"نيروبي" الخضراء .. وا أسفي على "الخرطوم"!!
{قضيت الثلاثة أيام الماضية في رحلة عمل خاصة في رحاب العاصمة الكينية “نيروبي” .. “لندن الصغيرة” أو المدينة الخضراء كما يحلو لبعض أهلها تسميتها.
{الطقس بارد .. والشمس غائبة .. والخضرة ممتدة مد البصر .. والناس يعملون ويكدحون من صباح مبكر وإلى عصر متأخر في عاصمة المال والتجارة .. ورئاسة الأمم المتحدة في أفريقيا .
{لفت نظري التقدم في مجال البنى التحتية في المدينة، المطار الحديث المزود بأحدث التقنيات، وفي نفس الوقت غير مترهل ومتمدد في المساحات كمطار “دبي” – مثلاً – المرهق للمسافرين برياضة إجبارية .
{الطرق وشبكات المياه والكهرباء والصرف الصحي تخبرك عن مدينة أفريقية نظيفة وخضراء وراقية .
{لم تصادفني ماسورة مكسورة خلال ثلاثة أيام في شوارع “نيروبي”، ولا أكوام نفايات تنتظر من يحملها إلى المكبات، غير أنني ويا للحسرة وفور وصولي إلى “الخرطوم” المظلومة، وعبوري شارع المطار إلى تقاطع شارع المك نمر مع مستشفى الشعب، عند الثالثة صباح أمس (الجمعة)، قابلتني سيول المياه تنهمر بقوة من باطن إحدى المواسير لتغمر المنطقة وما حولها خلال وقت وجيز، ولا شك عندي أن المياه ظلت تغرق هذا الطريق والطرق المؤدية إليه حتى وقت متأخر من نهار (الجمعة) إن لم يكن (السبت)، هذا في أحسن الأحوال !!
{ما الفرق بيننا إذن والكينيون أو الماليزيون، وكينيا استقلت عن بريطانيا عام 1963م، وماليزيا عام 1957م، بينما سبقهما السودان إلى الاستقلال عن ذات المستعمر البريطاني عام 1956م، وهذا يعكس درجة الوعي السياسي المتقدم في بلادنا في ذلك الوقت، ورغم ذلك تخلفنا لاحقاً عن ركب الأمم في مجال النهضة والتنمية والاقتصاد !!
{استفادت هذه الدول من إرث المستعمر ومناهج عمله ومواصفاته في بناء الطرق والمصارف والكباري والمطارات، وظلت تستفيد منه عبر شراكات اقتصادية منتجة ومثمرة، أسفرت عن مشروعات بنى تحتية عظيمة قفزت بتلك الأمم إلى مصاف الدول المتقدمة في كافة المجالات .
{انشغلنا نحن بالسياسة، حتى تشييد الطرق والكباري عندنا غاياته تحقيق مكاسب سياسية أو ذاتية بالتساهل في منح العطاءات لشركات غير مقتدرة، ولذا فإن المسؤولين لا يهتمون بالمواصفات الفنية، قدر اهتمامهم بالإسراع في الافتتاحات والمهرجانات والمخاطبات الجماهيرية !!
{وبعد شهرين أو ثلاثة يتحول الأسفلت المضروب إلى طريق ترابي موبوء بالحفر والمطبات !!
{أشعر بالكثير من الأسف عندما أزور عاصمة أفريقية أو عربية، وأقارن حالها الباهر المخضر بالخرطوم النائمة على نيل مديد القامة .. رغم علمي أن دولة مثل “كينيا” لا تملك بترولاً .. ولا ذهباً .. ولا مشاريع زراعية ضخمة مثل التي ترقد بملايين الأفدنة في بلادنا، ورغم ذلك تصدر كينيا الخضروات، الفواكه، الزهور والشاي والبن إلى أوربا كل يوم !
{(سبت) أخضر.