تيارات جوبا (1)
يجهل كثير من الشماليين ما يجري في دولة الجنوب من الداخل ومراكز القوى الصاعدة والهابطة القريبة من الرئيس سلفاكير والبعيدة! ومن هم دعاة التشدد مع الشمال الرافضون لأي تقارب مع الخرطوم ومن هم دعاة السلام والتوافق؟ وهل ثمة مواقف ثابتة ومبدئية أم مراكز القوى في الجنوب تعيش حالة (سيولة) دائمة.. ما كان بالأمس صقراً ذا مخالب يصبح اليوم من الحمائم، وما هو تأثير المعادلات الداخلية في تقلبهم ذات اليمين وذات الشمال؟ وهل يواجه الفريق سلفاكير ميارديت أزمة داخلية؟ أم أن الرجل قد أحكم قبضته على الحركة الشعبية الحاكمة وعلى السلطة؟ ولماذا أخذ سلفاكير ينتقد أداء الأجهزة الحكومية علناً في المنابر وآخرها نقده المرير لأداء شرطة الجنوب ووزارة الداخلية التي أسندت للواء ألسون مناني مقايا؟
القراءة الخاطئة لدولة الجنوب من الداخل تقود لنتائج خاطئة، فالجنوب الآن يحكم قبضته تحالف جديد يتكون من سلفاكير ونائبه رياك مشار بعد عودة الصفا والوئام، واطمئنان سلفاكير لنائبه ذي الطموح المحدود والحذر الشديد والخوف من المواجهة، وتحالف سلفاكير ونائبه مشار موجه في الأساس لضرب وإضعاف نفوذ باقان أموم داخل الجيش الشعبي ووسط شعب الجنوب، الذي يعتبر باقان أموم مرشحاً فوق العادة لخلافة سلفاكير مدفوعاً بسند إقليمي ودولي ليحكم الجنوب شخصية تجد قبولاً في الغرب ولا تحظى بسند (قبلي) واسع في الجنوب في محاولة لتحطيم أسطورة (القبائل)، في الجنوب، وبدأ سلفاكير (يضيق) بباقان أموم ونفوذه حتى جرده من أي منصب في حكومة الجنوب، ولكنه (أجل) معركة إزاحته من منصب الأمين العام للحركة الشعبية، وتبدلت عند باقان أموم قناعات قديمة وأخذ على عاتقه قيادة التفاوض مع الشمال لتسوية الخلافات التي ساهم باقان نفسه في تصاعدها حتى بلغت حافة الحرب، ويبحث (باقان) عبر التفاوض مع الخرطوم عن كنز ضائع من بين يديه وتقوية نفوذه الداخلي وتقديم نفسه للعالم الخارجي كقيادة بديلة لحقبة (العسكر) في الجنوب، ولكن (سلفاكير ورياك مشار) وضعوا جملة عراقيل ومصاعب في وجه باقان.. ومثّل الاعتداء على حقل هجليج واحتلاله ذروة التصعيد الذي أشرف عليه سلفاكير ونائبه رياك مشار لضرب أي تقارب يقوده باقان أموم، ومجموعة أولاد قرنق مع الشمال.. وقد تفاجأ (باقان) باحتلال هجليج بتوجيهات مباشرة من سلفاكير لحسابات داخلية وخارجية، وتنتاب (سلفاكير) هواجس و(وساوس) زرعها في قلبه بعض المحيطين به بأن الخرطوم تسعى لاقتلاع نظامه من جذوره وتدعم التيارات الانقلابية داخل الجنوب.
(وسلفاكير) هو من يقود الصقور، وخلال خطابه الأخير بدا محبطاً و(خائفاً) من أي تقارب مع الشمال، لذلك يسعى لتعبئة الجنوبيين وتحريضهم بأكاذيب من (تخيلاته) الخاصة وبطانته التي تتكون من نائبه د. رياك مشار والعائد لأحضانه (أليو) ووزير دفاعه و”بيور الأسود” و”كول ميانق”، بينما يقف “باقان أموم” و”غبريال شانق” و”ربيكا قرنق” واللواء “ألسون مناني مقايا” وزير الداخلية، و”دينق ألور” في تيار مقابل لسلفاكير، فأي المستقبل للتيارين؟ وهل المرونة والخطاب المعتدل لباقان أموم يعبر عن مواقفه الحقيقية أم هي تكنيكات فقط لكسب الوقت وإعادة ضخ البترول في شرايين الاقتصاد الجنوبي الذي يتهدده الانهيار؟ نواصل غداً..