الأحزاب السودانية صارت بلا جماهير!
بقلم – عادل عبده
الأحزاب السودانية تعطيك انطباعاً كاذباً حول اكتظاظ العضوية داخل أسوارها وأن الثقل الجماهيري يمثل الرافعة القوية في هياكلها والزاد الذي تتوكأ عليه في دروب السياسة.. وسرعان ما تكتشف أنك مخدوع وأن الدعاية التي وصلت إليك حول ارتكاز الأحزاب السياسية السودانية على العضوية الواسعة مجرد أحاديث إفك لا تمت إلى الحقيقة بصلة.. إذا حاولنا إضاءة المصابيح على العديد من الأحزاب السودانية نجد أن أوضاعها ترقد على فوهة بركان وتكالبت عليها الرماح وأصيبت بالدوار وأنها تعاني من ويلات الأبوية والانغلاق وانعدام الشفافية والممارسة الديمقراطية، وبذلك صار حماس الجمهور السوداني في المشاركة الحزبية قليلاً، بل إن البعض قرر الذهاب من أسوار تلك الأحزاب بلا رجعة.. كيف لا؟ والجماهير أمامها طاحونة الانقسامات والتشرذم والصراعات الدامية بين قيادات هذه الأحزاب علاوة على ذلك فهي تشاهد صور الجسد المنهك على حافة الهلاك في باحة تلك التنظيمات، بل إن العضوية الحزبية في معظم الأحزاب السياسية صارت تنظر إلى السيرك الذي يموج باللاعبين المهرجين والقيادات القابضة على منصة الزعامة في أسى شديد سيما وأن هذه القيادات المتكالبة على المقاعد لا تريد إفساح المجال للدماء الشابة ولا يفوتنا القول إن تلك القيادات قد استنفذت أغراضها ووصلت إلى مغرب العمر ولا تحبذ التجديد ولا تراعي قدسية دوران الحياة، فالجماهير الواعية تعشق الصور العصرية والحديثة على باحة الأحزاب والتنظيمات السياسية وتعشق أماكن الرحيق وساحات النظام والانضباط والحركة الدائبة والصحيحة المليئة بالحيوية والألق والجمال، بل هذه الجماهير لا تريد كتلة سياسية صماء مليئة بالغلظة والتسلط والعواصف.
في الصورة المقطعية صار ميكانيزم العضوية الحزبية الجاهز يتم عن طريق لوبيات المصالح والمنافع والتي لها قدرة هائلة على إحضار المشاركين في المواكب السياسية والاقتراع الانتخابي جناح السرعة ومثل هذه التصرفات الخطيرة أصبحت تضرب العضوية الثابتة التي يمارسها بعض ضعاف النفوس في مقتل، وبذات القدر صار انسحاب الجماهير الواعية من بعض الأحزاب الفاشلة يتم عن طريق التدرج في إطار الرفض الواضح للأوضاع المزرية والمظاهر البالية الموجودة في تلك التنظيمات السياسية.. هكذا ترفض الجماهير السودانية أسلوب المخادعة والمنهج الدعائي البراق والموت السريري الموجود على أروقة تلك الأحزاب السياسية، كذلك فإن بعض العضوية الحزبية في هذه الكيانات يمكن أن يمارس فراقاً قاطعاً كضربة سيف في وجه تلك الرموز الفاشلة التي تريد أن تكسب الكراسي والصولجان على حساب المبادئ والقيم النبيلة، فالواضح أن مراكز التسلط ورموز الإخفاق التي تقود تلك الأحزاب تعتبر من الأمراض الموجود في الساحة السودانية التي تركض في نشوة هستيرية على رقاب المجتمع، ومن هنا لا يمكن محاربة هذا الداء العضال إلا بترميم العقل السوداني ليكون ترياقاً مضاداً في تلك الصور الكالحة.
فالأحزاب السودانية التي صار بعضها أجساماً محنطة تعيش على كبسولة الشعارات والممارسات الأحادية قد نجحت في إخراج سواد العضوية من أسوارها.. في ثنايا المحصلة تندلق المعطيات الواضحة التي تحتاج للقراءة المتأنية والتأمل الشفيف.