رأي

عابر سبيل

وهل نساها الأكتوبريون؟
ابراهيم دقش
{ استمع وزير الاستعلامات والعمل في عهد نوفمبر (1958- 1964) المرحوم اللواء “محمد طلعت فريد” إلى قصيدة (أنا سوداني) لشاعرها “محمد عثمان عبد الرحيم” التي رددها “العطبراوي” من راديو أم درمان وما أن سمع : (دوحة العرب أصلها كرم وإلى العرب تنسب الفطن) حتى دق المنضدة بكلتا يديه وصاح : عاوزين يخربوا علاقاتنا مع الأفارقة؟ وطلب من فوره استدعاء الشاعر الغنائي “السر أحمد قدور”، وقال له في حزم: عاوزك تعمل قصيدة تحدث ” توازناً” وتحضرها لي غداً الساعة الثانية عشرة منتصف النهار.. وكاد “السر قدور” أن يقول سمعاً وطاعة. لكنه وهو خارج كان (يطنطن): هو قايل أن ترزي؟ ومع ذلك جاء في الموعد المضروب بقصيدة أرض الخير والتي مطلعها : أنا أفريقي، أنا سوداني.. التي صدح بها في ذلك الزمان الفنان “إبراهيم الكاشف”.
تلك القصة نوردها بمناسبة ذكرى ثورة أكتوبر التي أطاحت نظام الفريق “عبود” في 1964م، وهو النظام العسكري الذي رحَّب به السيدان “عبد الرحمن” و”علي الميرغني”، وأيدته مذكرة “كرام” المواطنين ودخل مجلسه المركزي (البرلمان) الحزب الشيوعي!.
وقصة أخرى نوردها.. فإذاعة أم درمان كانت تقدم التعليق السياسي اليومي الذي أوكلته للراحل “كمال بشير” واعتاد أن يختمه بعبارة واحدة : (ألا حيا الله الثورة وحيا قائدها الرئيس عبود).. وفجأة قررت الإذاعة إتاحة الفرصة لآخرين لتقديم التعليق السياسي فتقلص “كمال بشير” إلى تعليق واحد في الأسبوع مما لفت نظر الفريق “عبود”، فسأل عنه فأخبروه أن التعليق مقابله المادي ثلاثة جنيهات ولا يصح أن تقتصر على شخص واحد..واندهش الرجل وسأل : يعني كل واحد يتكلم في الراديو يمنحوه فلوساً ؟ ولما تلقى الإجابة علق : ما دا ” الخارب” البلد !.
تصوروا قائد نظام بتلك العفوية والبساطة!
وفي ذكرى أكتوبر هذا العام طفحت الصحف بالتمجيدات لثورة أكتوبر والتسبيح بحمدها، دون ذكر إخفاقاتها وكوارثها التي صحبتها.. وأولها التطهير في الخدمة المدنية الذي تمت فيه تصفية حسابات بلا حدود، وفقدت بسببه الخدمة المدنية أفضل الكوادر المتمرسة.. وثانيها (إلغاء) الإدارة الأهلية الذي كلف البلاد شططاً فيما بعد.
وأراني أتعجب بعد كل هذه السنين من الذين وصفوا نظام نوفمبر بعهد الفساد والاستبداد، فهل الفساد وصول خط السكة الحديد لنيالا ثم واو؟ وهل هو إنشاء شوارع مسفلتة الخرطوم- مدني وعطبرة بورتسودان ؟ وهل هو بناء خطط بحرية سودانية مؤهلة؟ أم هو قيام مصنع كرتون كسلا ومصنع بلح كريمة ومصنع ألبان بابنوسة؟ وهل هو ظهور التلفزيون والمسرح القومي؟.
أما الاستبداد فلا ينسجم مع قائد نظام مثل “عبود” يتحسس من زيارة مريض في المستشفى في غير موعد الزيارة فيسأل صاحبه بيدخلونا ؟.
سبحان الله!

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية