أخبار

تقويم أم تقويض؟؟

ظل الحكم اللا مركزي مطلباً لأطراف السودان القصية.. وفي سبيل الحصول عليه أزهقت أرواح وأهدرت موارد ورفع السلاح في وجه الدولة.. وامتلكت الإنقاذ الشجاعة التي جعلتها تقبل على تطبيق الحكم اللا مركزي منذ النصف الأول من تسعينات القرن الماضي.. وشهدت التجربة مداً وجزراً.. وساهمت في انشقاق التنظيم الحاكم وفقدان المؤتمر الوطني لنصف قوته في الرابع من رمضان.. ولما ذهب الجنوب لسبيله وكان الجنوب هو أول من رفع مطلب الحكم اللا مركزي.. إلا أن مطالبه واجهتها حكومات السودان المتعاقبة بالتجاهل حيناً وبالرفض المعلن حيناً آخر.
وشاطرت الجنوب أقاليم كردفان ودارفور والشرق.. ومن خلال تجربة الحكم الاتحادي التي امتدت من 1994م.. وحتى اليوم نهضت مناطق كانت تقبع في الظل وأصبح من قرية نائية في أطراف السودان شخصية دستورية حاكمة.. وتم تفكيك قبضة المركز على المال والسلطة.. إلا أن الصراع بين دعاة السيطرة والقبضة والإطلاق والحريات ظل محتدماً.. وقد انهالت الحكومة على تجربة الحكم اللا مركزي العام الماضي، وتم إلغاء ومصادرة حق المواطنين في انتخاب ولاة أمرهم.. وأصبح الولاة (يتنزلون من الخرطوم) حكاماً على الرعية بدلاً من الاختيار الحر من القاعدة الجماهيرية العريضة.. وساهمت قوى المعارضة في دعم الحكومة بتقويض الحكم الاتحادي بعزوفها عن المشاركة في الانتخابات وترك المؤتمر الوطني لوحده يتنافس قادته على السلطة.. وفي غياب المنافسين استغل بعض وليس كل الولاة.. المال والنفوذ القبلي بحثاً عن السلطة.. وتبدت مظاهر فساد كبير داخل المؤتمر الوطني فقط وليس في كل الأحزاب.. فاتخذ الرئيس قرار تعديل الدستور.. وبات منصب الوالي (يعين) فيه من القصر الرئاسي من غير رغبة المواطنين الذين ارتضوا ذلك كمرحلة انتقالية إلى حين التوافق على الدستور الجديد.. وقبل أن تنعقد عمومية الحوار الوطني في العاشر من الشهر القادم.. استبقت الحكومة ذلك بإعلان د.”فيصل حسن إبراهيم” وزير ديوان الحكم الاتحادي.. انطلاقة مؤتمر تقييم وتقويم تجربة الحكم الاتحادي بعد عشرة أيام من الآن، وعزا د.”فيصل” الذي رفّعته الحكومة في التعديلات الأخيرة ليصبح الوزير الأول في الحكومة.. تأجيل المؤتمر الذي كان مقرراً عقده قبل شهور.. إلى الرغبة في تزامنه مع انعقاد الجمعية العمومية للحوار.. ولما كانت قضية الحكم اللا مركزي من شواغل السياسيين.. وخاصة حزب المؤتمر الشعبي وحزب الأمة القومي.. فإن السؤال الذي يوجه للدكتور “فيصل حسن إبراهيم” وهو من المسؤولين الذين أسند إليهم الرئيس مهاماً في المؤتمرين.. أي الحوار الوطني وفي ذات الوقت قيادة الحكم اللا مركزي.. من يعلو على الآخر.. هل توصيات مؤتمر تقويم وتقييم تجربة الحكم اللا مركزي ملزمة لعمومية الحوار أم (معلمة) على نسق ما أثير بعد الرابع من رمضان.. هل الشورى في الدين ملزمة أم معلمة!!.. وبالتالي هل تستطيع عمومية الحوار أن تجعل من التوصيات التي رفعتها لجنة الحكم والإدارة حول العودة لنظام الانتخابات وتوسعه في ذلك ليشمل الانتخابات حتى منصب المعتمد.. أم تصبح توصيات مؤتمر التقويم والتقييم حجة على عمومية الحوار بزعم أن ما يخرج من توصيات يمثل رؤية أهل الاختصاص والخبرات.. وهل مؤتمر التقويم هو مؤتمر فني أم سياسي؟؟
على أية حال يبقى شأن الحكم اللا مركزي من القضايا الجدلية.. الحكومة وأي حكومة تسعى للسيطرة والتعيين وفق ما يروق لها.. ولكن للقوى السياسية وللشعب رغبة في أن يحكم نفسه بنفسه.. يختار ولاته بإرادة حرة ويختار ممثليه في المجالس التشريعية التي أصبحت مجرد (ديكور) وأدوات زينة في وجه الحكام (لا تهش ولا تنش).. وحتى البرلمان القومي لا خيل عنده يهديها ولا يحسن النطق عندما لا تسعد الحال.. فهل المؤتمر القادم (سيقوض) الحكم اللا مركزي نهائياً ويجعله مسخاً مشوهاً؟؟.. أم يعيد للتجربة أصل النظرية وهي الحرية في الاختيار والانتخاب والديمقراطية.

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية