رأي

بعد.. ومسافة

“كمال الجزولي”.. والراية الحمراء
مصطفى أبو العزائم
 
هو شخصية تحبها من على البعد.. وتتمسك بذلك الحب إن تعرفت عليه عن قرب، فالأستاذ “كمال الدين عوض الجزولي دياب” المعروف لدينا ولدى العامة باسم “كمال الجزولي”، اسم لن تخطئه عين في مسيرة الرفاق السودانيين، وأصدقاؤنا الشيوعيون لا يعترفون لك بكسب أو جهد أو انتماء – وهذا هو الأهم – إلا بعد اختبارات وتمحيص حتى وإن تميزت عن من هم معك من أنداد وأبناء دفعة.
كنت أتوقع أن يكون الأستاذ “كمال الجزولي” متقدماً على من سواه منذ وقت بعيد في غرفة قيادة الحزب الشيوعي السوداني المركزية، لكن ذلك الأمر لم يجيء إلا بعد سنوات طويلة، ومن خلال المؤتمر العام السادس للحزب الشيوعي السوداني الذي انعقد مؤخراً، وقد سبقت وأعقبت انعقاده فرقعات وهزات لا يمكن وصفها بأقل من (التسونامي الحزبي)، فقد غادر الرفيق “الشفيع خضر” كما غادر آخرون دوائر الفعل الحقيقي داخل القلعة الحزبية الحمراء محكمة التحصين، وما كان أكثر المراقبين تشاؤماً ليتوقع هزة مثل تلك التي تعرض لها حزب الطبقة العاملة والبروليتاريا بخروج أحد أيقونات الحزب الثمينة المتمثلة في الأستاذ “كمال الجزولي”.
صحيح أن الأستاذ “كمال الجزولي” لم يستقل من الحزب الشيوعي، لكنه استقال من لجنته المركزية، وفي هذا رأي واضح حول طريقة العمل وإدارته داخل اللجنة المركزية، ولا يعرف أحد ماهية الأسباب التي أدت إلى خروج “الجزولي” من غرفة القيادة المركزية، حتى وإن تم الربط بين ذلك الخروج وبين استقالة عدد من الأطباء الشيوعيين الشباب، وخروجهم عن المنظومة الدقيقة، ورفعهم لعصا الطاعة في وجه القيادات التقليدية القديمة.
خروج أو إخراج “الشفيع خضر” ثم “كمال الجزولي” وهما من الكوادر القيادية المؤثرة وسط الشباب سيكون له ما بعده، وهما يمتلكان قيمة مضافة على انتمائهما للحزب الشيوعي والتزامهما بأدبياته وضوابطه، وقد سبقهما بالخروج – أو الإخراج – كثيرون حتى إن البعض اعتبر أن ذلك إحدى سمات الصراع المكتوم على الإمساك بدفة القيادة داخل الحزب، وسبق أن تم طرد المرحوم الأستاذ “عوض عبد الرازق” عقب خلافه مع المرحوم الأستاذ “عبد الخالق محجوب” عام 1952م، وخرج معه آنذاك مجموعة من المثقفين، كان من أبرزهم الأساتذة “عثمان محجوب عثمان” الشقيق الأكبر للراحل “عبد الخالق”، و”علي التوم” و”سيد أحمد نقد الله” و”بدر الدين سليمان” و”حسن أبو جبل” و”التيجاني الطيّب” و”محيي الدين عووضة” و”عبده دهب” و”حاجة كاشف بدري” وآخرون.
وتم لاحقاً في العام 1971م، خلال حكم الرئيس “نميري” – رحمه الله – إبعاد المرحومين “أحمد سليمان” المحامي و”معاوية إبراهيم” بعد تبنيهما مع آخرين لضرورة مساندة الجيش ليلعب دوراً كبيراً في التغيير في الوقت الذي كان يرى فيه الراحل “عبد الخالق محجوب” أن انقلابيي مايو ليسوا أكثر من برجوازية صغيرة متقلبة وملونة، وقد خرج كثيرون عن إمرة الحزب الشيوعي، منهم الأساتذة “آمال عباس” والمرحوم “كامل محجوب” وشارك بعضهم في الحكم المايوي مثل الأستاذ “فاروق أبو عيسى” و”أحمد سليمان” وغيرهما.
مسلسل الإبعاد أو الانسحاب لم يتوقف فقد طال الأساتذة “الخاتم عدلان” و”الحاج وراق” ود.”خالد حسين الكد” ود.”أحمد علي أحمد” ود.”عمر النجيب” وغيرهم ممن حاولوا نفخ روح العصر في الهيكل القديم، كما سبق أن خرجت عن الحزب الأستاذة “هالة عبد الحليم”.. ويبدو أن المسلسل سيستمر.
شخصياً.. أتوقع ألا يظل الحال على حاله، ولأن شخصية الأستاذ “كمال الجزولي” قوية ومؤثرة وهو رجل شجاع ومتخذ للقرار.. أتوقع أن يبدأ جمع لشتات الحزب الشيوعي السوداني من الذين تم تشريدهم وتمزيق بطاقة انتمائهم، أتوقع أن يجتمعوا على كلمة سواء لإنشاء حزب يتصل بالعصر والحداثة.. يحمل اسم الحزب الاشتراكي السوداني، أو أي اسم آخر.

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية