الغيرة السياسية بين "الميرغني" والإمام "الصادق"!
بقلم – عادل عبده
لوازم الغيرة السياسية والتنافس التاريخي بين الإمام “الصادق المهدي” رئيس حزب الأمة القومي ومولانا “محمد عثمان الميرغني” زعيم الاتحادي (الأصل)، لم تمت حتى الآن بل ما زالت هائمة في الأجواء حيث لم تستطع سنوات الإنقاذ التي قاربت حوالي (27) عاماً محو تلك الشواهد السياسية المنقوشة على جدران الساحة السودانية!! هل يمكن للعقل السياسي أن يصدق بأن الإمام “الصادق” ومولانا “محمد عثمان الميرغني” اللذين يتواجدان هذه الأيام في “القاهرة” منذ فترة ليست بالقصيرة لم يلتقيا حتى الآن، ولم يجرِ بين الاثنين حتى اليوم اتصال هاتفي من باب المجاملة والتحية الشخصية، فالأمر يزداد دهشة وغرابة منقطعة النظير إذا علمنا بأن مسافة الزمن بالسيارة بين سكن الرجلين لا تتجاوز أكثر من نصف الساعة. فالإمام يقطن في مدينة مصر بينما مولانا يقطن بضاحية مصر الجديدة.. ماذا في دواخل الإمام ومولانا؟!.. ولماذا تبلغ الحساسية المفرطة والحسابات الدقيقة بين الزعيمين الكبيرين إلى هذا المستوى العجيب الذي يفجر أنوار الصمت ويقدح علامات الحيرة على الفضاءات الواسعة؟.. وما هو سر هذه العلاقة المربكة التي لا ترضي الكثيرين على ساحة الحزبين الكبيرين؟
كان المأمول أن تزداد العلاقة بين مولانا “الميرغني” والإمام “الصادق” قوة ومتانة على خلفية تمدد الإنقاذ ومنهجها القائم على الإرباك والتمكين، لكن الواقع يؤكد بأن نار الغيرة السياسية ما زالت ملتهبة على صدر الزعيمين الكبيرين، وأن سيناريوهات الأجواء القديمة لم تنطفئ من الذاكرة!
إذا نظرنا إلى مشهد الإمام ومولانا في “القاهرة” .. يلوح أمامنا مربط الفرس في المنطقة الحساسة.. حيث يبرز السؤالان الكبيران.. من الذي يتنازل للآخر؟ ومن الذي يفتح طريق التلاقي في البداية؟.. مولانا يعتقد بأن الإمام “الصادق” يفترض أن يزوره في مسكنه بمجرد وصوله للقاهرة بحسبان أنه كان مريضاً جاء من “لندن” إلى مصر للنقاهة، بينما الإمام “الصادق” يعتقد بأن مولانا كان يفترض إعلامه بحضوره للقاهرة على أساس أنه أصلاً ظل موجوداً بمصر لفترة عامين، سيما وأنه زار مولانا في “لندن” قبل ذلك!!. من الصعب أن تجد أيهما يمتلك المبرر المنطقي الذي يمثل حجة على الآخر، لكن من السهولة أن تستلهم الشعور الطاغي بإرث الزعامة الكبير والحرص على تطبيق ميكانيزم الغيرة السياسية المبنية على روح المسار التاريخي.. فالصادق يريد خطوة من مولانا، و”الميرغني” يريد خطوة من الإمام حتى يلتقيا.
نجد أن تغيير الواقع في تركيبة العلاقة بين الإمام ومولانا لم تتلاشَ بوجود وهيمنة الإنقاذ على السلطة، ولم تنحسر بمرور الأيام والمياه التي جرت تحت الجسر ودائماً تبقى تلك العلاقة في سجل التاريخ وأيقونة المبارزة الديمقراطية .
في السياق نرى مولانا “الميرغني” دخل قطار السلطة من خلال مشاركة حزبية واضحة المعالم، بينما اختار الإمام “الصادق” تبني مبادرة نداء السودان بمشاركة حملة السلاح بالخارج وبعض القوى المعارضة بالداخل. فالشاهد أن كليهما يتعاملان مع الإنقاذ من خلال مسارات مختلفة ولم يفكر الرجلان في خلق التنسيق بينهما، في المواقف والرؤى حول إيجاد خارطة طريق مشتركة في إطار الجهود المبذولة، لخلق التصورات والأفكار التي تفتح الطريق لحل القضية السودانية.
جذوة الحاجز التاريخي بين مولانا والإمام لم تنطفئ أبداً فهي معطونة بإرث الأجداد والمذاق السحري والنفحة التنافسية المعتقة، فالواضح أن تنافس الإمام ومولانا بزخمه الممتد يجب أن ينظر إلى واقع المشهد السياسي الذي يؤكد الحاجة الماسة للتعاون والتنسيق المشترك بينهما، بغض النظر من الذي يكون نجماً لامعاً على حساب الآخر.
كم هو مؤلم ومحزن أن يتجاوز الإمام ومولانا آلية التواصل السياسي والاجتماعي بينهما وهما على مسافة مرمى حجر في قاهرة المعز.
فالمحصلة ترى أنه من الغرابة أن تظل هذه العلاقة بين الزعيمين الكبيرين على محطة الغيرة السياسية، في ظل ضجيج الإنقاذ وعلو كعبها على المسرح السوداني