رأي

بعد.. ومسافة

“غندور” في وداع “فيصل” بدعوة من “إسماعيل”
مصطفى أيو العزائم
قليلاً ما يظهر وزير الخارجية– أي وزير خارجية- في حفل وداع لسفير دولة أخرى، إلا في حالات نادرة من بينها حفل الوداع الرسمي بمناسبة انتهاء فترة عمل السفير المعني.
يوم (الأربعاء) التاسع عشر من أكتوبر الحالي، الموافق للتاسع عشر من محرم للعام 1438هـ، كان يوماً استثنائياً، وحالة نادرة لبى فيها وزير خارجية السودان، البروفيسور “إبراهيم غندور”، دعوة كريمة من فضيلة الشيخ “إسماعيل عثمان الماحي” رئيس جماعة أنصار السنّة المحمدية في السودان، ليكون ضيفاً عزيزاً في وداع أحد أبرز سفراء المملكة العربية السعودية في بلادنا، هو سعادة الأستاذ “فيصل بن حامد معلا”، سفير خادم الحرمين الشريفين في السودان، بعد أن انتهت فترة عمله في بلادنا التي استمرت لأكثر من ست سنوات بقليل، حدثت فيها تحولات كثيرة وكبيرة في مسار العلاقة بين البلدين الشقيقين، تجاوزا فيها مراحل التوتر والريب والشكوك إلى مراحل العودة إلى ما كانت عليه طبيعة العلاقات بين البلدين، التي تميزت بالحميمية والإخاء الصادق والمتانة وتبادل المنافع.
مشاركة السيد البروفيسور “غندور” لها معنى عظيم لأن في عهده الحالي خلال توليه لمسؤوليات الوزارة حدثت هذه التطورات الإيجابية، ثم تجيء مشاركته اعترافاً بدور المحتفى به سعادة السيد السفير “فيصل بن حامد معلا” في الدفع بهذه العلاقة إلى الأمام، مما وحد بين مواقف الدولتين في مختلف القضايا الإقليمية والدولية.
وأما أن تكون جماعة أنصار السنّة المحمدية، وعلى رأسها فضيلة الشيخ الدكتور “إسماعيل عثمان الماحي” أول من يبادر بإقامة حفل لوداع السفير “فيصل”، فإن ذلك يدل على الدور الكبير الذي تقوم به هذه الجماعة الدعوية الصادقة في مجال فتح أبواب التعاون والتكامل مع المملكة العربية السعودية الشقيقة، التي تتشرف بأنها أرض الحرمين الشريفين التي اختارها الله سبحانه وتعالى قبلة لنبيه الكريم سيدنا محمد “صلى الله عليه وسلم”، وللمسلمين أجمعين إلى يوم الساعة.
 وظلت المملكة العربية السعودية ترعى، ومنذ وقت بعيد وتحمي وتصون شرع الله العظيم وسنّة نبيه الكريم، ولن تغيب عن الذاكرة السودانية زيارة جلالة الملك “فيصل بن عبد العزيز آل سعود” إلى السودان عام 1967م للمشاركة في مؤتمر القمة العربي الذي عرفه العالم بمؤتمر اللاءات الثلاثة، الذي قام فيه السودان بإجراء مصالحة تاريخية بين السعودية ومصر، أوقفت الحرب الكلامية والإعلامية بين القاهرة والرياض، وصافح الملك الكبير “فيصل بن عبد العزيز”- رحمه الله – الزعيم العربي “جمال عبد الناصر”، لتبدأ صفحة جديدة في شكل العلاقة الثنائية بين بلديهما الشقيقين، وعلاقات دول المنطقة العربية ببعضها البعض.
وقبل تلك الزيارة التاريخية كان سفير المملكة العربية السعودية الأسبق السيد “محمد العبيكان”– رحمه الله– قد قام بزيارة لمسجد جماعة أنصار السنّة بالسجانة– المركز العام الحالي– ورأى المباني البسيطة والأسقف المتهالكة، فطلب من قيادة الجماعة أن يأذنوا له في مخاطبة جلالة الملك “فيصل” بشأن إكمال مباني المسجد، وقد كان المسجد وقتها نقطة تجمع كبرى لمنسوبي الجماعة خاصة أيام الجمع والمناسبات الدينية، لسماع خطب الشايخ وفي مقدمتهم الشيخ “مصطفى أحمد ناجي”– رحمه الله– وافقت قيادة الجماعة وكان أن جاءت زيارة الملك “فيصل” إلى السودان التي سبقتها التزامات بإكمال المباني، وعند وصوله– رحمه الله– قام ومعه السفير “محمد العبيكان” بافتتاح المركز العام للجماعة في السجانة، كما قام بافتتاح مسجد شيخ “الهدية”– رحمه الله– بأم درمان المعروف باسم “مسجد الملك فيصل”.
حرصت على تلبية دعوة فضيلة الشيخ الدكتور “إسماعيل عثمان الماحي”، فدعوته لا ترد، وزادني حرصاً على تلبيتها أنها تجيء لوداع أخ كريم وصديق أعتز كثيراً بمعرفتي له منذ أن التقيت به لأول مرة في المجمع السكني لآل “النفيدي”، بدعوة كريمة– في إحدى مناسباتهم– من الأخ الكريم رجل الأعمال السيد “أمين بشير النفيدي”، وكان ذلك في سبتمبر من العام 2010م بعد وصول السيد السفير “فيصل بن حامد معلا” إلى الخرطوم بشهرين تقريباً، فوجدت الرجل نموذجاً للدبلوماسي الحريص على أداء عمله على أكمل وجه، كما وجدته نموذجاً للمثقف العربي المتفتح وللأديب صاحب الرؤية والمفردة الخاصة، ووجدته أيضاً خبيراً بالعلاقات الدولية، لكن نجاحه في بلادنا جاء لأنه كما قال فضيلة الشيخ الدكتور “إسماعيل عثمان الماحي”، عرف فك الشفرة السودانية، وقد أكد على ذلك البروفيسور “غندور”، والشفرة السودانية هي التواصل الاجتماعي الذي لم يتفوق فيه أحد عليه.
سيرحل “أبو فراس” لكن آثار فعله العظيم ستبقى مكتوبة بأحرف من ذهب في سجل العلاقات بين البلدين.
وجمعة مباركة..

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية