القادم الجديد للبيت الأبيض هل يضع حداً للقطيعة بين "الخرطوم" و"واشنطن" .؟!
“كلينتون” قد تكون أفضل من “ترامب” في التعاطي مع السودان
الخرطوم ـ محمد جمال قندول
يراقب العالم أجمع عن قرب المناظرات الرئاسية للانتخابات بالولايات المتحدة الأمريكية بين المرشحين عن الحزب الديمقراطي “هيلاري كلينتون” والمرشح عن الحزب الجمهوري “دونالد ترامب”، خاصة وأن نتائج اختيار أي من المرشحين ستنعكس بصورة مباشرة على تحديد مسارات العلاقات الخارجية للولايات المتحدة الأمريكية، مع دول العالم المختلفة.
وشهدت العلاقات بين “الخرطوم” و”واشنطن” مؤخراً، تحسناً طفيفاً، وليس بالمطمئن. ورغم ذلك ينتظر أن يلعب القادم من المرشحين “هيلاري” و”ترامب” دوراً في تحديد مسار العلاقات بين البلدين، على نحو جديد. وبحسب النتائج الأخيرة فإن “هيلاري كلينتون” هي الأقرب للفوز ولأن تمد – بالتالي – حكم الديمقراطيين، بعد أن حكم الرئيس الأمريكي الحالي “باراك أوباما” فترتين لم تشهد خلالها العلاقات الأمريكية -السودانية أي تقدم ملحوظ، رغم الآمال العريضة، التي رسمت حينما تسلم “أوباما” مقاليد حكم أكبر دولة في العالم. وفي ظل المتغيرات التي تشهدها الساحة السياسة الدولية، بشكل عام، تترقب الخرطوم، ولكن ليس على درجة عالية من الاهتمام، وإنما من باب العلم، بالإضافة إلى اهتمام العالم أجمع بالرئيس الجديد لأمريكا، لرسم ملامح المرحلة المقبلة.
(1)
وبرزت بعض من لامبالاة الخرطوم وضعف اهتمامها بالنتائج المرتقبة للانتخابات الأمريكية، أو مراهنتها عليها، من خلال تصريحات المسؤولين . قبل أيام قليلة صرح الأمين السياسي لحزب المؤتمر الوطني “حامد ممتاز” لـ(المجهر)، بأنهم منشغلون بالحوار الوطني، وأنه ليس هنالك أي ربط بين ما يجري داخل السودان من حوار، ومخرجاته، وبين ما يجري من انتخابات في أمريكا، ونتائجها المحتملة، وتأثيرها على مسار علاقات البلدين. في وقت أيضاً قال فيه نائب رئيس القطاع السياسي للمؤتمر الوطني، “عبد الملك البرير”، في تصريحات سابقة لـ(المجهر)، بأن حكومته لا تخشى من فوز أي من المرشحين المحتملين لقيادة أمريكا، خاصة وأن الولايات المتحدة الأمريكية، بحسب وجهه نظره، تحتكم لقوانين لا تتغير مع تغير الرؤساء . وأضاف “عبد الملك” بأنهم لا يخافون من من قد يأتي . وزاد بالقول: (ما بنخاف ولا ح نخاف أكتر من الخوف العشناه زمان!).
حديث “عبد الملك” أمن عليه في حديث لـ(المجهر) الناطق الرسمي باسم الحكومة ووزير الإعلام د.”أحمد بلال”، والذي قال إن السياسة الأمريكية والعلاقات الدولية مبنية على الثبات ولا تتغير بتغير الرؤساء.
(2)
حديث المسؤولين أعلاه لا يدع مجالاً للشك في أن الحكومة غير منشغلة بما يجري في أمريكا بقدر انشغالها بالحوار الوطني الجاري حالياً بالخرطوم، والذي يمضي إلى خواتيمه في العاشر من أكتوبر الجاري، موعد المؤتمر العام للحوار الوطني، بالإضافة إلى أنه يؤكد بأن المسؤولين السودانيين ما عادوا يثقون كثيراً في أمريكا ووعودها، وذلك على خلفية المرارات التي عايشوها خلال فترة الـ(25) عاماً من عمر الإنقاذ، والتي تخللتها العديد من الوعود التي لم تأت بنتيجة ولم تشهد خلالها العلاقات الأمريكية السودانية تحسناً بايناً، رغم أنها حالياً تعتبر في أفضل حالاتها من السنوات الماضية، ولم تف أمريكا بوعودها للخرطوم، برفع اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب حال تنفيذه اتفاقية السلام الشامل نيفاشا ـ والتي قادت إلى انفصال جنوب السودان، بالإضافة إلى العديد من المساهمات التي قدمها السودان، خاصة، فيما يتعلق بالحرب على الإرهاب. ولكن وعود أمريكا كلها لم تنفذ، وهو ما ولد حالة من الإحباط لدى المسؤولين السودانيين تجاه مستقبل العلاقة مع “واشنطن”.
