بعد.. ومسافة
الزنا.. رجم أم شنق أم بطلان؟
مصطفى أبو العزائم
إنها قضية الساعة لا شك في ذلك، ونقصد إقرار مجلس الوزراء الموقر لعقوبة الشنق للزاني المحصن بدلاً من الرجم، والمحصن هو المتزوج الذي يمارس الزنا دون رباط شرعي، وقد نصت القوانين السودانية المستمدة من الشريعة الإسلامية على رجم الزاني المحصن، والتي تحولت إلى الشنق بعد التعديلات التي قدمها وزير العدل مولانا الدكتور “عوض الحسن” لمجلس الوزراء في جلسة بالخميس الماضي.
منذ إعلان تطبيق الشريعة في سبتمبر من العام 1983م، خلال حكم الرئيس الراحل “جعفر محمد نميري” – رحمه الله – لم يتم تطبيق هذا الحد، وإن تمت محاكمة بعض المتهمين والمتهمات بتهمة (الشروع في الزنا)، وهي تهمة لا أساس شرعي لها، ولم يتم تطبيق الحد ليس تقاعساً من ولي الأمر أو القاضي، بل لصعوبة إثبات هذه الجريمة التي لا تكتمل أركان التهمة فيها إلا بأربعة شهود رجال عدل يقرون بمشاهدتهم لكامل الممارسة بين الرجل والمرأة.. وهذا أمر متعذر إذ يصعب وجود أربعة يشهدون وقوع إيلاج الذكر في الفرج.. ولذلك قال شيخ الإسلام “ابن تيمية” – رحمه الله: (ولم يثبت الزنا بطريق الشهادة من فجر الإسلام إلى وقته، وإنما ثبت بطريق الإقرار، لأن الشهادة صعبة) ثم قال: (فلو قالوا رأيناه عليها متجردين، فإن ذلك لا يقبل حتى لو قالوا بأنه كان منها كما يكون الرجل من امرأته، فإنها لا تكفي الشهادة، بل لا بد أن يقولوا: نشهد أن ذكره في فرجها، وهذا صعب جداً).
الزنا واضح وتعريفه أكثر وضوحاً، إلا أن إثباته أمر صعب ما لم يتم في ذلك إقرار دون إكراه، وهناك جدل كثيف حول العقوبة واختلاف بين العلماء، فالبعض يقر عقوبة الرجم بينما لا يقرها ولا يعترف بها آخرون من بينهم الشيخ “محمد أبو زهرة”، حسب رواية الشيخ “يوسف القرضاوي رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، عندما استضافته قناة (الحوار) في برنامج (مراجعات) عندما قال إن الشيخ “محمد أبو زهرة” قال في إحدى الجلسات إنه يريد أن يكشف عن رأيه في موضوع كتمه لمدة عشرين عاماً يتعلق بالرجم في حق الزاني والزانية، وتابع إن “أبا زهرة” شدد على أن حكم الرجم في الزنا شريعة يهودية أقرها النبي صلى الله عليه وسلم، في أول الأمر، ثم نزلت الآية الكريمة (سُورَةٌ أَنْزَلْنَاهَا وَفَرَضْنَاهَا وَأَنْزَلْنَا فِيهَا آَيَاتٍ بَيِّنَاتٍ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ * الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِئَةَ جَلْدَةٍ وَلَا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ) ألغت حد الرجم.
وأضاف الشيخ “القرضاوي” نقلاً عن “أبي زهرة” ودليلي قوله تعالى: (فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ) والرجم لا يتنصَّف. وعبر الشيخ “القرضاوي” عن تأييده لـ”أبي زهرة” مشدداً على أن الرجم شريعة يهودية.
الحديث حول هذا الأمر كثير فهناك من أفتى بعدم الرجم وهناك من تشدد في تطبيقه كحد واجب تم تطبيقه خلال دولة المدينة الأولى في عهد نبينا الكريم سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، رغم أنه كان في كل تلك الحالات نتيجة إقرار واعتراف. ورغم أن (النكوص) عن الإقرار بإجماع الفقهاء يسقط الحد باعتباره تراجعاً عما تم الاعتراف به. وهناك قاعدة ذهبية مستمدة من الحديث النبوي الشريف الذي رواه “ابن ماجة” عن “أبي هريرة” أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (إدرأوا الحدود عن المسلمين ما استطعتم، فإن كان له مخرج فخلوا سبيله، فإن الإمام أن يخطئ في العفو، خير من أن يخطئ في العقوبة) وذكر الترمزي أنه روي موقوفاً وإن الوقف أصح.
حقيقة لا ندري ما هي أسباب تعديل القانون ليتم (التلاعب) بحدود الله فتصبح مادة عقابية، رغم الاختلاف القائم بين الفقهاء حول حد الزنا، وهو حد يصعب إقامته لصعوبة ثبات التهمة ولم يتم تطبيقه في بلادنا أو أي من بلاد المسلمين بثبوت التهمة من خلال شهادة شهود، لذلك كان أربأ بالسيد وزير العدل مولانا الدكتور “عوض الحسن” المحترم وباللجنة التي أشرفت على التعديل، كان أربأ بهم أن يسكتوا عن التعديل لا عن التعريف، فخير لنا أن يظل الحد قائماً ولا يطبق لصعوبة إثبات التهمة، خير لنا ذلك من أن (نتلاعب) بحد من الحدود حتى وإن اختلف العلماء حوله.