(المجهر) تستنطق "مبارك الفاضل" حول مجريات التفاوض بين الحكومة والحركات في "أديس أبابا" ( 2 ـ 2)
الحركات المسلحة تستخدم “الصادق” غطاءً قومياً لأنها جهوية
أية معادلة مستقبلية تحتاج لاتفاق بين القوى السياسية والقوات المسلحة
صارعنا النظام (27) عاماً وهو الآن ليس الذي صارعناه فالسلطة عادت للعسكريين
يجب تجاوز الماضي والمرارات فالأمم لا تبنى بالأحقاد
لن نترك أمر البلد للحركات لتفرض علينا أجندتها
في هذه الحالة سينسحب “المهدي” من تحالفه مع الحركة الشعبية..!!
حوار- عقيل أحمد ناعم
{ في ظل تعثر المفاوضات.. ما مصير الحوار السياسي المتعلق بالقضايا القومية مع (نداء السودان).. هل سيتجمد في انتظار المفاوضات مع الحركات المسلحة أم تستقل قوى النداء بمواقفها بعيداً عن الحركات؟
– لا.. إلا إذا تعذر وانهار الاتفاق ما بين الحركات والحكومة، فإن قررت الحركات الاستمرار في الحرب هنا يمكن أن يحصل خلاف، ولكن ليس قبل أن تختار الحركة الحرب.
{ ما الذي سيحدث بالضبط بين القوى المدنية والمسلحة في (نداء السودان) في حال لم تستمر الحركات في المسار السياسي واختارت الحرب؟
– إذا لم تتراجع الحركات عن أجندة الحرب، بعد ذلك بالضرورة سيحدث الانقسام.
{ كثيرون يرون أنه في حال عدم نجاح المفاوضات فإن “الصادق المهدي” هو الخاسر الأكبر لأن خارطة الطريق بالنسبة له إنجاز شخصي؟
– سيخسر الطرفان، لأن الحركات الآن تستخدم “الصادق المهدي” غطاء قومياً لأنها حركات جهوية، ووجوده مهم لإسباغ الغطاء القومي عليها. إذا لم تمض الحركات في تنفيذ الخريطة وحدث خلاف بينها والحكومة تسبب في تجميد كل التسوية الممكنة، فإن الذي سيحدث أن الحركات ستخسر السيد “الصادق المهدي” لأن أجندته السياسية تفرض عليه إما أن يجمد نفسه وفعله، أو ينخرط في أجندته السياسية. وبذلك ستفقد الحركات الغطاء القومي، و”المهدي” سيفقد حلفاء بناهم ورهاناً راهن عليه بأنه مضى مع هؤلاء الناس وأقنعهم بأن يأتوا للسلام، وسيكونون هم خسروه وهو خسر علاقته معهم.
{ ما هو الطريق الأقرب الذي يمكن أن يسلكه السيد “الصادق”؟
– الطريق الأقرب له هو طريق وحدة الحزب وأن يلعب الحزب دوره من خلال الحوار في إعادة ترتيب أوضاع السودان مع العسكريين الحاكمين، لأن أية معادلة مستقبلية محتاجة لاتفاق ما بين القوى السياسية والقوات المسلحة حتى نستطيع أن نوقف مد الانقلابات وعدم الاستقرار الموجود. وحزب الأمة لابد أن يلعب دوراً أساسياً في هذه المعادلة باعتباره حزباً مقداماً ومصادماً ولديه جماهير كثر، بالتالي لزام عليه أن يتصدى لهذا الدور. وهذا كان يقتضي أن يكون حزب الأمة و”المهدي” موجودان بالداخل وينطلق من هنا للتحدث مع الأطراف، فوضع الانحياز الذي يمارسه “المهدي” لطرف لا يناسب حزب الأمة، ومفروض أن تكون قوة الحزب ذاتية وليست معتمدة على غيره، وأن يكون متحركاً في الساحة الداخلية والخارجية لدفع الجهود.
{ هل يمكن أن يأتي سيد “صادق” في هذا التوقيت؟
– والله طبعاً يمكن أن يأتي. ومثل ما قال هو: (هذه مسائل فنية ولا دخل لنا بها) بهذا يمكن أن يأتي. وأنا أعتقد أنه يرتب ليأتي للعيد والذي تبقى له أقل من أسبوعين.
{ الأقرب أنه سيأتي للحوار الداخلي؟
_ نعم، سيأتي للداخل.
