حوارات

"آمال عباس" تكشف (آخر الكلام) وتؤكد لـ(المجهر)

*(أبريل) لم تكن ثورة شعبية، وسقطت (مايو) لكثرة المعاكسات من الطائفية والإسلاميين!
* عشت زمنين.. وانتظرت (30) سنة لكي أكتب (عمود صحفي)…!
* ما عندي رأي قاطع ضد الحكم الشمولي والحكم العسكري
المقدمة
وجدتها في ذات المكتب بالطلة والبسمة وحاجب الدهشة، تربيزة فارغة وحقيبة عادية ما زالت “تتونس” مع بناتها المحررات وكأنهن بنات الجيران في حضرة معلمة مخضرمة، سمعنا عنها كيف كانت سيدة مثقفة وجميلة زمن كان يلتفت معظم مجلس وزراء مايو لفتاة قادمة من الحزب الشيوعي وصارت جزءاً من الاتحاد الاشتراكي، وحتى صباح الحوار لم تنتهِ الحيوية ولا فترت ولكن النضج وتربية أم درمان القديمة وجمال الستينيات والسبعينيات خلق منها سعادة دائمة توزعها كل صباح على محدثها.
فتحنا كل القضايا، أعمدة الوجدانيات الخاصة، مايو و”فاطمة أحمد إبراهيم” و”محمود محمد طه”، العائلة والأقدار والتفاصيل الخاصة، الاتحاد الاشتراكي والإسلاميين  والأغنيات وصناعة النجوم، “بثينة” و”النميري” وديمقراطية ويستمنستر.. فإلى الحوار المهم: 

بعض بناتي يكتبن (أعمدة) وجدانيات خاصة مكانها الدفتر في الدولاب
يمكن تتفق شلة تصنع نجماً ومزاج الأغلبية لا يتم تغييره بلمحات خاصة
  (أدوني لي شربة النقص دربه) دا تعبير يشبه المجتمع وفيه احترام لمشاعر المرأة للبوح بها
–  مايو كانت حلماً ولسه بسمع (يا حارسنا ويا فارسنا)

–    
× “آمال”؟
–    أهلاً وسهلاً بيك.
× كيف تبدو “آمال عباس” الصحفية المخضرمة؟
– أنا فعلاً عشت زمنين وانتظرت (30) سنة لكي أكتب (عمود صحفي).
× (ليه كل السنين دي) يمكن قدراتك أقل؟
– أبداً بس لأنو كتابة العمود تؤسس على (عامل الخبرة)، ودا ركن أساسي لإبداء أفكار من خلال عمودك (أفكار تقتدى).
× (المهم) على أيامنا دي نحن نبدأ حياتنا الصحفية بعمود وعندنا نجوم؟
– من مراقبتي المستمرة وأنا قارئة جيدة لكل ما يكتب تقريباً، لاحظت أن كتابة (عمود اليوم) سيما عند  بعض بناتي، إنما هن يكتبن خواطر ووجدانيات خاصة مكانها الدفتر في الدولاب.
× خواطر ووجدانيات؟
– وعلاقات ومطاعنات وشيء تخجل من مطالعته كقارئ يهمه تقديم وعي وأفكار ورؤى تهم كل الناس، وحتى طرح القضايا بهذه الخصوصية يهز معايير العمل الصحفي.
× (دا فرق كبير)؟
–    الفرق هم يهتمون بالصغائر ولا يقرأون، ونهتم بالسياسات بينما هم يهتمون بالأشخاص.
× نفحص كل شيء ونبدأ بصحافة البنات (الأعمدة)؟
– على زمنا لا توجد أصلاً من تكتب (عمود صحفي)، بل صفحات أسبوعية متخصصة في المرأة مثل (بت وهب)، أخبار الحركة النسائية تناقش حقوق العمل والتعليم والعادات الضارة، وأيضاً “فاطمة سعد الدين” وأم “عادل” (حياة مصطفى)، و”بخيتة أمين” و”جليلة عبد الله” يكتبن في ذات السياق (عالم المرأة) قضاياها والتحديات الماثلة، أحلامها وتطلعاتها كجزء من قضايا المجتمع والوطن والإنسان.
× (ماف وجدانيات خاصة)؟
– كنا نتجنب أن نكتب حتى كلمة حب ونموت بكل شيء في دواخلنا.
× ولكن الزمن لا يقف عند “بت وهب” و”جليلة” و”فاطمة”؟
– ما قلنا الزمن لازم يقيف، بل يتقدم بنفس القيم إلى العصر المتحضر، وكنا متقدمين في فهمنا للأمور العامة والخاصة ونفرق بينها، ودا كان وعياً كبيراً بأهمية المرأة في بناء الأمة والمجتمع وحتى التاريخ  أمشي دار الوثائق وشوف مجلة صوت المرأة في 1955 ومقالاتها والثقافة ونوع التحرير والمعالجة وطرح القضايا، لا توجد غراميات ووجدانيات، بل قضايا عامة.
× كنتم في سن الشباب وكنتم كباراً؟
–  (كتر خيرك) على الوصف دا، ولكن الحقيقة هي أن مبدعة مثل “فوزية حسن اليمني” وكانت تكنى أيضاً بالكردفانية، أول من استخدم الكاريكاتير في  تحليل الموقف السياسي، وأذكر مشهداً ما زال عالقاً بالذاكرة، كان “طلعت فريد” مهتماً جداً بالكورة فرسمت نسوان سمينات قاعدات في عنقريب يجوطن (يا أولاد جننتونا بلعب الكورة)، في إشارة واضحة للرئيس “طلعت” وبرضو وعلى أيامها ظهرت تسريحة (البقودي) زي طيرة أعلى الرأس، وكانت في الحقيقة تدافع عن المشاط والتوب.
× وين الإسلاميات؟
– كن مجمعات في مجلة المنار وأبرزهن “ثريا أمبابي” و”سعاد الفاتح” تعالج البحوث والمقالات بشكل أعمق شوية من الأخريات.
× والأعمدة اليومية؟
– (ماف بنات بيكتبوا أعمدة يومية نهائي).
× يمكن ما طموحات وبس؟
– طموحات جداً ولكن الاهتمام بالصحافة نفسه كان محدوداً ولا توجد دراسة أكاديمية  وكليات إعلام، كلهن جئن بسبب الطموح والهواية والإبداع.
× لكن التغيير لازم يحصل والزمن لن يتوقف تحت أقدامكم؟
-نحن برضو مرينا بالانتقال دا ولكن إطاره مختلف ونحن نحترم التغيير ونقدر كل مقتضياته، لكن عند حدود أمانة الكلمة المكتوبة، ونحن دائماً في صف “أحمد عبد المعطي حجازي” والذي قال إن الممسك بشرف الكلمة كالممسك بالجمرة.
× بالله القلم عندكم كالجمرة حينما يكتب الكلمة؟
-ودي شرعية أن نعطي الحق، أن نكتب من أجل الآخرين وحمل القلم لازم يكون حمل تقيل والصحفي المبتدئ يكتب بالمعالجات الماهلة وينتهي بكتابة العمود، والعمود خلاصة تجارب حياة وليس خلاصة تجربة غرامية خاصة.
× ودا عيب؟
-عيب كبير وخلل أساسي وأي كلمة ينبغي أن تكون رسالة مفيدة للقارئ وليست تفريغ غرام خاص بشخص.
× يمكن في بنات مشوا بسرعة نحو كتابة العمود وصاروا نجوماً بطرحهم المختلف عن طرحكم أيام زمان (هذا وارد)؟
-دي نجوم مصنوعة صناعة والنجم المصنوع أجله قريب.
× كيف؟
-يمكن تتفق شلة تصنع نجماً أو نجمة حينما تحرض على كتابة المسكوت عنه بصورة مستفزة ومزاج الأغلبية لا يتم تغييره بلمحات خاصة والشيء نفسه في الأغاني الخفيفة والهابطة كما يقال عنها، أنظر لها في محصلتها الأخيرة في التربية ستجدها صفراً في وعي وذوق الناس والشارع العام.
× زي أغنية قنبلة؟
–    أي زول بيتكلم بيها وحينما تغنى في بيت عرس تثير غباراً في وجه الجميع، ولكن في محصلتها النهائية ليس فيها بقاء وسرعان ما تنسى وتذوب.
× كله بسبب كتابة العمود عند الشباب والشابات؟
–    أيوه نعم وكتابة العمود مسؤولية كبيرة وحينما يسمح للمبتدئ والناشئ بكتابة عمود فإنها إساءة له وعرقلة لمساره والعمود أصلاً كبسولة ناضجة ودسمة عشان كدا تنفع في العلاج لما فيها من شحنات مركزة.
× المسافة كبيرة؟
– (هسع دي ما فات فوات) بس يعالجوا الاطلاع، تصور في  صحفيين لا يقرأون لزملائهم في الجريدة.
× غريبة فعلاً؟
-دي ماسأة والميدان الصحفي هو من يخسر جيلاً بأكمله.
× نقرأ أعمدة (7) بنات يطرحن قضايا؟
-يطرحن مشاعر خاصة وأنا أحزن لهن عشان هن ضحايا.
× تنسى أستاذة “آمال” أننا في زمن الشفافية وبعدين القارئ عاوز كدا؟
-أنا لست ضد الانفتاح ومع الآخر وعلى يقين بأن الصحافة هي مرآة المجتمع،ولكنهم منكفئين على ذواتهم وكما قلت لك نحن في جيلنا كنا نتحاشى كتابة كلمة (الحب) ونعتبرها مساحة ومنطقة محرمة ونموت بتجربتنا وابتذال العواطف ما كويس في حق البنات.
× متشائمة جداً؟
– أبداً لسه كمان شوية والعافية درجات.
× في الأسبوع الفائت كانت وزارة الثقافة تعد للاحتفال بصحفيات شابات كن الأكثر تأثيراً على المجتمع والناس؟
– فعلاً حدث انفتاح في عالم المرأة والتجارب فعلاً عندها أعمار والنساء السودانيات متقدمات في التعبير عن عواطفهن لكن الأسئلة (متى وكيف)، بل أنظر معي للأغنيات (الغالي تمر السوق) (أمي قالت لي دققي وختي لما أبوك يجي.. قلت ليها لا أبوي ما برجاه زوجوني بلا لو بي لبن بقرة ياللبن).. وفي مكان تاني (أمي قالت لي أخدي ود الخال أريتو بالخلخال الديمة مكشوف حال) و(أخدي ود العم قلت لا أريتو بالعمعم الحياتو كلها هم).
× دا طبعاً تعبير واضح وانفتاح؟
-دا اختيارها وفي الأغنيات تعبير ورسالة (ما تعرسوا لي على كيفكم) بتعبير بسيط وبلبن بقرة ودا البوح البشبه مجتمعنا وينتجه ويعتبر وعياً جماعياً (أدوني لي شربة النقص دربة) شوف المرأة دي عبرت باحترام عن حبها ولوعتها لكن في سياق ما يبوحه المجتمع ويرضى به.
× لكن الأمور تحركت ومساحات البوح زادت كتير؟
-الآن اللغة الجديدة فيها ابتذال وبقولوا كلام صعب جداً وهن لا يعلمن أن سيكلوجية الرجل وميزانه لا يختار البنت التي تبالغ في مشاعرها وعواطفها ويتحفظ منها.
× لسه بتستمعي لأغنيات تمجد مايو؟
-عندي أشرطة وأستمع لأغنيات مايو باستمرار.
× الناس حبوا “النميري” ومايو بأثر رجعي؟
-انتبهوا جداً للفرق.
× أكثر أغنية استماعاً لها (وضع خاص)، تعيدك لمايو وأيام مايو؟
– (يا حارسنا ويا فارسنا) طوالي برجع ليها.
× ليسه مايو في الخاطر؟
-مايو كانت حلماً ومايو شأنها شأن الأحلام اهتزت وواجهت مشاكل مسلحة ودامية في مطلعها ومنتصفها في (71) وفي (76).
× أنتِ مستنيرة ومايو كانت شمولية أيضاً؟
-مستنيرة ولكن ما عندي رأي قاطع ضد الحكم الشمولي في العالم الثالث، وأحياناً دور القوات المسلحة مطلوب في بعض المنعطفات وهي ليست (نبت شيطاني)، بل تمثل إجماع الشعب ود العامل والمزارع والموظف.
× ماذا تقصدين بالمنعطفات؟
– في منعطف لو أحست القوات المسلحة بقضية الشعب ورغبته فلا بد أن يتحركوا ليحسموا أزمة الحكم.
× الاثنان معاً.. حكم العساكر والحكم الشمولي؟
-الاثنان ليسا جسماً غريباً من المجتمع والقوات المسلحة  لعبت دوراً تنويرياً كبيراً في ثورة (52) التي غيّرت من خارطة العالم العربي كلياً.
× شيء غريب؟
-وأي زول مستنير في السودان كان مكانه التلقائي تأييد مايو ومثله مع ثورة الفاتح في ليبيا و”عبد الناصر” في مصر.
× يهمنا موقف المستنيرين من مايو؟
-لأنو ثورة مايو كانت عبارة عن تحالف خماسي بين العمال والمزارعين والموظفين والمهنيين والقوات المسلحة وعملنا (ميثاق العمل الوطني)، أفتكر ما زال ينتظر من ينفذه ومحتاج لجهة تتبناه.
× مايو كانت ميثاقاً وطنياً؟
-بمعنى الكلمة.
× مايو؟
-الطائفية فشلت فشلاً ذريعاً كلا الأنصار والختمية لم يقدما أي شيء خلال (60) عاماً المحصلة صفر ورجعنا للوراء.
× هل من ضمن الـ(60) سنة (27) ثورة الإنقاذ الوطني؟
–    الـ(27) سنة دي صفر كبير.
× مايو ويونيو بنات عم؟
–    بالعكس يوجد فرق كبير وشاسع، أولاً مايو ليست حكماً عسكرياً، بل حكم تحالف خماسي، ومايو كانت تمثل مزاج السودانيين عامة بدون أي مشروع أيديولوجي صارخ،  بل تحالف مع فئات تنموية يمثل الشعب السوداني والقوة المنفتحة، ومايو عندها وثيقة تحاكم بها ولكن الإنقاذ ما عندها ما تحاكمها به.
×كانت مايو ملونة بالحس الاشتراكي (دا تاريخ)؟
– (نعم هي كانت كدا) بعد داك لو عساكر أو حزب فإنها تحالف من مزاج السودانيين وهكذا جاء ميثاق العمل الوطني.
× ولكن مايو انتهت بثورة شعبية؟
–  أبريل لم تكن ثورة شعبية وما أسقط مايو كثرة المعاكسات من الطائفية والإسلاميين بتشكيلاتهم الحديثة.
× ولكن مايو نفسها أخطأت (مش كدا)؟
–    خطآن كبيران لا ثالث لهما، الرجوع عن قيادة القطاع العام أتاح الفرصة للخراب الاقتصادي، ثم محاكمة “محمود محمد طه” كانت خطأ قاتلاً وإعدام محمود.. روحه هي التي أسقطت مايو.
–    × دائماً نقول الكلام بعد فوات الأوان؟
–    قلته في عز مايو وقوتها وقاتلت حتى لا يعدم “محمود”، وكان مكتبي في معهد الدراسات السياسية غرفة عمل للشباب من دورنا للوقوف ضد الحكم.
× هل تجرأتم برفع رأيكم لـ(النميري) في ذلك الزمن الصعب؟
-رفعنا المذكرة للرئيس “النميري”.

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية