الصحفية المخضرمة أمال عباس للــــــــــــمجهر
لم ألتق بمحمود محمد طه في حياتي لأني (كنت خائفة أنضم له)
لا أعرف من رشحني لجائزة (الشجاعة في الصحافة) ولم أفز بها لأني
ضد الإنقاذ
دخلت الحزب الشيوعي واخترته بوعٍ شديد وكنت عارفة (السكة دي صعبة)
– لست مع المصادمة ولو في مساحة خيط من الحرية ممكن أعبَّر وأقول رأيي
حوار – دلاى
• × من كان وراء إعدام “محمود” بعد قرار “النميري” طبعاً؟
• – الإسلاميون وما عندي دليل، لكن إعدامه كان في صالح الأخوان، وكان تفكيره يشكل خطورة عليهم ومثلهم السلفيين وشخصين أقولهما لأول مرة وكنت عارفاهما، هما: “عوض الجيد” و”النيل أبو قرون”.
• × كيف عرفتِ؟
• – في المساء قبل يوم التنفيذ كنا نحاول نعمل المستحيل لمقابلة الرئيس “النميري” لنخبره بالمؤامرة ضربت لـ”بثينة” و”سهير” سكرتيرة الرئيس فأخبرتنا وقالت “سهير”:( ديل قاعدين معاهو في البيت حتى لا يقابله أي واحد ليؤثر فيه).
• × كان في إصرار؟
• – أنا متأكدة
• × هل كنتِ موجودة لحظة التنفيذ؟
• – كان صعب أن أحضره وبقيت بالبيت وكنت لحدي أخر لحظة على اتصال بالأخ “دالي” و”بتول مختار”.
• × كل شيء انتهى وصار “محمود” ذكرى؟
• – أنا لحدي الآن أكتب في يوم (18) يناير عن “محمود محمد طه”.
• × كم مرة تحدثتِ مع ذلك الرجل النادر والخطير؟
• – تصور (و لا مرة واحدة) وكنت ما (عاوزه ألاقيه عشان كنت خائفة أنضم ليهو).
• × يمكن لو التقيتين به تبتعدي عنه وعن الجمهوريين؟
• – أنا كنت متأكدة (حا أنضم ليهو لو) قابلته وتحدثنا معاً لأني ببساطة قرأت كل إنتاجه الفكري وفيه منطق يقنعك.
• × هو معلم الصوفية المكثفة ورائد لعلم عميق؟
• – عنده صوفية من نوع غريب، وعشان (برضو) أنا حجم التصوف جواي كبير جداً حصل الفهم المشترك وخفت أنضم له.
• × (الآن) معظم الجمهوريين هاجروا لأمريكا أرض الأحلام والحريات؟
• – هل (صدقتوا) (إنوا) أمريكا أرض الحريات.
• × طبعاً؟
• – دا كلام زائف وأنا رفضت أمشي لها حينما أعطتني رابطة الإعلاميات العالمية جائزة الشجاعة في الصحافة، ولم تكن جائزة (أشجع صحفية) كما قيل.
• × من الذي رشحك لتلك الجائزة ؟
• – والله العظيم (لحدي اليوم دا ما عارفه) ولا سألت.
• × يمكن أعطوك الجائزة لمواقفك المعارضة للإنقاذ؟
• – (لا لا لا) أعطوني الجائزة عشان أنا أول امرأة تتولى مهام (رئيس تحرير) لجريدة سياسية ودا نادر (كما يعتقدون) أن يحصل في دول العالم الثالث.
• × انظري لكل تاريخك من الماضي؟
• – لم أقم بواجبي، لكني في سكتة.
• × كانت لكِ أيام في الرأي الأخر؟
• – حقوقي طلعت بعد التصفية حوالي (450)ج بالقديم -طبعاً- وحقوقي الأساسية (46 ) مليون جنيه، وفي حياتي لم أشتكِ من أجل استعادة حقوق.
• × انتماء آمال عباس (على أيامها) في صفوف الحزب الشيوعي كان فعلاً شيء صعب؟
• – كان صعب جداً، ولكني اخترته بوعٍ شديد، وكنت عارفة (السكة دي صعبة).
• × (سبب الوعي شنو… يعني كنتِ لوحدك كدا مختلفة)؟
• – سبب الوعي (إنو) درَّستني في الوسطى “فاطمة أحمد إبراهيم” و”محاسن عبد العال” وفي سنة (63) كنت أصغر شيوعية في روابط النساء، كان مسؤول مننا “فاروق أبو عيسى” والمسؤول التنظيمي “صلاح مازري” وكنا نجتمع في ظروف صعبة جداً.
• × بالوهج دا والتجلي والصفاء… كلمينا عن “فاطمة” … “فاطمة أحمد إبراهيم”؟
• – – “فاطمة” دي (صدقني والله) لم أجد مفردات في اللغة تحسن وصفها، كما هي في وجداني، وهي أمي السياسية والاجتماعية، درَّستنا رياضيات وكنت بليدة فيها وطلبت منها تحرير مادة في مجلة (صوت المرأة) وجبت تصور للصفحة سكتت مني وظننت أني فشلت في إقناعها نادتني وسألتني في زول ساعدك في البيت؟ المهم أخر القصة الصفحة نزلت وجريت اشتريت (5) أعداد من كشك “محمود فلاح” وأخبرت كل الناس وكنت سعيدة.
• × افترقتما ومايو كانت السبب؟
• – زعلت مني جداً جداً، وكان في محاضرة في جامعة الخرطوم تقيمها الجبهة الديمقراطية وكنا مدعويين أنا و”فاطمة” و”سعاد إبراهيم أحمد” ورفضت “فاطمة” تسلم علَيْ وهاجمتني بشدة، صمدت وكانت لحظة لن أنساها قمت وتكلمت وقلت: (أنا لن أهاجم أمي وأستاذتي وبعدين لو كنت كويسة أو بطالة (فأنا صناعتهم)، أنا من مدرسة “فاطمة” دي وأعزها جداً وفجأة قامت القاعة كلها تصفق.
• × (وين من مايو) نحن في زمن الإنقاذ؟
• – أنا لو في مساحة خيط من الحرية ممكن أعبر فيها ومن خلالها.
• × في مرات كثيرة نعبئ في كرستالات الحزن موجة من الأفراح؟
• – أنا سعيدة لنجاح حياتي السابقة.
• × حياتك الخاصة عليها غيوم؟
• – أنا عشت حياة زوجية مثالية.
• × هل آمال مبسوطة؟
• – – ربنا حباني بزوج مثالي، وكنت على يقين أنه لن يتكرر مثله شخصاً أخر بعد رحيله, كان “سعد” زوجاً مثالياً، وكان (فاهم) حياتي بقدر أنا ما فاهماها.
• × ولكن (فيما نظن) كانت فترة صغيرة ونحن من شاهدناك وعرفناك كنتِ وحيدة؟
• -( 17) سنة كانت كلها سعادة ونجاح.
• × الوحدة صعبة؟
• – أبداً وكان عندي تعويض مهم هو (الهم العام) معه جناح (ذكرى سعد الباقية) كلا الجانبين حققا توازناً واستقراراً كبيرين في حياتي.
• × آسفين لأي إزعاج؟
• – (لا والله).. بتسأل بدراية واسعة، وبالحق أنا انغمست في العمل العام وعلى مستوى الأسرة، نحن ست أخوات وثلاث أشقاء، وأشرفت على تعليمهم وأنا غنية بهم, وسط أولاد أخواني وأخواتي وبقيت حبوبة وأعيش في أسرة كبيرة ومستقرة وغرقانة في الحنان.
• × يمكن دا فيهو نوع من التعبير بالتضحية؟
• – إطلاقاً ما شعرت بأني ضحيت بأي شيء.
• × كيف تحاسبين بقلمك على شمولية الإنقاذ ومايو لم تكن ديمقراطية في يوم من أيامها؟
• – نعم، مايو لم تكن ديمقراطية ويستمنستر، وتلك ديمقراطية موجهة وذات وجهين لا تعبِّر عن ثقافتنا، ومايو كانت مع الديمقراطية المركزية، لأنو ديمقراطية صندوق الانتخابات لا ينفع في العالم الثالث.
• × لم نفهم هذه المرافعة ؟
• – في ديمقراطية الصندوق لو رشحوا حجر في أم برمبيطة بيفوز.
• × مايو باقية عندك؟
• – ديمقراطية مايو فعالة لأنها تحالف من العمال والمزارعين والمهنيين والموظفين والجيش، وبالتالي هي غير مرتبطة بالاستعمار.
• × آخر مرة قابلتي فيها المرحوم “النميري”؟
• – بأسابيع بس
• × هل فعلاً في أخر أيامه صار ضعيف الذاكرة ولا يعرف زواره؟
• – (والله نحن ما سمعنا كلام زي دا) وكان في آخر أيامه يتونس عادي، لكن طبعاً لم يكن كما كان (زي أول).
• × كيف كان يعترف بأخطائه القديمة في تلك اللحظات؟
• – كان بيقول لي: أنا بالخصوص(يا ريت لو سمعنا كلامكم) وهو بقول لي لأنو أنا كنت ضد المصالحة وضد عودته الأخيرة من مصر.
• × بصراحة عاوزين كلمة طيبة في حق الإنقاذ ؟
• – بحثت لها عن وجه حسن لكني لم أجده، وأنا ما ضد الإسلام، ولكني ضد أن نحكم بوجهة نظر واحدة.
• × تقصدين وجهة نظر الإسلام السياسي؟
• – أن لا يحكم بحكم ديني، لأنو هناك معتقدات أخرى وثقافات متنوعة.
× الجنوب انفصل فأين المعتقدات الأخرى؟
• – حتى بعد ذهاب الجنوب فهناك معتقدات أخرى في بقية السودان.
• × كأنك (عاوزه) ترجعي تتكلمي عن فاطمة؟
• – نعم، أخر مرة قابلتها في 2002 وكانت في الإنعاش وكنا متخاصمين أصريت أصلها في المعسكر، معاي بت أختي أخبروها بوجود ضيفة طلعت السلم وقالت لي من بعيد: (عرفاك أصيلة) بكينا بكاءً حاراً وحضنا بعض بقوة ولمدة عشر دقائق واتفقنا ما نتكلم سياسية إطلاقاً.
• × كنتما (بنات أم درمان وبس)؟
• – تماماً بالضبط، وحينما عادت مشيت للجنة التنظيم ووضعت نفسي في قمة اللجنة واستقبلتها في المطار ولبستني ميدالية في دار الرياضة.
• × كيف كان هجوم “فاطمة” عليك آنذاك؟
• – زي باعوا الوطنية و”نميري” السفاح والكلام الزي دا.
• × عاشت آمال زمانين؟
• – وعلمتنا الحياة فيهما أن نحب السودان بلا تفكير في الثمن.
• × هل تغيَّرت “فاطمة” من معلمة في الوسطى لسياسية داخل معسكر في لندن بعيداً عن أم درمان؟
• – كانت وهي معلمة, كانت امرأة جميلة جداً وباهية وحنونة تبكي حينما تشاهد متسولاً في الشارع.
• × (ما اتغيِّرت )؟
• – أصلا ما اتغيَّرت
• × رفضت تعازيك في وفاة زوجها الشفيع الذي أعدمه “النميري”؟
• – – كانت امرأة جسورة وهي تواجه رحيله –المأساة- بأداء سياسي واعي، واعتقد أن “الشفيع” كان مظلوماً، لأنه كان ضد عبد الخالق وتياره حتى في طريقة تفكيره هو و”فاطمة” لم يكونا معه لكنهما اختارا أن لا يتعرض الحزب لانقسام.
• × كانت تصفية بيت الضيافة حدثاً مؤلماً حتى لأجيالنا ؟
• – – حقيقة مجزرة بيت الضيافة لم تتضح حتى الآن على الأقل بالنسبة لي ولا أجزم بالتصفية (لأنو) في حاجات كثيرة دخلت لتشكيل الحادثة.
• × كيف تابعتي المؤتمر العام السادس للحزب الشيوعي السوداني؟
• – تابعته بحزن شديد (لأنو) الحصل في المؤتمر العام لا يشبه الحزب ولا الفكر حقوا، وأنا مندهشة لإعلانه اللجنة المركزية، واعتقد أنهم كشفوا أوراقهم ولا توجد حرية مطلقة كي تعلن اللجنة المركزية دون أن تخاف من ضربها ذات يوم.
• × هل ثمة خطأ لمجرد إعلان اللجنة المركزية، بل هي وضوح وشفافية ؟
• – – إعلان اللجنة المركزية للحزب الشيوعي تقليد لا يشبه العالم الثالث.
• × كيف حال الحاجة، “بثينة” زوجة الرئيس الراحل “جعفر محمد نميري”؟
• – دي سودانية حقيقية شرفتنا جداً أيام كانت السيدة الأولى ولم تدخل حتى الاتحاد الاشتراكي محترمة ومثلها “تحية” زوجة “عبد الناصر”.
• × كان يمكن تتكلم شوية عن مايو وعن “النميري” كإنسان؟
• – (حافظة وصية “النميري” وهو ما ختاها في المحلة دي).
• × قولي ما تشائين تحت هذا العنوان (علمتني الحياة)؟
• – علمتني الحياة أن أعيش حياتي وسط من حولي كمواطنة عادية وغير متميزة عن الآخرين ولا أمتن على أحد ولسع أنا تلميذة متواضعة ولم أعط الشعب ما يستحق.
• × عمودك فقد كثيراً من بريقه الأول؟
• – البريق الأول لم تفقده أعمدتي، ولكن كل الموضوعات صارت مشاعة وأنا لم أتغيَّر، ولكن الحاجات تغيَّرت وصرت أنا ضمن آخرين.
• × كنتِ متفردة (دي حقيقة)؟
• – ما بحب ألبس قناع تميز وتفرد، وأنا جزء من الحياة العامة وحتى أموت سأظل في هذا المكان.
• × تتحركي في مساحة (خيط) من أجل الحرية (دي مساحة صغيرة جداً على طالب الحرية)؟
• – انظر معي بموضوعية لتشاهد المكاسب لصالح الحرية نفسها, نحن أصحاب هذه الرؤية نريد أن لا نخسر كل شيء وأن لا نختفي من كل المشهد وأن لا نصادم حتى نفقد ذلك الهامش والخيط وأن ضاق سوف أتحرك فيه لكسب مزيد من المساحات من أجل الحرية.
• × هل فكرت “آمال” في الاعتزال؟
• – إطلاقاً وأعتبر الاعتزال هروباً.
• × “منصور خالد” و”الترابي” بعيون آمال؟
• – أنظر لـ”الترابي” كمفكر إسلامي والكلام الباقي كتيييير، أما “منصور خالد” من زمن مايو عندي فيهو رأي , دخل مع مايو وما ثبت ودخل مع الحركة الشعبية وما ثبت، بل يخرج وينتقد.
• × أظنه الآن في استراحة طويلة جداً؟
• – عنده موقع في الإنقاذ ومستشار لهم.
• ×المقارنة بين مايو والإنقاذ ثم الإعجاب بمايو بأثر رجعي- شيء محير شوية)؟
• – – لمجرد الشعب بدأ يقارن (دي حاجة كويسة) (لأنو) فيها إعمال وتجرد.
• × الجماهير استقبلت “النميري” وكأنه بطلاً والحقيقة أنه خرج مطروداً من حكمه كرئيس جمهورية؟
• – ومثله في تشييع “النميري” كان (وقفة) ولم يكن مظهراً عاطفياً.
• × متى خرجت “آمال عباس” من الحزب الشيوعي نهائياً؟
• – في (71) وفوراً بعد الانتهاء داخل الحزب الشيوعي من نقاش وأسئلة هل كانت مايو انقلاباً أم ثورة؟ ونحن انحزنا أن مايو كانت ثورة وليس انقلاباً وانخرطت في الاتحاد الاشتراكي منذ (72 ).
• – × ما الذي تغيَّر فيك؟
• – إلا نحو النضج بعملية تراكم الزمن والتجارب والأحداث.
• × ما (عاوزه) تحذفي أي حاجة من تاريخك؟
• – والله العظيم ما (عاوزه) أحذف أي حاجة ولم آخذ أي قرار متسرع في حياتي وما ندمانة على أي شيء في حياتي.
• × بدعاوي كثيرة وتحت لافتة الموضوعية والمهنية وكرئيس التحرير تشطب آمال جمل وكلمات من مادة صحفية؟
• – هناك من هاجمني وكتب في الصحيفة وأنا رئيس تحرير لم أحذف جملة أو كلمة وأنا أناقش وأنشر ردي في عمودي (تاني يوم)
• × أخبرني “كمال حسن بخيت” بأنكِ رفضتِ نشر حواره مع “منصور خالد” وعلقتِ عليه بالشطب؟
• – ما حصل، وأنا واعية لتكاليف الحرية والرأي الأخر ولا أرضى بتقسيمها بمزاجي.
• × المستقبل …. مستقبل آمال عباس؟
• – ما عندي حاجة محددة بس البندقية تقيف ولقمة العيش تتسع و(كسرة (الفتريتة لا تعز على مواطن.
• × خصامك مع الإسلاميين واااضح؟
• – ما عندي خصومات شخصية ولديَّ علاقات مع إسلاميين وإسلاميات من الثانوية العامة ولسع وأي زول يشاركني في بعض الأفكار أبقى صاحبته.
• × بس عندك خطوط حمراء؟
• – خطوطي الحمراء العصبية والعنصرية.
• × هل تقرئين للطيب مصطفى؟
• – اقرأ له، وأحياناً زفرات حري تكون مليئة بالزفرات الحري.