"البشير" يتعهد بتنفيذ مخرجات الحوار الوطني ويجدد الدعوة للقوى والحركات للالتحاق بركب الحوار
في الجلسة الختامية للحوار المجتمعي
الخرطوم ـ محمد جمال قندول
اختتمت اللجنة التنسيقية العليا للحوار المجتمعي أعمالها وسلمت مخرجات لجانها في وثيقة لرئيس الجمهورية أمس (الاثنين) بقاعة الصداقة، بحضور كبير تقدمه وزراء ومسؤولون وقيادات أحزاب وحشد متنوع من رجال ونساء بمجالات مختلفة، حضروا خصيصاً ليشهدوا أحد إنجازات مسارات حوار الوثبة الذي أطلقه رئيس الجمهورية قبل عامين.
وغطت توصيات الوثيقة أحد عشر محوراً تضمنت الهوية ومطلوبات التوافق الوطني والأهداف والسياسات ومنظومة القيم والحريات ومطلوبات تحقيق التوافق الوطني، والمصالح الاقتصادية ومعاش الناس ومرتكزات الإدارة والحكم الرشيد والعلاقات الخارجية والثقافة والتعليم والرياضة وآليات المشاركة الشعبية.
كلمة رئيس الجمهورية
قال المشير “عمر البشير” رئيس الجمهورية بأن لجان الحوار المجتمعي تم تشكيلها لتستوعب مختلف قطاعات السودانيين، بتباين مواقفهم السياسية وانتماءاتهم الحزبية في العديدِ من دول العالم.
وأشار الرئيس خلال مخاطبته الحشود بقاعة الصداقة أمس (الاثنين) في الجلسة الختامية للجمعية العمومية للحوار المجتمعي، إلى أن جولات وفود الحوار المجتمعي الخارجية للالتقاء بالسودانيين في المهجر قد أضفت بعداً مكملاً للبعد الشعبي الذي توفر داخليا للحوار المجتمعي. وقال إن ذلك يمثل تجربة فريدة لم يشهدها تطور البلاد التاريخي في بناء الدولة وتأسيس مجتمع الرشد والنماء من قبل، وأنها تجربة سودانية خالصة تستحقُ الإشادةَ والتقدير.
وأثنى “البشير” على حرص اللجان القومية للحوار المجتمعي، ووفودها بالولايات، وللسودانيين خارج البلاد، بإبراز الدور الرائد للمجتمع المدني بكافة شرائحه في طرح الحلول للمشكلات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، وتطوير قيم الشورى والديمقراطية داخل المجتمع ونجاحها في إدماج فئات المجتمع في هذا الحوار، من عمالٍ وزراعٍ ورعاة وشباب وطلاب ونساء وطرق صوفية ورموز وطنية ومبدعين وأهل الرياضة والفنون والإعلام، وأساتذة الجامعات وباحثين ومعلمين ومنظمات مجتمع مدني وتنظيمات فئوية ودعاة ورجال تداولوا بروحٍ اتسمت بالصدق وبالرغبة الوثابة للتوافق على قضايا حسبها البعض. مواطن خلاف واختلاف
وأضاف “البشير” بأن أعمال اللجان القومية للحوار المجتمعي وهي تؤدي مهامَها في القضايا مناط تكليفها لفترة تجاوزت العام والنصف، هدفت إلى النظر والدراسة والتداول في القضايا الكلية التي أدى الاختلاف فيها وتباين المواقف حولها إلى تأخير تطورِ بلادنا نحو المكانة التي تتناسب وإمكانياتها إقليمياً ودولياً، داعياً في ذات الوقت كافة أفراد المجتمع وقطاعاته إلى إزكاء روح الوحدة الوطنية والتعايش السلمي والعمل الجاد على إشاعة ثقافة الحوار والتوافق الوطني. وأشار إلى أن البلاد ستشهد في الأيام المقبلة ختام جلسات انعقاد المؤتمر العام للحوار الوطني والذي ينظر في توصيات الحوار السياسي والمجتمعي اللذين يشكلان معاً وثيقة وطنية تاريخية.
وجدد رئيس الجمهورية الدعوة للقوى السياسية والحركات المسلحة التي لم تشارك في الحوار الوطني، لتحكيم صوت العقل والانضمام لمسيرة الحوار الوطني وترك الحرب والصراعات التي أقعدت ببلادنا عن ركب التطور والازدهار، باعتبار أن السودان يقف اليوم على أعتاب مرحلة جديدة عنوانها الوئام والمحبة والسلام والتصالح الوطني، مشيراً إلى أنه سيولي وثيقة الحوار المجتمعي الاهتمام الذي تستحقه، معرباً عن شكره وتقديره لما بذله أعضاء الحوار المجتمعي من جهود متعاظمة ومقدرة تضع البلاد بمشيئة الله في الطريق الصحيح وتقوم مسارها نحو آفاق تنموية أرحب. وتعهد رئيس الجمهورية المشير “البشير” بتنفيذ توصيات الحوار. ودعا المجتمع السوداني إلى إزكاء روح الوحدة والتعايش وإشاعة ثقافة الحوار والتوافق، كما دعا الممانعين إلى تحكيم صوت العقل والانضمام للحوار وترك الحرب والنزاعات التي أقعدت البلاد.
كلمات أعضاء اللجان
من جانبه تقدم رئيس اللجنة التنسيقية للحوار المجتمعي البروفيسور “حسين سليمان أبو صالح”، بالشكر الجزيل لرئيس الجمعية العمومية للحوار رئيس الجمهورية المشير “عمر البشير” لرعايته للحوار المجتمعي، كما شكر مجلس الوزراء وسكرتارية الحوار على الجهود التي بذلوها. واعتبر بأن الحوار هو المنفذ لحلحلة مشاكل البلاد. وأضاف بأن اللجان توافقت على إنجاز مهامها من خلال إعداد أوراق علمية واستطلاع آراء الناس حول القضايا التي يعانون منها، مع عدم وجود أي شروط للحوار المجتمعي. وأضاف بأن اللجان عقدت (82) اجتماعاً وأن اللجنة التنسيقية انتخبت ووقعت على كل ما ورد من اللجان المختلفة.
بينما أشار رئيس لجنة قطاع الإنتاج ومعاش الناس بروفيسور “مصطفى نواري”. وأكد بأن معاش الناس يمثل عصب الحياة الأمر الذي أدى إلى توفيق اللجنة بمجموعات مختلفة، ساهمت في وضع أطر وتحديد مشكلات تواجه قطاع الإنتاج ومعاش الناس وأفضت إلى إجراءات عملية جرى استيعابها داخل مخرجات الحوار المجتمعي. وأضاف بأن هنالك مسارات حددت لإدارة أعمال اللجنة أبرزها قضية الإنتاج ومعاش الناس.
وأشار إلى أن اللجنة عقدت اجتماعات ومناشط واستطلاعات نوعية واستخلصت آراء الخبراء واعتماد سياسة ناجعة لتوفير الاحتياجات الضرورية للناس، وإنها أوجزت هذه المخرجات في كتيب يحمل مشاكل المواطنين بكل ولايات السودان المختلفة.
من جانبه أشار رئيس قطاع الثقافة والفكر والرياضة والتعليم البروفيسور “علي شمو” خلال مخاطبته الحشد بقاعة الصداقة بأن اللجنة سعت لتوسيع قاعدة المشاركة والتراضي على برنامج وطني وخارطة طريق متفق عليها، لتحقيق الاستقرار بالإضافة إلى إسناد الحوار الوطني واستكمال برنامج إصلاح الدولة، وأن اللجنة حرصت على إتاحة حوارات مباشرة والرأي بحرية تامة. وأضاف “شمو” أن هناك من يمثلون غالبية المجتمع السوداني لهم حقوق مهضومة وآراء في كل قضايا الوطن التي تتجاوز السلطة والحكم والنفوذ، معتبراً في ذات الوقت أن الصراع والجدال اللذين دارا داخل الحوار المجتمعي، هو جدال إنساني حكمته قيم فاضلة وجرى في أجواء سيطرت عليها الحكمة والنفس الهادئ. وقال إن كثيراً من القضايا التي نوقشت في الحوار الوطني والحوار المجتمعي متشابهة وبعضها متطابق.
آما رئيس قطاع القوى الفاعلة د.”تابيتا بطرس” فقد اعتبرت لقاء ختام الحوار المجتمعي بالملحمة والعرس الوطني الكبير، وتقدمت بالشكر للأجهزة الإعلامية المختلفة لتغطيتها لهذا الحدث الوطني المهم. وحيت رئيس الجمهورية واصفة إياه بمفجر ثورة الإصلاح والتنمية. وأضافت بأن لجنتها اتسمت بالمرونة واستعانت بالخبرات واصفة الحوار المجتمعي بأنه سياحة في التخطيط.
وبدوره تحدث رئيس قطاع السودانيين العاملين بالخارج البروفيسور “عز الدين عمر موسى، بأن الحوار سعي للتوافق الوطني بمختلف وسائله. وأضاف بأنه شكلت (6) لجان ومن ضمنها قطاع المغتربين وهي لفتة بارعة من رئيس الجمهورية، بأن منح هذه الجماعة حيزاً في إعادة صياغة الوطن وهم فئة مهمة وفي أدناه يمثلون (5) ملايين مواطن وفي أعلاه (10) ملايين من شرائح نوعية، مؤكداً أن اللجنة حرصت على أن يخرج القائمون على أمرها بالتراضي والتوافق في كل اللقاءات التي عقدت مع المغتربين . وأضاف بأن اللجنة عقدت ورشة بالتعاون مع جهاز تنظيم شؤون العاملين بالخارج في يناير الماضي بالخرطوم وشرفه عدد كبير قطاع المغتربين . وفي ختام أعمالها خرجت بتوصيات غير مسبوقة على الإطلاق، كما زارت اللجنة (20) دولة في أفريقيا وآسيا وأمريكا وأوروبا، وعقدت (102) اجتماع مع المغتربين بمختلف شرائحهم وتنظيماتهم.
وفي النهاية أفضت هذه الاجتماعات إلى مؤتمر جامع عقد في أغسطس عام 2015 بمشاركة (150) شخصاً من (23) دولة، مبيناً أن المؤتمر تداول حول (6) أوراق عمل غطت كل الجوانب المتعلقة برؤى وأفكار شريحة المغتربين حول قضايا المجتمع المختلفة، مؤكداً أن الحوار المجتمعي حاضنة اجتماعية داعمة للحوار الوطني.
فيما طالب بروفيسور “عز الدين” بضرورة الاستفادة من هذه الشريحة في صياغة الوطن خاصة وأنهم يمثلون خمسة ملايين نسمة، مؤكداً ضرورة العمل لبناء الثقة بين المغترب والدولة حتى تتدفق استثمارات المغتربين لداخل الوطن وبالتالي يسهمون في التنمية الاقتصادية في البلاد.
من جهته قال رئيس لجنة السلم الاجتماعي وتزكية المجتمع البروفيسور “يوسف فضل”، إن نخبة من العلماء والمختصين بالشأن الاجتماعي شاركوا بخبراتهم وفي إعداد التقرير المفصل في الوثيقة.
وأضاف أن اللجنة خلصت من خلال منهج عملها إلى جملة من التوصيات أبرزها السلام الاجتماعي والتعايش السلمي وممسكات الوحدة الوطنية، متمنياً بأن يكونوا قد وفقوا في عملهم.
تقارير رؤساء اللجان الـ(6)
وبحسب تقرير موجز تحصلت (المجهر) عليه فإن تقارير رؤساء لجان القطاعات الست (قطاع الإنتاج ومعاش الناس، وقطاع الثقافة والتعليم والرياضة، قطاع منظمات المجتمع المدني، قطاع قوى المجتمع الفاعلة، قطاع السودانيين العاملين بالخارج بالإضافة إلى قطاع السلم الاجتماعي وتزكية المجتمع)، قامت بتحديد الأهداف التي حددها الحوار المجتمعي خاصة وأن الحوار هو السبيل الوحيد والمرتكز الأساسي لإيجاد حلول لمشكلات البلاد واستدامة الاستقرار والتنمية.
وخلصت توصيات وثيقة الحوار المجتمعي إلى (11) محوراً أبرزها الهوية ومطلوبات التوافق الوطني والأهداف والسياسات ومنظومة القيم والحريات ومطلوبات تحقيق التوافق الوطني، والمصالح الاقتصادية ومعاش الناس ومرتكزات الإدارة والحكم الرشيد، والعلاقات الخارجية والثقافة والتعليم والرياضة وآليات المشاركة الشعبية.
وبختام أعمال الحوار المجتمعي وتسليم وثيقة توصياته يكون المجتمع السوداني على مستوى الولايات والقطاعات الاجتماعية المختلفة التي شهدت أعمالاً واجتماعات متواصلة، ناقشت قضايا الهوية ودور المجتمع المدني وتنمية المجتمعات المحلية والاهتمام بالبيئة وتزكية المجتمع ورتق النسيج الاجتماعي، ودور الإدارات الأهلية في تعزيز السلام وفض النزاعات إلى جانب توظيف القدرات، من خلال توضيح معالم الشخصية السودانية وتميزها ومساهمات الإنسان السوداني، قد أدى دوره في تعزيز مسيرة الحوار الوطني ودعمها.
الأنظار تتجه إلى المؤتمر العام للحوار
وبحسب عدد من مراقبي الحوار المجتمعي فإنه يعتبر حاضنة اجتماعية داعمة للحوار الوطني الذي أعلنه رئيس الجمهورية، بينما اعتبر آخرون أن مبادرة رئيس الجمهورية للحوار المجتمعي قطعت الطريق أمام المتحاملين والمشككين الذين أشاعوا، بأن الغرض من مشروع المبادرة هو تقسيم للسلطة والثروة على القوى السياسية والحركات المسلحة بعيداً عن المواطن. وقد كشفت الوثيقة المجتمعية أن نتائج الحوار المجتمعي باتت واضحة للعيان بعد المشاركة الكبيرة لشرائح المجتمع وقطاعاته المختلفة، وهي وثيقة وطنية وعقد اجتماعي لردم فجوة الثقة بين السودانيين .
وعقب الفراغ من نهاية الحوار المجتمعي ستتوجه الأنظار إلى فعاليات المؤتمر العام للحوار الوطني، وله الكلمة الأخيرة لإجازة توصيات الحوار المجتمعي والوطني، وستشكل نقطة تحول كبيرة بالساحة السياسية السودانية ويجري الاستعداد لها هذه الأيام بصورة مكثفة.
وحظيت الجلسة الختامية للحوار المجتمعي بحضور على مستوى عالٍ من المسؤولين والدستوريين تقدمهم وزير رئاسة الجمهورية “فضل الله محمد”، ووزير مجلس الوزراء “أحمد سعد عمر” ووزير الإعلام “أحمد بلال” بالإضافة إلى عدد من ممثلي الأحزاب السياسية ومنظمات المجتمع الدولي، بجانب حضور كبير من أهل الفن ومنهم الهرم الغنائي “صلاح ابن البادية” والفنان “مجذوب أونسة” الذي عطر الاحتفالية بالرائعة الوطنية (عزيز أنت يا وطني).