الحاسة السادسة
ملامح من حياتنا!!
رشان أوشي
ثمَّ نفر قليلون يتجمهرون بعد صلاة (الجمعة) أمام طاولة “حسن” الجزار في سوق حارتنا بالثورة القديمة، رجال ونسوة، وكنت أقف في انتظار دوري لجلب حاجيات منزلية أرسلتني لشرائها جدتي، الرجال يجأرون بالشكوى من غلاء الأسعار ويرمون باللوم على الحكومة التي أطلقت يد التجار بلا ضابط، مما فتح بعضهم شهية جشعة على مصراعيها، ويصيح آخر “يا حاج حسن صلِّح الكيلو ده ياخ أصلو حق ثلاثة يوم”، وسط هذا الزحام البشري كانت تقف هي، صامتة تبعث نظرات خجولة، يبدو أنها متزوجة حديثاً ربما لم تتجاوز العامين أو أكثر، ذات سمرة فاقعة،لا تخلو من شحوب، وجسد نحيل، محسوبة على المعاناة التي تشكل عمق لوحة حياة الشعب السوداني، شقاء سيماها كانت كشجرة أصفرَّت أوراقها بفعل الجفاف، أو غرست في أرض ليست أرضها.
عندما انحسر الناس، طلبت مني بذوق رفيع أن أتقدم لشراء طلبي، ولكنني أصررت على أن تتقدم هي، فقد سبقتني في الوقوف، تقدمت السيدة ذات النظرات الحزينة، وطلبت (نص) ربع كيلو لحم، ومدت ورقة من فئة العشرة جنيهات، يبدو أن “حسن” الجزار يعرفها، بادرها قائلاً: “شيلي ربع الدنيا رمضان وجيبي حقو لمن تجي المرة الجاية”، حاولت أن أتماسك أمامها قبل أن تفر دمعة من عيني، صدمتي كانت مروعة، ووجعي أكثر ترويعاً، وصلنا هذا المنحى من ضنك العيش والفقر، وهناك غيرها من المئات ممن لا يملكون ثمن الخبز الحاف، يا إلهي، ألا يخاف المسؤولين عن حياتنا، الله فينا، ألا يعون قول أمير المؤمنين”عمر بن عبد العزيز”: (انثروا الحبوب في الجبال، حتى لا يقال جاع الطير في بلاد المسلمين)، اليوم جاع الشعب السوداني في الولاية الثانية، الناس في شظف من العيش، وضيق، وما زالت الدولة تصر على المضي في نهجها الفاشل المتبع في إدارة البلاد.