجالات تتناسب ومستوى ما يحملونه من شهادات سواء حصلوا على هذه الشهادات في بلدانهم أو من الخارج. لأن بلدانهم تخسر عليهم ملايين الدولارات، بالإضافة إلى أنها تضطر لاستقدام معادليهم من الدول المتقدمة، فيشكلون بذلك خسارة كبيرة لدولهم وبلدانهم. ولذا يجب توفير العمل لهذه العقول وأصحاب الكفاءات مهما كلف الثمن بدلاً من تركهم يهاجرون مرغمين.
نتائج هذه الهجرة
لا شك أن المهاجرين الشباب سرعان ما يألفون أجواء الحرية السائدة في الغرب بعيداً عما هو سائد في بلدانهم من كبت وفساد وقمع للحريات، وسرعان ما يدركون أن عملهم في بلد المهجر يندرج ضمن مساهماتهم في رفع مستوى المعيشة لأهاليهم بشكل خاص وفي بلدانهم بشكل عام، لما يرسلونه من أموال إلى أهلهم وذويهم، حيث ترتفع العمائر وتزدهر البلدان، بالإضافة إلى التخفيف عن كاهل دولهم عبء توفير العمل لهذا السيل المتدفق من الطاقات الشبابية الطامحة إلى العمل والتطلع نحو بناء حياتها ومستقبلها.
كما تؤدي هجرة الشباب في جوانبها الإيجابية إلى التخفيف من المشاكل والمنازعات الاجتماعية في المدن والبلدان العربية…الخ.
ولإدارة ملف الهجرة في المنطقة العربية عامة والسودان خاصة دعا الدكتور “خالد” إلى معالجة مشكل البطالة المرتفعة بين الشباب في العالم العربي، من خلال تحقيق التوافق بين مخرجات النظم التعليمية والتدريبية ومتطلبات واحتياجات سوق العمل المحلية والخارجية، بالتركيز على البرامج التدريبية المهنية التي ترفع من مستوى الإنتاجية المنخفضة.
والاقتداء بالغرب، والعمل على انتفاء مسببات الهجرة، وترسيخ دعائم اقتصاد متين منفتح، من خلال الاستفادة من طاقاتها الشبابية وفتح مجالات العمل أمام الشباب واحتضانهم بكل أريحية وحرية والعمل على تشغيلهم والاستخدام الأمثل لهم، أي بما معناه الانفتاح على الحريات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية، حتى يمكن تفجير طاقات الشباب الإبداعية، والاستفادة منهم في بناء أوطانهم العربية والتي هي في أمس الحاجة إليهم، وذلك بإنشاء آلية تشاورية إقليمية متناسقة ومتكاملة في مجال الهجرة البينية بين دول المنطقة العربية بما يحقق أقصى المنافع الاقتصادية الممكنة لكل من دول الإرسال والاستقبال للمهاجرين وبما يساهم في حل مشكلات شباب المنطقة والتي تأتي في أولوياتها مشكلة الهجرة والتنمية.
وحث الجانب الأوربي على دعم قنوات الهجرة النظامية بوصفها مصدراً للإثراء الاقتصادي والاجتماعي والثقافي للدول المستقبلة والمصدرة للهجرة.