{ سيد “مبارك” يبدو أنك تحاول الظهور بمظهر الحياد رغم أنك معارض ما جعل المعارضة تتهمك بأن لديك صفقة مع النظام.. كيف ترد؟
– أنا لست في حياد، لديّ أجندة وأهدافي أن تحصل تسوية سياسية عادلة في السودان توقف الحرب وتفتح الباب لإعادة الديمقراطية وإعادة بناء الأحزاب السياسية السودانية على أسس جديدة، ورفع الحظر عن السودان ورفع المعاناة عن المواطنين بمعالجة الأجندة الاقتصادية.. هذه أجندتي من يلتقي معي في هذه الأجندة والآليات التي توجهنا لهذه الأهداف فأنا معه. ليس لديّ تحالف مع أية جهة ولا أريد أن ادخل في تحالف، وقربي وبعدي من أية جهة هو بعدها وقربها من هذه الأهداف. أعتقد في ظل هذه الظروف لا يفترض أن تكون لدينا عصبيات أو مرارات أو تمسُّك بصراعات الماضي. ومفترض زي ما بقولوا المصريين نكون (أولاد النهار ده) ونضع وراءنا المرارات والخلافات، ونبحث عن الطريقة المثلى لمعالجة مشاكل بلدنا، وأن نترك الماضي ونمضي للأمام لأن الأمم لا تبنى بالأحقاد ولا باستمرار الصراعات، بل تبنى بتضميد الجراح وإعادة بناء الدولة بصورة سليمة.
{ ما سبب هذا التغير الكبير الذي طرأ على مواقفك لهذه الدرجة؟
– نحن صارعنا هذه النظام (27) عاماً ودخلنا السجون، والآن هذا النظام ليس النظام الذي صارعناه، فالأوضاع تغيرت والآن هنالك واقع جديد، فقد عادت السلطة الآن لأبناء المؤسسة العسكرية وهم محتاجون أن يصلوا لتفاهمات مع القوى السياسية المؤثرة في البلد ليحدثوا توازناً واستقراراً في البلد، والقوى السياسية تحتاج أيضاً لأن تصل لاتفاقات مع المؤسسة العسكرية حول كيفية معالجة المشكلات. هذا موقفي بكل حياد وأنا أتكلم مع كل الأطراف وأقول هذا خطأ وهذا صواب، وأفتكر أنه لم يكن هنالك داعٍ للتمسك بموضوع الإغاثة في المفاوضات طالما حدث اتفاق على وقف الحرب، والمصلحة أكثر من الضرر في هذه المسألة. ودائماً التنازلات في قضايا وقتية ليس لها قيمة.
{ هل تقول هذا الكلام مباشرة للطرفين؟
– نعم.. أتحدث مع كل الأطراف.. الوسطاء والطرفان في الحكومة والمعارضة.
{ الآن بعد انهيار الجولة الأخيرة تحدثت مع الحكومة والأطراف الأخرى بصورة مباشرة؟
_ نعم.. أتحدث، وعقدت عدداً من اللقاءات مع المجتمع الدولي في أديس- بدون ذكر أسماء- وأنا على اتصال مع ناس الحكومة حتى عندما كانوا في أديس أبابا كانت هنالك مراسلات بيننا. ومع الحركة الشعبية أيضاً، وأقول لهم (يا جماعة كدا صاح وكدا غلط) وأنا بالنسبة لي ناس المعارضة كانوا زملائي لفترة طويلة، وليس في الأمر حرج وهم يعرفون أسلوبي فأنا أقول الحقيقة حتى لو (حارة).
{ هل تثق المعارضة بك سيد “مبارك”؟
– طبعاً.. نحن عملنا مع بعض وهم يعرفون أن الكلام الذي أقوله أنفذه و(ما بتلولو) في مواقفي، والحكومة أيضاً تعرف أنني أقول رأيي واضحاً، وقلت لهم إن المصلحة التي تريدونها من وقف الحرب أكبر من أي تنازلات يمكن أن تقدموها.
