رأي

(جاستا) التداعيات والآثار القانونية والاقتصادية والسياسية

*أسامة صالح علي رحمة – مستشار قانوني
لم تهتم الأوساط السودانية – القانونية والاقتصادية والسياسية – بمشروع قانون العدالة ضد رعاة الإرهاب الأمريكي رقم (٢٠٤٠) المعروف اختصاراً بـ(جاستا) الذي اقره الكونغرس الأمريكي وعطلة الرئيس باراك أوباما باستخدام الفيتو وأعاده للكونغرس الذي رفض الفيتو بأغلبية (٩٧) صوتاً مقابل صوت واحد، كأول رفض من الكونغرس لحق الفيتو في عهدي الرئيس “باراك أوباما” الذي استخدمه خلال ولايتيه (١٢) مرة بأغلبية (٩٧ ) صوتاً مقابل صوت واحد ثم أحاله لمجلس النواب الذي رفض الفيتو الرئاسي بأغلبية (٣٣٨) صوتاً مقابل (٧٤). والكونغرس الأمريكي أقر هذا القانون بضغط من ضحايا وعائلات ضحايا الحادي عشر من سبتمبر ومن خلفهم المناوئون للمملكة العربية السعودية والمشرعون القريبون من إسرائيل وإيران والاقتصاديين المستصحبين للودائع والاستثمارات السعودية، ويعدل قانون العدالة ضد رعاة الإرهاب قانون صدر في عام 1967 يعطي حصانة لبلدان أخرى من الملاحقة القضائية في الولايات المتحدة الأميركية. وتسري التعديلات التي أدخلت على هذا القانون للإجراءات المدنية “المُعلقة أو التي قد بدأت أو بدأت بعد تاريخ صدور هذا القانون”، و”رفع دعوى بالأضرار التي لحقت بالأشخاص أو الممتلكات في أو بعد 11 سبتمبر 2001 وهذا القانون الذي لم يحظَ بالاهتمام الكافي من الأوساط القانونية بالرغم من مخالفته للقانون الدولي ولقواعد وأصول المحاكمات الدولية وميثاق الأمم المتحدة ومبادئها، واتفاقية حصانات الدول وممتلكاتها من الولاية القضائية لسنة 2004 – والتي بالرغم من عدم نفاذها إلا أنها تعتبر مصدراً رئيسياً لمعرفة مبادئ القانون الدولي – ومخالفته للأعراف الدولية ومبادئ القانون الدولي التي أصبحت بمثابة عادات وأعراف ملزمة لا تتردد أي دولة في الامتثال لها، وبوجه أخص مبدأ الحصانة السيادية للدولة والذي يُعدُّ من أهم المبادئ القانونية الراسخة في القانون الدولي والذي يقضي بعدم جواز إخضاع الدولة لولاية قضاء دولة أجنبية أخرى، ويكفل للدولة حقّها في الاعتراض على قيام القضاء الأجنبي لدولة أخرى بنظر أية دعوى تُرفع ضدّها خارج أراضيها. وفكرة قانون العدالة ضد رعاة الإرهاب نبعت بعد أن أفلحت المملكة العربية السعودية في دفعها بعدم اختصاص المحاكم الأمريكية بنظر الدعاوى المرفوعة ضدها لكونها دولة أجنبية ذات سيادة، حيث تصاعدت حملة يقودها أفراد من أصحاب المصالح الذاتية ومشرعون في الولايات المتحدة بهدف توسيع نطاق الولاية القضائية للمحاكم الأمريكية، نتيجة عدم توقيع الولايات المتحدة على اتفاقية حصانات الدول وممتلكاتها من الولاية القضائية، الأمر الذي دفع بهم إلى تبني تلك المبررات لعدم توافر الحماية القضائية للمتضررين. وتستهدفُ على وجه أخص مقاضاة حكومة المملكة العربية السعودية عن وقائع وأحداث ترتبط بالهجمات التي شهدتها الولايات المتحدة في الحادي عشر من سبتمبر ٢٠٠١، إذ يزعم هؤلاء أن للحكومة السعودية علاقةً بهذه الهجمات، وأفلحوا في إقناع ذوي ضحايا الهجوم بمطالبة الكونغرس الأميركي بتعديل قانون الحصانة السيادية للدول الأجنبية حتى يتمكنوا من مقاضاة الدول الأجنبية، بما فيها المملكة العربيّة السعوديّة، في المحاكم الأميركية. وفي تقديري أن هذا القانون بتحقيقه لتطلعات المناوئين للمملكة العربية السعودية بالتمهيد لإقامة دعاوى ضدها إلا أن توسيع الاستثناءات سيلحق أضراراً قانونية بالغة الخطورة بالولايات المتحدة الأمريكية وبعلاقاتها الاقتصادية والدبلوماسية مع المملكة العربية السعودية وبقية حلفائها من الدول الأخرى .وقانون العدالة ضد رعاة الإرهاب بني بشكل قانوني خاطئ فبدلاً من أن يستهدف معاقل الإرهاب ومنفذيه اتجه بوجه غير مشروع لتحميل دول بعينها مسؤولية الإرهاب برؤية قانونية واهية حيث أشارت ديباجة مشروع القانون إلى محاولة معالجة بعض العقبات التي تواجه كل من يسعى للحماية القضائية، طالما كان هنالك ضرر نتج عن تصرفات إحدى الدول، والولايات المتحدة بذلك ستؤسس لفوضى عالمية عارمة وستفتح الباب على مصراعيه لفوضى التشريعات وإصدار كل دولة لتشريع تحصن به نفسها من تربص الدول الأخرى وتحاكم به بقية الدول، الأمر الذي سيضعف منظمة الأمم المتحدة التي لها الحق في تبني قرارات أممية ملزمة لجميع دول العالم تكفل سيادة الدول وتحفظ الأمن والسلم الدوليين. وهذا التشريع من شأنه أن يسمح بالتقاضي ضد البلدان التي لم يتم تصنيفها من قبل السلطة التنفيذية الأمريكية كدول راعية للإرهاب ولم تنفذ أي تدابير مباشرة في الولايات المتحدة لتنفيذ هجوم داخل أراضيها والولايات المتحدة الأمريكية تمارس أنشطة دبلوماسية واقتصادية وعسكرية في الخارج أكثر مما تفعله أية دولة أخرى. وإذا أُضعِفت قاعدة الحصانة السيادية فإن هذا من شأنه أن يعرض فاعلية مساعداتها الخارجية وشرعية إجراءاتها وممثليها العسكريين والسياسيين في حربها على الإرهاب للخطر، و يُعَرِّضها للمزيد من الدعاوى القضائية أمام المحاكم الأجنبية أكثر من أية دولة أخرى نتيجة للمساعدات العسكرية وغيرها من المساعدات الأجنبية الأخرى التي تقدمها للعديد من الدول كمساعداتها لإسرائيل والتي أسفرت عن تشريد وقتل الآلاف بالضفة الغربية، وكذلك الضربات الجوية الأمريكية ضد تنظيم القاعدة وتنظيم داعش الذي يمكن تكييفه بالعمل الإرهابي لدى بعض الفقهاء. كما أن انعقاد الاختصاص للمحاكم الوطنية سيؤدي إلى انعدام الثقة وسوء وتوتر العلاقات بين الدول، وحتى وإن مورس الاختصاص من هذه المحاكم وأصدرت أحكامها ضد دولة ما فإنها ستكون فارغة المحتوى ولن تنفذ لاستحالة التنفيذ بدون رضا الدول الأخرى. إن الخيارات والدفوعات القانونية أمام السعودية ضعيفة فقد يرى البعض إمكانية استفادتها من مخالفة القانون للفقرة التاسعة من المادة الأولى من الدستور الأمريكي التي تمنع إصدار قانون جزائي بأثر رجعي، ولكن وبالرغم من وقوع الأحداث قبل صدور القانون إلا أن السعودية لا يمكنها الاستفادة من مبدأ عدم رجعية القوانين أو تطبيق القانون بأثر رجعي، لأن نصوص قانون (جاستا) لا تحوي تجريماً لأفعال بأثر رجعي أو عقوبات جنائية بل تطرق القانون فقط إلى توسيع نطاق الولاية القضائية للمحاكم الأمريكية على الدعاوى المدنية، لتشمل الدول بإضافة استثناء على مبدأ حصانة الدول المحدد بقانون حصانة السيادة الأجنبية لسنة ١٩٧٦. وهو تعديل إجرائي لا موضوعي يدرج أحكاماً تعالج مسائل محددة، الأمر الذي يعني عدم إمكانية الاستفادة من مبدأ عدم رجعية القوانين، كما أن الفقرة التاسعة من المادة