قصص مأساوية للشباب وشابات من جنسيات مختلفة (يرابح) بهم في سوق تجارة البشر
بينهم فتيات وأطفال
سيدة: تركت أطفالي بأثيوبيا وخضت تجربة الموت وأنا أبحث عن رغد العيش في أوربا
شاب صومالي: ظللنا خمسة أيام بلا أكل أو شرب ولولا الجيش السوداني لمتنا مرتين
مهرب سوداني: هربت كغيري ثم أصبحت أعمل في التهريب مقابل (500) جنيه في اليوم
مهرب: أشخاص بليبيا مدونا بعربات (لاندكروز) مزوَّدة بالوقود لنقل البشر..لكنه انقلب وتوفي ثلاثة منا
الخرطوم – أمل أبو القاسم
(816) شاباً وشابة تم تحريرهم من قبضة المهربين خلال العام 2106م، فقط هذا بخلاف المفقودين والذين توفوا في طريق ترحيلهم من وإلى المنطقة المهرب إليها.. شباب كثر لم يتجاوز عمر أغلبهم الـ(30) عاماً آثروا خوض تجربة الموت توهاناً أو عطشاً أو قتلاً دون أن يدروا بذلك. وهذا ما أقروا به لاحقاً..فظاهرة التهريب والاتجار بالبشر تنامت وتيرتها بصورة كبيرة في فترة وجيزة حتى أصبحت لافتة ومقلقة للجهات المعنية بمحاربتها، وبدورها ــ أي الجهات المهنيةـــ لم تألوا جهداً في ذلك. والسلطات السودانية المتمثلة في (جهاز الأمن والمخابرات الوطني، الشرطة والقوات المسلحة)، بذلت كل ما في وسعها وقدمت الغالي والنفيس مهراً لتخليص أرواح بريئة انجرفت تحت هيمنة القرصنة وبتكتيك منظم عبر شبكة حريفة استطاعوا اقتناص عدد مقدر من شباب جله من (الاريتريين، والأثيوبيين، الصوماليين) .
ولأن السودان يقع في قلب الهجرة العالمية عبر طريق الشمال الشرقي من دول القرن الأفريقي، فضلاً عن كون الطريق الشمالي الشرقي يمر بالسودان من الشرق والشمال الأفريقي، فقد أصبح معبراً لعمليات الاتجار بالبشر. لكن تحالف السلطات وقف لهم بالمرصاد رغم فقده لكثير من الأرواح والممتلكات والعتاد، وفي المقابل أسر الكثيرين وتخليصهم من المصير الذي سيؤولون إليه. هناك في مباني وزارة الدفاع وفي خيمة أنيقة كان هناك قرابة الـ(190) شاباً وشابة، بينهم أطفال ممن أسرتهم أو خلصتهم السلطات السودانية من قبضة المهربين الذين استخدموا كأدوات في تنفيذ جريمة كبيرة لا تخلو من اضطهاد الإنسانية.
محض تلفيق
وحتى لا يقول العالم أو كما يدعي بأن ما يجري من اتجار بالبشر هو محض تلفيق فقد أتاحت السلطات المعنية بالحديث إلى هؤلاء الذين لم ينفكوا يشكرون جهد القوات المسلحة والدعم السريع في تخليصهم من الموت، وكذا المهربين الذين لا تتجاوز أعمارهم الـ(30) عاماً.
رفض عدد كبير من المهربين الحديث إلى وسائل الإعلام تحت زعمهم بعدم إلمامهم اللغة العربية، فيما أدعى البعض فقدانه السمع، وفي المقابل كان بينهم من تحلى بالشجاعة وحكى عن تجربته في التهريب. ومن خلال قصصهم يتأكد ما ذهبت إليه السلطات بأن هذه الجهات التي تعمل على التهريب بالتنسيق فيما بينها مدعومة من جهات خارجية تعمل لمصالحها الشخصية بطرق غير شرعية وإلا فكيف يتسنى للمهربين المعدمين من امتطائهم سيارات رباعية الدفع مزوَّدة بالوقود.
ما يصوِّره الإعلام الأوربي
شابة وقفت وحكت تجربتها والمعاناة التي مرت بها في طريق تهريبهم إلى الأراضي الليبية التي يأملون الانطلاق إلى أوربا عبرها، يحدوهم الأمل في حياة رفاهية، أو كما يصوِّر لهم الإعلام الأوربي. وهذا ما قالته الشابة الأثيوبية التي كانت مقيمة بمدينة كسلا ودخلت بطريقة رسمية بواسطة جواز، وعندما زُيِّن لها أن بأوربا ستعيش حياة لم تكن تحلم بها، رجعت إلى موطنها وتركت أطفالها في معية والدتها، ثم تأهبت للسفر بواسطة المهربين فاجتازوا السودان ميممين وجههم شطر ليبيا ومنها إلى أوربا، لكن وقبل وصولهم ليبيا وفي الصحراء القاحلة بدأت معاناتهم وتعرضوا للسرقة، ثم لم يلبثوا أن تضوروا جوعاً في تلك الرحلة المقيتة، وبعد خمسة أيام من المسير عثرت عليهم السلطات وأنقذتهم من الموت جوعاً وعطشاً. ثم أرجعتهم إلى المربع الأول السودان.
وقالت الشابة في حديثها إلينا، إنها لم تكن تعلم بما ستتعرض له ولن تعيد التجربة مجدداً، فقد كانت مدفوعة بسبب الظروف الاقتصادية، وشكرت القوات المسلحة وقوات الدعم السريع في إنقاذهم وإعادتهم إلى الحياة. وعن المبلغ الذي دفعوه مقابل هذه الرحلة قالت أنها لم تدع قرشاً واحداً، باعتبار أن الدفع سيكون عقب وصولهم أو في الحدود الليبية.
توارى وأحجم عن الحديث
جلست السيدات المهربات في ناحية من الصيوان بينما جلس الشباب في الناحية الثانية، لكن وبخلاف السيدة الفائتة لم ترغب واحدة من الفتيات اللاتي لم يتجاوز عمر بعضهن الـ(20) عاماً ولا السيدات الشابات اللاتي حمل بعضهن أطفالاً ظلوا يلهون في براءة لا يدرون بما هم عليه، وقد كتبت لهم أعمار جديدة، وكل ما قامت به الفتيات والسيدات هو أن ضربن على وجوههن بالخمارات التي يرتدينها، وأحجمن عن الحديث، بل حرضن رفيقاتهن اللاتي هممن به.
ثم وفي الناحية الأخرى حيث يجلس عدد مقدر من الشباب من جنسيات مختلفة (إرتريا، الصومال، أثيوبيا) وقلة من السودانيين أو واحد فقط تقريباً، وقف شاب بالكاد يسنده زميله لمعاناته المرض الذي هد قواه ولولا عناية الله ثم شهامة السلطات السودانية التي عملت على تغذيتهم بأن سدت رمقهم لماتوا أسوة بغيرهم ممن أنهكهم الجوع والعطش وتوفوا أمام رفقائهم. ثم شرع يحكي تفاصيل رحلته التي أنهكت جسده الذي بات نحيلاً، وكيف أن زملاء لهم توفوا في الطريق دون أن يستطيعوا تقديم المساعدة لهم، وشكر قوات الدعم السريع التي لولاها لما كتبت لهم النجاة.
سبعة آلاف دولار ضاعت هباءً
وبلغة عربية فصحى وبحماس تحدث شاب قمحي اللون وشرح معاناتهم التي استمرت لأحد عشر يوماً ذاقوا فيها ما ذاقوا من ألوان العذاب، وتم نهب ما بطرفهم في منطقة ” طوبة”، وقال الشاب: لقد متنا مرتين في هذه الرحلة المنهكة، حيث ظللنا خمسة أيام بلا ماء ولا طعام ولولا الجيش السوداني لهلكنا. وعن المبلغ الذي دفعوه ووجهتهم التي يبتغونها قال: كنا نقصد الهجرة من ليبيا إلى أوربا، ودفعنا مبلغ سبعة آلاف دولار في الحدود الليبية أرسلها لي أهلي من الصومال عندما طلبت منا من أشخاص نجهل هويتهم. ثم شكر الجيش السوداني الذي أطعمهم وعمل على إعادتهم. وختم بقوله أنهم كانوا مجانين عندما تركوا ديارهم.
وفي جانب آخر اصطف عدد من الشباب (9) الذين يعملون في التهريب بينهم سوداني يدعى (مصطفى) من مدينة سنار، لا يتجاوز عمره الثلاثين عاماً وبانكسار ممزوج بالرهق قال مصطفى أنه ذهب كغيره من المهربين مقابل ألفي دينار ليبي دفعها داخل الأراضي الليبية، ثم أطلقوهم في منطقة (إجدابية) وهناك طلب منهم الذين يعملون في التهريب العمل معهم، وبالفعل شرع في ذلك وعمل كمساري في عربة (زد واي) لثلاثة أيام مقابل أجرة قدرها (500 ) جنيه عن كل رأس وليلة.
ضحايا يعملون في التهريب
( تبيد) شاب تشادي عرض عليه العمل في تهريب أشخاص إلى ليبيا مقابل مبلغ مادي، وأعطتهم الجهة المسوِّقة للبشر عربات (لاندكروزر) مجهزة ومزوَّدة بالبنزين لأخذ رؤوس بشرية من الحدود السودانية إلى الحدود الليبية، وعقب استلامهم السيارة وفي طريقهم للحدود السودانية انقلبت به ورفاقه الخمسة العربة ما أدى لوفاة ثلاثة ونجاة الثلاثة الآخرين، حتى وقعوا في أيدي السلطات السودانية التي أحضرتهم إلى السودان. أما الجهة التي طلبت منهم فعل ذلك فقد نفوا معرفتهم بها البتة.
الجدير بالذكر أن الاتجار بالبشر بحسب المؤتمر الذي عقد في وزارة الدفاع لا يخلو من الاضطهاد وتحويل المهربين إلى رهائن وفدية. ليس ذلك فحسب، بل أنهم فعلياً يعاملون كسلعة قابلة للمغالاة والرخصة بحسب السن والصنف، فللشيوخ سعرهم والأطفال والسيدات والشباب، كلٌ سعره حسب متطلبات الجهة المسوِّقة.
رأفة في التعامل
رغم تسلل المهربين إلا أنهم وبحسب القانون يعتبرون ضحايا، ومع ذلك سيحاسبون بالتسلل، وقد سبق أن أعيد قرابة الأربعين سودانياً من إيطاليا وهم يرتدون ملابس السفر التي أقلعوا بها من السودان وبعد إنقاذهم سيحاسبون بالتسلل. فضلاً عن الرأفة في التعامل وفقاً لتوجيهات القائد الأعلى للجيش رئيس الجمهورية المشير ” عمر البشير” أن يتقوا الله في التعامل مع الظاهرة لو كانت في السودان أو غيرها لا نستبعد أنفسنا عن العدو.