{ كثيرون يتساءلون ماذا سيكون موقع “مبارك الفاضل” بعد الحوار فالجميع يتحدثون باسم أحزاب وحزب الأمة سيتحدث باسمه “الصادق المهدي”؟
_ (والله شوف) الساحة السياسية كلها الآن في حالة تشكل وفيها انفصالات كثيرة من أقصى اليسار لأقصى اليمين، اليوم هنالك أربعة تنظيمات تتحدث باسم الحركة الإسلامية، وهنالك مجموعات تتحدث باسم حزب الأمة مشاركة في الحكومة، وهنالك أكثر من خمسة أحزاب تتكلم باسم الحزب الاتحادي في الحكومة وخارجها. وكذلك الحركات هناك مجموعات كثيرة تتحدث باسمها، فالساحة الآن كلها تعج بخلافات، لذلك فالأحزاب محتاجة لوقت لتعيد بناءها، ونحن نأمل أن حزب الأمة يدخل الشوط الأخير وهو موحد لأن من مصلحة البلد وحزب الأمة أن يقود هو مسيرة التسوية مع النظام لأنه الحزب صاحب الثقل الجماهيري، وهو الذي يمكن أن يحقق التوازن المطلوب.. نأمل ذلك.. لكن إذا لم يحدث فلكل حدث حديث. وهناك فراغ ونحن الآن نسده باسم حزب الأمة لأنه لا يوجد شخص يتكلم باسم حزب الأمة، فالذي يتكلم سيد “صادق” في الخارج، أما الموجودون هنا فيرددون فقط كلامه ويسافرون إليه في الخارج.
{ في حال أن حزب الأمة لم يتحد.. فهل ستقود التسوية السياسية باسم الحزب؟
– نحن الآن خطنا السياسي موحد، لكن تكتيكاتنا مختلفة، فسيد “صادق” يفتكر أنه متحالف تكتيكياً مع مجموعة الحركات وأن هذا يشكل ضغطاً على النظام، وأنه يمكن أن يأتي بنتائج، لكن هذا لديه مضار وفوائد، وفي النهاية نحن نرى أن الأفضل لحزب الأمة أن ينطلق من موقع مستقل ومسافة واحدة من كل الجهات والأحزاب، ومن الأفضل أن يوحد حزب الأمة نفسه ويقوى حتى يعمل من هذا المنطلق المستقل، ولا يترك في النهاية قراره وتحركاته تكون عرضة لابتزاز نتيجة لتضارب مواقف مع جهات أخرى.. بمعنى أنه مفترض أن ينسق فقط معهم.
{ لكن “الصادق” متمسك بتحالفه مع الحركة بالذات ويعدّه إستراتيجياً؟
– مثلاً إذا قدر الله أن الحرب لم تتوقف ماذا سيكون موقف السيد “الصادق المهدي” من هذا؟ في تقديري سيكون موقفه أنه سينسحب من هذا التحالف، لأنه دخله بمبدأ تحقيق السلام والتسوية السياسية. احتمال أن لا يحدث اتفاق وتتجدد الحرب وارد. فهل نترك الأمر في السودان واستقراره رهيناً لفصيل من الفصائل أراد الحرب ويصبح هو الذي يقرر فيه؟ هذا الفصيل لديه أجندة ونحن لدينا أجندة ونلتقي في منطقة وسطى، فإذا لم يحضر لي في هذه المنطقة الوسطى لا أستطيع أنا الذهاب إليه، بمعنى إذا هو اختار أجندته ولم يختر أن يأتي للمنطقة الوسطى سيكون قد وضعني في تناقض في العلاقة معه، لذلك أقول حزب الأمة أفيد له من واقع تجارب كثيرة جداً في التحالفات التي دخلناها منذ التجمع الوطني الديمقراطي والجبهة الوطنية ضد “نميري” أن ينطلق من موقع مستقل ويتعامل مع كل الأطراف، فهذا يعطيه حرية في القرار والحركة ويعطيه قدرة أفضل على التأثير بدلاً عن أن يربط نفسه في تحالفات تكتيكية قد تحدث تناقضات تؤدي بنا إلى مثل ما حدث لنا في التجمع الوطني الديمقراطي عندما اخترنا العودة للعمل من الداخل، ودخولنا في تناقض مع “جون قرنق” لأنه كان يريد إبقاء القوى السياسية حتى يصل إلى تسوية، لأنه كان يرى أن القوى الشمالية إن رجعت قد يتحد الشماليون ضد الجنوبيين قبل أن ينفذ أجندته. وأنا أرى الآن أن نستفيد من هذه التجارب وأن يكون حزب الأمة في موقف مستقل.
{ هل تعني أن يخرج من تحالفه مع قوى (نداء السودان) وحلفه مع الحركة الشعبية؟
– نعم.. وهو لديه ثقل كافٍ ليمضي به ولا يحتاج، وهو ليس المؤتمر السوداني ولا حركة من الحركات، هو الحزب الأكبر في السودان، وتاريخي وله ثقل وجماهير، ويستطيع أن يبقى ويأتي الناس لينسقوا معه. هو يضع المبادرة ويسوق الكل في الاتجاه المحدد. أنا في رأيي هذا الوضع الأفضل حسب التجارب الماضية، وهذا لا يمنع أن تكون علاقاته جيدة مع كل الأطراف، لكن الآن عندما أتحالف مع كل الحركات كلامي مع الحكومة سيكون مجروحاً، والعكس صحيح. لكن حزب الأمة لديه القدرة أن يقف مستقلاً وسيد “صادق” في فترة فعلها وخرج من قوى الإجماع ووقف مستقلاً حتى دخل الحوار الوطني وخرج منه بعد ما حدث من تداعيات، ودخل في هذه التحالفات الجديدة.. أنا شكلت أول تحالف.. بتجربتي.. هنالك مشكلة في الشخصية السودانية تجعل التحالفات ليست ذات جدوى لأن الشخصية السودانية تشعر بتوجس وغيرة شديدة جداً من بعضها البعض، وهذا يضعف من قيمة التحالفات. ولدينا تجربة في التجمع الوطني فقد اتهمنا “فاروق أبو عيسى” وبعض فصائل التجمع بأن لدينا صفقة مع النظام عندما رتبنا للقاء في أمريكا مع الحكومة بتنسيق مع “كارتر”.
{ هنالك حديث عن أن الحركات ليس لديها ثقة بسيد “صادق”؟
– لأنهم يعرفون أن هنالك تناقضاً أساسياً في المواقف، والسيد “الصادق” الآن هم عارفين أنهم معه في تحالف تكتيكي وهو داخل معهم في تحالف تكتيكي، والجزئية التي تجمعهم هي الضغط على الحكومة للحل السياسي، وأي شيء آخر يفرقهم، و”الصادق” لا يوافقهم على عملهم المسلح وليست له علاقة به، وهو معهم فقط في استخدام كرت الضغط على الحكومة لتأتي لطاولة المفاوضات. لذلك كما قلت هنالك منطقة وسطى، وإذا تحركت يمين شمال أنت خارج التغطية.
{ ماذا كسب سيد “الصادق” بخروجه من الحوار؟
– لا، هو ما كان يمكن أن يواصل في الحوار، لأنه كان لزاماً عليه أن يرد الاعتبار لنفسه، لأن الذي حدث هو أن الحكومة استهانت به ولم تحترم علاقته بها. وبالتالي من ناحية سياسية كان (لازم يسدد ضربة). لكن وجوده في الخارج استطال وكان مفترض أن يكون داخل البلد ويرتب أوضاعها ويتحرك ويناضل من الداخل، لأن الوجود الخارجي استطال، وليس له معنى، وهو يعلم العيوب الخلقية الموجودة في المعارضة السودانية والحركة السياسية السودانية كلها، ولأنه عالم بهذه العيوب ما كان يجب أن يعول على هذه التحالفات وأن يجد فقط مساحة تنسيق ثم يعود لترتيب أوضاعه وتكون نقطة انطلاقته هي الحزب.
{ سيد “مبارك” رغم كل ما تقوله من حياد لكنك أقرب للنظام الآن؟
– أنا على مسافة متساوية من الجميع، وأنا اقرب إلى أهدافي وبرنامجي.
{ وهي الأهداف التي أقرب إليها النظام باعتبار أن المعارضة بعيدة عن أهدافك؟
– النظام لديه وعود طرحها، لكن لا يوجد تنفيذ، والنظام نفسه يجب أن نختبره، ونحن انتظرنا حتى يوقع على خارطة الطريق، وأنا ما كنت سأذهب لمخاطبة الجمعية العمومية إذا لم تكن الحكومة قد وقعت على الخارطة، لأني أعدّ المكون الأساسي هو السلام، إلا إذا أبى الطرف الثاني (الحركات)، وهنا سيكون الأمر مختلفاً لأن الطرف الآخر هذا سيكون راغباً في أن يفرض علينا أجندته ولن نتركه يفرض علينا أجندته. بالنسبة لي النظام الآن يطرح حلولاً ومبادرة وهذه المبادرة إلى الآن بها جوانب إيجابية كثيرة لكننا نريد معرفة إلى أين تقودنا هذه المسألة. وفي النهاية سنجتهد لتنجح هذه المبادرة، لأن المسؤولية ليست مسؤولية النظام وحده، بل مسؤوليتنا كلنا، لكن النظام مسؤوليته أكبر.
{ سيد “مبارك”.. إن وصل الحوار لنهاياته وأصبحنا أمام تشكيل حكومة الوفاق أو أي مسمى.. هل ستشارك فيها؟
– (ضاحكاً).. (خلينا نصل الكوبري بعدين نعديه).