"أبو سبيب" يعتزل العمل السياسي و"علي نايل" يقول إنهم في الطريق
بسبب فقدان الحزب الاتحادي الديمقراطي بريقه
الخرطوم – جمال قندول
في تصريح خاص، أعلن القيادي بالحزب الاتحادي (الأصل) الشيخ “حسن أبو سبيب” اعتزاله العمل السياسي بلا رجعة، في واحد من القرارات التاريخية للرجل الذي تربى في كنف الحزب الاتحادي الديمقراطي العريق. وبرر “أبو سبيب” اعتزاله للعمل السياسي بإحباطه الشديد مما يجري داخل الحزب من تصدعات وخلافات جعلته يفقد بريقه السياسي.
اعتزال الرجل ربما يكشف عن حالة عامة تشمل كثيراً من الاتحاديين الذين باتوا غير قادرين على مواكبة التغييرات السياسية في الوقت الراهن، بالإضافة إلى أنه يسلط الضوء أكثر على تضاؤل الأمل في فعالية عودة رئيس الحزب السيد “محمد عثمان الميرغني” قادماً من لندن إلى القاهرة في طريقه إلى الخرطوم، وقدرته على معالجة المشكلات المزمنة التي يعيشها الحزب.
عقب وصول رئيس الحزب الاتحادي الديمقراطي (الأصل) “محمد عثمان الميرغني” إلى القاهرة بصورة مفاجئة سادت حالة من الارتياح والتفاؤل وسط أعضاء الحزب الاتحادي الديمقراطي بكل بقاع السودان، بأن عودة مولانا بعد سنوات قضاها خارج البلاد ربما تساهم إسهاماً كبيراً في عودة الاستقرار المفقود داخل الكيان السياسي، الذي لم يعقد مؤتمره العام لقرابة نصف قرن من الزمان، وعصفت به الخلافات في غيابه وتوزع بين الكتل والجماعات المختلفة. وقد فاقم الوضع القرارات التي اتخذها نجله “الحسن الميرغني”، الذي أصبح رئيس الحزب بالإنابة، وأطاح بموجبها بـ(18) قيادياً من كبار قيادات الاتحاديين، بجانب المشاركة في الحكم، التي عمّقت الانقسامات وسط الاتحاديين ولم تكن مرضية للمشاركين وعلى رأسهم “الحسن الميرغني” نفسه، الذي أصبح مساعداً أول لرئيس الجمهورية، بالإضافة إلى مشكلة عقد المؤتمر العام الذي لم يلتئم لقرابة نصف قرن من الزمان.. كل هذه المؤشرات تبرز بوضوح الأزمة التي وصل إليها الحزب الاتحادي، ما جعل عودة “الميرغني” بمثابة بارقة أمل في الخروج من نفقها، بإجراء إصلاحات حقيقية داخل الحزب تعيد له وحدته وفعاليته.. غير أن هذا الأمل قد تبدد، خاصة بعد أن فشل وفد من قيادات الاتحاديين قبل عدة أشهر في مقابلة “الميرغني” بلندن لبحث أزمة الحزب. كل ذلك وغيره، حدا بقيادي رفيع وتاريخي مثل الشيخ “حسن أبو سبيب” لإعلان اعتزاله العمل السياسي.
وكان “أبو سبيب” قد تزعم جناحاً إصلاحياً، وعقد مؤتمراً بغرض معالجة الأزمات في الحزب، فيما عقد جناح ثانٍ مؤتمراً مماثلاً لنفس الغرض.
{ انهيار مفاوضات الصلح
وتداول عدد من الصحف الصادرة أمس الأول (الأحد) على نطاق واسع انهيار مفاوضات جرت للإصلاح بين جناح “أبو سبيب” و”محمد عثمان الميرغني” بالقاهرة، الأمر الذي جعل (المجهر) تستنطقه حول مدى صحة الخبر، وهو ما قاده أن يعلن مباشرة عبرها اعتزاله العمل السياسي بلا رجعة.
وكشف “أبو سبيب” في تصريحاته لـ(المجهر) عن أسباب اعتزاله، لكنه نفى في ذات الوقت ما تردد بخصوص انهيار مفاوضات جرت بينه وبين رئيس الحزب “محمد عثمان الميرغني” في القاهرة، وقال إنه منذ أن غادر “الميرغني” الخرطوم إلى لندن قبل سنوات، لم يلتق به أو تحدث إليه هاتفياً، حتى بعد أن وصل القاهرة لم يتصل أي منهما بالآخر، وأضاف إنه لم يسع للقائه. وتأسف “أبو سبيب” لما وصل إليه الحزب التاريخي العريق من طريق مجهول وخلافات، وأعلن اعتزاله العمل السياسي.
وبرز اسم الشيخ “حسن أبو سبيب” في أعقاب الأزمة التي شهدها الحزب الاتحادي الديمقراطي الأصل بقيادة مولانا “محمد عثمان الميرغني”، التي أدت إلى انشقاقات وخلافات داخل الحزب حول الموقف من المشاركة في الحكومة مع المؤتمر الوطني، ليتزعم حينها “أبو سبيب” جناح الرافضين للمشاركة. وتعمقت الهوة داخل الحزب، عندما رجح رئيسه خيار المشاركة وترتب على ذلك صعود قيادة جديدة ممثلة في “الحسن” نجل “الميرغني”، لقيادة خط المشاركة، مما زاد من مساحة الخلاف، فأصبح “الحسن الميرغني” وطريقته في قيادة الحزب أحد موضوعات الخلاف، وأصبحت قضية قيادة الحزب مطروحة بقوة، في وقت بدا أن السيد “محمد عثمان الميرغني” لا تمكنه ظروفه الصحية من ممارسة دوره القيادي. ومن ثم تصاعدت الدعوة لقيام مؤتمر للحزب، ليس لتحديد موقف الحزب من المشاركة، وحسب، وإنما لانتخاب قيادة جديدة للحزب، أيضاً. وقد كان هذا الموضوع وراء الحراك الذي تبلور في مؤتمر “أم دوم”، وأعقبه مؤتمر “أمبدة”.
{ أسباب منطقية
وعدّ القيادي بالحزب الاتحادي (الأصل) “علي نايل”، في تعليقه على اعتزال “أبو سبيب” العمل السياسي، عدّ أسبابه منطقية، وقال لـ(المجهر) إنهم جميعاً في طريقهم للاعتزال، وأضاف إن ممارسة السياسة في جو غير ديمقراطي لا معنى لها، وإن العمل السياسي فقد طعمه ولونه وأصبح بلا هوية.
وأثنى “علي نايل” على دور “أبو سبيب” كقيادي تاريخي له إسهامات في الحركة السياسية الاتحادية بشكل خاص والعمل السياسي العام، وتمنى له دوام الصحة والعافية. وقال خلال حديثه لـ(المجهر) إن اعتزاله فقد للسياسة، كون الرجل يتمتع بقدر عالٍ من الحكمة والخبرة خاصة وسط الاتحاديين، لكنه عاد وتساءل قائلاً: (نحن سياسيون في حزب صنع الاستقلال، كيف يكون حال الحزب هكذا؟)، وعدّ الوضع السياسي لحزبه غير لائق ويجب إيجاد إصلاحات عاجلة.
غير أن قيادياً رفيعاً داخل الحزب الاتحادي- رفض الإفصاح عن اسمه- قال في حديثه لـ(المجهر) إن اعتزال “أبو سبيب” مجرد غضبة وإنه سيعود للممارسة السياسية عادّاً اعتزاله ربما يندرج تحت بند الضغط لضرورة إيجاد معالجات.
{ الاعتزال قد لا يكون نهائياً
وأكد خبراء سياسيون، من جانبهم، أن اعتزال الشيخ “أبو سبيب” لن يكون دائماً وقد يكون ناتجاً عن لحظة غضب، وأرجعوا ذلك إلى صعوبة اعتزال العمل السياسي بصورة نهائية.
وقال د. “صلاح الدومة” لـ(المجهر) إن العمل السياسي بالسودان لم يعد جاذباً كالماضي خاصة في كيفية الاستفادة من السياسة، سواء الاستفادة المادية أو غيرها، وأضاف إن ممارسة السياسة في حد ذاتها لم تعد نفس الممارسة، والاستفادة المادية التي كانت في فترة الستينيات والسبعينيات والثمانينيات لم تعد موجودة. وقال د. “صلاح” إن الحزب الاتحادي فقد آلية اتخاذ القرارات السابقة وفقد الرشد، ولم تعد القيادات اليوم كما في الماضي، وأمن على أن اعتزال “أبو سبيب” ربما لا يكون نهائياً، وذلك لأن الكثير من السياسيين اعتزلوا السياسة ثم عادوا إليها من جديد، وكذلك قد يكون نهائياً، مع مراعاة أن الاعتزال في السودان أمر نادر الحدوث، لأن مشكلة التقلبات السياسية واحدة من المشاكل التي تجعل السياسيين يستمرون في العمل السياسي ولا يفكرون بالاعتزال.
ويبدو أن إعلان اعتزال “أبو سبيب” سواء تمسك بقراره أو عدل عنه في مقبل الأيام، لن يمر مرور الكرام، خاصة في ظل الضبابية التي تحيط بالحزب، وذلك لمكانة “أبو سبيب” لدى جموع الاتحاديين، مما يحملهم لينظروا ويتفاكروا في أمر حزبهم العتيق في ظل غياب أغلب قيادات الحاكمة حيث يوجد رئيس الحزب بالقاهرة ونائبه مساعد أول رئيس الجمهورية “محمد الحسن” بأمريكا، منذ فترة طويلة وعدم ممارسة مهامه بالقصر لمدة طويلة، بسبب ما أرجعه الكثيرون إلى عدم رضاه عن وضع الشراكة والمهام الرسمية الموكلة إليه داخل الحكومة.