الأولى من الدستور الأمريكي وفقاً لتفسيرات المحكمة العليا الأمريكية لا تشمل المسائل المدنية. وقد يرى آخرون إمكانية الاستفادة من دفع حجية الأمر المقضي فيه بعدم جواز نظر دعاوى سبق الفصل فيها، بيد أن هذا القول مردود لأن قانون (جاستا) لم يتطرق لجواز نظر دعاوى سبق الفصل فيها ولكن اقتصر على الإشارة إلى جواز نظر وقائع سابقة منذ سبتمبر 2001 أو  دعاوى منظورة خلال تاريخ نفاذ القانون وفقاً للفقرة السابعة من القانون والتي تنص على 🙂 SEC. 7. EFFECTIVE DATE. The amendments made by this Act shall apply to any civil action— (1) pending on, or commenced on or after, the date of enactment of this Act; and (2) arising out of an injury to a person, property, or business on or after September 11, 2001. وقد يقول قائل بإمكانية الاستناد إلى الاتفاقية الدولية التي وقعت عليها بعض الدول لحمايتها من ولاية القضاء الأمريكي، وهو الآخر قول مردود لعدم نفاذ هذه الاتفاقية وحتى على فرض نفاذها فإنه وفقاً للمادة الرابعة منها والتي تنص على أن أحكامها ليس لها أثر رجعي من تاريخ توقيع الدول عليها لا يمكن الاستفادة منها. وقد يتبادر إلى الذهن أن المملكة العربية السعودية لا خيار قانوني لها بعد تفنيد البينات إلا الفقرة الخامسة من القانون والتي تنص على ( SEC. 5. STAY OF ACTIONS PENDING STATE NEGOTIATIONS. (a) Exclusive Jurisdiction.—The courts of the United States shall have exclusive jurisdiction in any action in which a foreign state is subject to the jurisdiction of a court of the United States under section 1605B of title 28, United States Code, as added by section 3(a) of this Act. (b) Intervention.—The Attorney General may intervene in any action in which a foreign state is subject to the jurisdiction of a court of the United States under section 1605B of title 28, United States Code, as added by section 3(a) of this Act, for the purpose of seeking a stay of the civil action, in whole or in part. (c) Stay.— (1) IN GENERAL.—A court of the United States may stay a proceeding against a foreign state if the Secretary of State certifies that the United States is engaged in good faith discussions with the foreign state defendant concerning the resolution of the claims against the foreign state, or any  other parties as to whom a stay of claims is sought.  (2) DURATION.— (A) IN GENERAL.—A stay under this section may be granted for not more than 180 days. (B) EXTENSION.— (i) IN GENERAL.—The Attorney General may petition the court for an extension of the stay for additional 180-day periods. (ii) RECERTIFICATION.—A court shall grant an extension under clause (i) if the Secretary of State recertifies that the United States remains engaged in good faith discussions with the foreign state defendant concerning the resolution of the claims against the foreign state, or any other parties as to whom a stay of claims is sought. ) وفقاً للفقرة الخامسة تملك المحاكم الأمريكية سلطة قضائية وحصرية للبت في أية قضية تخضع بموجبها دولة أجنبية للقضاء الأمريكي، كما يحق للمدعي العام التدخل في أية قضية تخضع بموجبها دولة أجنبية للسلطة القضائية للمحاكم الأمريكية، وذلك بغرض السعي لوقف الدعوى المدنية كلياً أو جزئياً. كما منح القانون المحاكم الأمريكية حق وقف الدعوى ضد أية دولة أجنبية، إذا ما شهد وزير الخارجية بأن الولايات المتحدة تشارك بنية حسنة مع الدولة الأجنبية المدعي عليها بغية التوصل إلى حلول للدعاوى المرفوعة على الدولة الأجنبية، أو أي جهات أخرى مطلوب إيقاف الدعاوى المرفوعة بشأنها. وحدد النص مدة إيقاف الدعوى بأن لا تزيد عن (180) يوماً، مع حق المدعي العام مطالبة المحكمة بتمديد الفترة لمدة (180) يوماً إضافية، ولكن الفقرة الخامسة من القانون قيدت طلب وقف نظر الدعوى ضد دولة أجنبية بوجود مفاوضات بحسن نية لتسوية النزاع خضوعها لرقابة القضاء، للتأكد من وجود جهود ملموسة تشير إلى قرب التوصل إلى تسوية مرضية لأطراف الخصومة القضائية، كما أن هذه الفقرة المرتبطة بالمادة (١٦٠٥) من التدوين الجامع للقانون الأمريكي قيد منح المدعي العام لحق طلبات كشف الوثائق والبيانات بوقائع لم يمر عليها أكثر من عشر سنوات، إلا إذا ارتبطت بالتحقيق في قضايا أخرى تتضمن وقائع تخالف القانون الأمريكي. ومن الناحية السياسية فإن (جاستا) يشرع لفوضى في النظام العالمي وخلق تكتلات سياسية وصراعات إقليمية وقودها الأيديولوجيا والمساحات الجيوسياسية، وسيقوض علاقة الولايات المتحدة بالسعودية وغيرها من حلفائها وشركائها وسيضر بمصالحها وأمنها القومي وبالجهود الدولية الرامية لمحاربة الإرهاب، وسيشهد العالم ميلاد أحلاف وتكتلات وشراكات جديدة لمواجهة الغطرسة الأمريكية، ومجلسا الشيوخ والنواب أقرا قانون العدالة ورفضا فيتو الرئيس “باراك أوباما” بضغط من المناوئين للمملكة العربية السعودية والموالين لإيران وإسرائيل، وخشية غضب وردة فعل الناخبين في الانتخابات القادمة . أما التداعيات الاقتصادية فتتجلى في رغبات وأطماع اقتصاديين في الحجز والاستيلاء على (٧٥٠) مليار دولار حجم الاستثمارات السعودية بالولايات المتحدة الأمريكية، منها (١١٦.٨) مليار دولار سندات حكومية، بيد أن إقرار هذا القانون سيرتب آثاراً اقتصادية سالبة لأن السعودية قد تتجه لبيع وتسييل ونقل سنداتها الحكومية ومواصلة تنويع سلتها الاستثمارية وعلاقاتها التجارية والتركيز على العالمين العربي والإسلامي، والتوجه نحو اليابان وكوريا والصين وتركيا والهند وغيرها وسحب التزامها بربط الريال بالدولار الأمريكي، والعمل على إقناع أشقائها بمجلس التعاون الخليجي والدول الإسلامية بإتباع سياستها التي قد تشمل تجميد التعاون الاقتصادي، الأمر الذي يعرض الولايات المتحدة لهزة مالية تمتد لغيرها من الدول، بالإضافة لتنفير وزعزعة ثقة بقية الاستثمارات العربية والإسلامية، كما أن هذا القانون سيعرض أصول وممتلكات الولايات المتحدة بالخارج لخطر الحجز القضائي والاستيلاء عليها من المتقاضين تنفيذاً لأحكام محلية أجنبية، قررت بتشريعات مماثلة من تلك الدول الأجنبية مما ينبئ بعواقب اقتصادية خطيرة على الولايات المتحدة الأمريكية.

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية