رأي

بعد.. ومسافة

تهديد فاقد الصلاحية..!
مصطفى أبو العزائم
 
كيف سيكون موقفك إن قابلك شخص ما، تكون قد التقيت به في ظرف استثنائي، ولم يكن بينك وبينه سابق معرفة؟.. كيف سيكون موقفك إن استوقفك ذلك الشخص، ونقل لك مشاعره السالبة تجاهك بسبب قضية ما، لم تكن طرفاً مباشراً فيها، ولكنك وجدت نفسك تنقل وقائع صراع داخلي في واحدة من الوزارات أو المؤسسات، لينتقل الأمر إلى القضاء، وهناك تحدث إدانة لطرف دون الآخر، وتصبح أنت في نظر المحكوم ضده طرفاً في ما وقع عيه من ظلم؟ كيف يكون موقفك إن قابلك هذا الشخص وجهاً لوجه ونقل كل مشاعره السالبة تجاهك؟
حدث لي هذا صباح الأمس، أمام إحدى الصيدليات بأحد أحياء مدينة الثورة الجديدة، قابلني شاب فألقى عليَّ التحية، ورددت عليه بأحسن منها، وقال لي ما عرفتني..؟ ثم أجاب هو نفسه على السؤال بأن قال لي.. أنا الدكتور فلان.. وقفت ضدك أمام المحكمة في إحدى قضايا النشر، بعد اتهامات ساقتها ضدي الصحيفة التي كنت ترأس تحريرها، وهي اتهامات لم تقم على أساس صحيح، وقد حاولت أن أثبت براءتي من كل التهم، واستعنت بالشهود والمستندات، لكن القضاء برأ صحيفتكم، ولم يأخذ بدفوعاتي.. وقد شعرت يومها بظلم كبير وعظيم.
نظرت إلى وجه الرجل ورأيت فيه كل علامات الأسى والغبن الذي لم يمحه مر السنين ولا كر الشهور، وتذكرت القضية وتفاصيلها، وكيف أن المذكرات والمستندات ووقائع الاجتماعات نشرت في عدد من الصحف، وقد اضطر الدكتور إلى تقديم شكواه ضد عدد من الصحف.
قال لي الرجل بكل صدق وشفافية، ما تتخيل كرهتكم قدر شنو..؟ وكرهت جرايدكم لأنكم أصبحتم جزءًا من لعبة تصفية الحسابات داخل وزارتنا في فترة ما.. لكن الحمد لله، تركت العمل في المستشفيات وانتقلت إلى ما هو أفضل.. والآن أنظر أين هم من كانوا يروِّجون حولي الشائعات التي نشرتها الصحف، أين هم؟.. لقد تركوا مواقعهم.. منهم من تقلصت درجته، ومنهم من ترك البلاد مهاجراً، حتى بعد أن أصبح وزير دولة في يوم مضى.. لقد تأثرت كثيراً بما حدث وألقى ذلك بظلاله على أسرتي ومعارفي.. حتى أنني شاهدتك يوماً ما، في الطريق وأردت أن أصدمك بالسيارة.
كان الرجل واضحاً وصادقاً في نقل أحاسيسه ومشاعره تجاهي، لكنه صمت فترة وقال لي إنه يعرف أن هناك من قاموا بتضليل الصحافة والصحفيين، وأن بعضهم اكتشف هذا الأمر حتى أن صحفياً كبيراً جاء إليه وقبَّل رأسه معتذراً.
نظرت للرجل نظرة عميقة ذات معنى.. ابتسم وأمسك بيدي وقال لي.. فطورنا جاهز.. لا بد من أن تتناول معي لقمة حتى يصبح بيننا عيش وملح.. اعتذرت بأن لي موعد عمل مهم وارتباط سابق.
أمسك الرجل بعيني بعد أن أفرغ كل مكنونات نفسه وعبَّر عما يحس به من ظلم سابق، وهز يدي بشدة وقال لي.. يا أخي الحمد لله إني لقيتك وقلت ليك الجواي، أنا الآن مرتاح.. مرتاح جداً.. ويا أخي العفو لله ورسوله.
ابتسمت في وجه خصمي السابق أمام المحكمة، وشددت على يده، ورأيت وجهاً غير ذاك الوجه الذي رأيته أول ما رأيت ساعة اللقاء داخل الصيدلية، وقلت له: أنت زعلان من النتائج اللي ترتبت على المحكمة ونقلك من عملك.. لكن ثق تماماً في أن اختيار الله دائماً هو أفضل من اختيار البشر.
احتضنني الرجل.. وسعدت كثيراً أن موقفه تغيَّر بعد المشاعر السالبة التي كان يحملها والكره الذي لم يخفه.. وقال لي: فعلاً.. ليس أفضل مما يختاره الله لعباده.
افترقنا.. أصدقاء.
اللهم أعنا على شكرك وذكرك وطاعتك وحسن عبادتك آمين..
.. و.. جمعة مباركة

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية