مبعوث (أمريكي) وعقوبات .. العجب العجاب !!
{الجميع في العالم العاقل يتساءل: لماذا تستمر العقوبات الأمريكية على السودان، رغم تعاون حكومة السودان الكبير مع الولايات المتحدة في مجال مكافحة الإرهاب، ورغم تعاونها الكامل مع دول الاتحاد الأوروبي في ما يتعلق بالحد من الاتجار بالبشر، لدرجة أن قوات (الدعم السريع) المكلفة بمطاردة الحركات المسلحة في دارفور وجنوب كردفان، انشغلت أيضاً بمحاربة عصابات الاتجار بالبشر عبر الصحراء وعلى طول الحدود مع “ليبيا”!!
{وغير هذا التعاون الكبير، فالسودان من الدول القلائل جداً في العالم التي تعترف وتستقبل مبعوثاً (رئاسياً) من البيت الأبيض الأمريكي، يتدخل في شؤوننا الداخلية ويقابل كبار المسؤولين بالحكومة، ويسافر إلى قادة المعارضة المسلحة في عواصم الشتات المختلفة، يتباحث مع حكومتنا حول السلام والمفاوضات وحقوق الإنسان، ويتلقى تنويراً في قاعة الصداقة حول آخر ما توصلت إليه لجان الحوار الوطني، ويتحاور مع الحركات المتمردة حول تحفظاتهم على خارطة الطريق وشروطهم قبل التوقيع على اتفاق لوقف العدائيات !!
{المبعوث يعطي نفسه أو تعطيه إدارته الأمريكية الحاكمة المتجبرة الحق في أن يحشر أنفه في غالب قضايا السياسة السودانية، أظنه غير معني أو بالأحرى غير مهتم فقط بخلافات (الاتحاديين)، سواء في حزب الدكتور “الدقير” مع الأستاذة “إشراقة” أو حزب مولانا “الميرغني” بين نجله “الحسن” وقيادات بارزة ومهمة في الحزب، وهو غير معني بمشاكسات أطراف (المؤتمر الوطني) الحزب الحاكم .. في بعض الولايات مثل الجزيرة والبحر الأحمر ونهر النيل التي أطيح فيها بوالٍ نظيف عفيف هو الأستاذ “محمد حامد البلة”، لأن المجموعات المتنفذة في ولاية كبار المتنفذين بالمركز، لم تعجبها إصلاحات “ود البلة” التي هتفت له جماهير الإسلاميين ذات يوم بعيد: (ود البلة .. يحفظك الله).
{كيف يتمتع مبعوث أمريكي بهذا الحق والتمدد الكبير في شؤون بلادنا، بينما حكومة بلاده تعاقبنا كل يوم، وتفقر شعبنا ساعة بعد ساعة بالارتفاع المستمر في (الدولار)، في ظل ضعف أفكار وبدائل القائمين على أمر اقتصادنا المتدهور .
{كيف نمنحه هذا الحق، ولا نطالبه أولاً برفع قدر مناسب من العقوبات الاقتصادية قبل مناقشة أي شأن داخلي يخصنا .. لا حوار ولا مفاوضات ولا وقف عدائيات ولا يحزنون ؟!
{وغير العقوبات الرسمية، فإن أمريكا عبر شركاتها ومؤسساتها الاقتصادية العظمى تمارس (إرهاباً) من نوع خاص على البنوك الأوربية والآسيوية بما فيها الصينية والعربية، خارج القانون الأمريكي، لمنع وتعطيل التحويلات المصرفية بين البنوك السودانية وبنوك العالم في مختلف المعاملات .
{أمريكا أحد أسباب أزمتنا الاقتصادية، وليست كل الأزمة، لأن سوء إدارتنا لاقتصادنا هو لب القضية وأكبر أسباب الفشل، فهل بعد كل هذا وذاك التآمر المفتوح والمعلوم نفتح لهم الأبواب مشرعة ليكونوا وسطاء و(حلالين عقد) لمشاكلنا ؟!
{على أمريكا أن ترفع أيديها عن البنوك الألمانية، الفرنسية، الإيطالية، الصينية والخليجية للتعامل المالي مع بنوكنا، ومن بعد ذلك يمكن أن نسمح للمبعوث في التوسط لدينا، بحثاً عن مصالح أمريكا وحلفائها في السودان عبر مشروع جديد لاتفاقية سلام (ملغوم) .
{أما ما يحدث الآن .. من تعاون (مجاني) من قبل حكومتنا مع مبعوثهم مقابل عدوان أمريكي مؤذٍ للاقتصاد السوداني، فليس إلا غباء بل خيانة عظمى لهذا الوطن العظيم.