(3)
وتظهر النتائج الأخيرة، لاستطلاعات الرأي أن المرشحة عن الحزب الديمقراطي “هيلاري كلينتون” تتقدم في اتجاه أن تكون أول رئيسة تحكم أمريكا، البلد الذي تأسس في العام 1776م قبل 240 عاماً، والتي تتزعم العالم باقتصاد قومي يقدر بـ18 تريليون دولار سنوياً، والذي يشهد استقرار القانون بدءاً من الشارع الأمريكي وحتى السلطة التي انتظم فيها التغيير بصورة سلسة. وبحسب الخبراء فإن “هيلاري كلينتون” قد تكون أفضل من “ترامب” لحكم أمريكا لتتعاطى مع الخرطوم بصورة جديدة خاصة وأن “كلينتون” أثناء تقلدها منصب وزارة الخارجية الأمريكية استطاعت أن تعرف الخرطوم عن قرب وتستطيع أن تمضي في سياسة “باراك أوباما”، التي لم تأت بجديد يذكر بين الخرطوم وواشنطن، على الرغم من إن السودان لم يتضرر منها أيضاً. أما انتخاب “ترامب” فقد يدخل الخرطوم في نفق مظلم، خاصة أن الرجل متطرف جداً فيما يتعلق بالتعامل مع الإسلام بشكل عام. ولا ينسى المسلمون في العالم تصريحه بأنه حال فوزه سيبعث بالمسلمين إلى كوكب المريخ، وسيطردهم من أمريكا. وهو ما جعله مصنفاً بأنه مجنون، ولا تأمن دول العالم كله شره. وأعربت العديد من الدول بما فيها الاتحاد الأوربي، عن أنها تفضل “كلينتون” على “ترامب”.
(4)
وبحسب الخبير السياسي الدكتور “صلاح الدومة” في حديث لـ(المجهر) فإن السياسة الأمريكية لا يحددها الرئيس الجديد، وإنما هي مبنية على الوصايا العشر، التي وضعها “هنري كيسنجر” و”برنجسكي” وهما اللذان تقلدا منصبي مستشارين للرؤساء الأمريكان، و”كيسنجر” هو من أشهر الوزراء الأمريكان خلال السبعينيات، وهو من الذين وضعوا الوصايا العشر، فيما يتعلق بالعلاقات الخارجية بمختلف أفرعها. وهي أسس محددة وثابتة، ولا يستطيع أن يحيد عنها أي رئيس للجمهورية، وأن العقوبات المفروضة على السودان، جاءت نتيجة لهذه الوصايا، وأي رئيس جديد فلن ينجو السودان من هذه العقوبات إن لم يقدم فروض الطاعة والولاء.
وأكد “الدومة” بأن على الخرطوم أن تبني سياساتها على أسس دولية، بعيداً عن التركيز على هوية الرئيس الجديد. ويرى “الدومة” بأنه لا أفضلية لأي واحد منهما، غير أنه قال إن “ترامب” غير مقبول وهو مسمى بـ(الثور المتهور)، بينما “هيلاري” شخصية واقعية وزوجة رئيس دولة سابق، وتمتلك علاقات بالسياسة الخارجية، خصوصاً، وهي كانت أصلاً سيدة البيت لـ (8) سنوات، ملمة بتفاصيل السياسية الخارجية بصورة قريبة من دوائر صنع القرار، وأنها ستفوز بلا شك.
وينتظر أن يضع شهر يناير القادم حداً للانتظار، وتتويج “كلينتون” الأقرب أو إحداث “ترامب” لمفاجأة، والفوز برئاسة الجمهورية الأمريكية. وفي ظل ذلك سيكون الانتظار طويلاً أكثر من تاريخ يناير، ليرسم أي من القادمين طريق العلاقات وإعادة تشكيل تحالفات جديدة، والنظر في التعاطي مع العلاقات بدول العالم الثالث، على أسس موضوعية مع العلم بأن العلاقات مع الشرق الأوسط، قد تحدث فيها تطورات جديدة في أعقاب التوترات بين واشنطن، وبين حليفها الاستراتيجي والتاريخي على مدى سنوات طويلة جداً، وهو السعودية بجانب النظر إلى مستقبل العلاقات بين “واشنطن” و”الخرطوم”.