منهج حوار
المنهج الذي اختطه المهندس “إبراهيم محمود حامد” في مواجهة المواطنين لا الهروب منهم بدعوى أن أغلبهم مغرضون ومدفوعون بأجندة حزبية.. هو المفقود في ممارستنا السياسية التي تنهض في الغالب على الهتافية والزخم التعبوي.. وبذلك يغيب العقل.. وتتحكم العاطفة في الفعل السياسي.. أمس (الجمعة) كان حوار السلطة والمواطنين حاضراً في قاعة الشهيد الزبير التي تقع في واجهة المؤسسة العسكرية، وحينما يدور الحوار صريحاً وشفيفاً بالقرب من مركز صناعة القرار في الدولة وتحت بصر الأجهزة الأمنية والعسكرية وسمعها.. ويقول مواطن جاء من أطراف أم بدة يسعى لمعرفة ما يحدث في جلسات التفاوض، يقول أي شيء ويذهب مطمئناً لبيته دون أن ينتابه إحساس بأن ما يقوله قد يحرمه من رؤية أطفاله في ذات المساء.. فإن فضيلة التعافي في جسد الوطن تتمدد حتى لو تأخر قطار السلام بسبب عطب في القضبان.. بالأمس قالت القيادات السياسية من أهل المنطقتين اللتين تشهدان حرباً أقعدت بالسودان ونخرت عميقاً في الجسد المثقل بالجراح.. كل ما يمكن قوله.. ولم يضق صدر “إبراهيم محمود” أو يثر حتى حينما ذهبت الصحافية “اعتماد الفكي علي الميراوي” إلى مساواة الحاكم الوطني بالمستعمر الإنجليزي.. وادعت أن مواطني المنطقتين يخضعون الآن لاستعمار قومي داخلي.. رد المهندس “إبراهيم محمود” بهدوء يحسده عليه لاعب برشلونة “ميسي” حينما يواجه مرمى المنافسين.. قدم “محمود” مرافعة أخرست ألسناً كثيرة تحدثت عن الظلم والمظالم وضعف تمثيل المنطقتين في الحكومة المركزية.. وضرب الأمثال لعل الناس تعقل وتتفكر وتتدبر.. حينما قال إن منطقة جنوب كردفان يتم تمثيلها في الحكومة المركزية بوزيرين اتحاديين هما “الطيب حسن بدوي” في الثقافة والمهندس “محمد زايد” في الطاقة والبترول، ومعهما وزيرا دولة د.”علي تاور” في البيئة والسياحة، ود.”تابيتا بطرس” في الكهرباء.. بينما ولاية مثل القضارف نصيبها في الحكومة المركزية وزير دولة وحيد هو “ياسر يوسف”، ومن عندي أضيف والآن يتربص به المتربصون ويسعون ليل نهار لإبعاده من موقعه بوقائع من صنع خيالهم الخصب، بأن “يوسف” والغ في صراعات قطاع الإعلام.. وولاية سنار المحروسة تمثل فقط وزيرة دولة بالعدل ،هي “تهاني تور الدبة”.. وهناك ولاية لم يغشها التمثيل من حيث المبدأ هي غرب دارفور، وفي ذلك اعتراف شجاع جداً من نائب رئيس الحزب وأمام مواطنين عاديين في حوار يستهدف إشراك أهل المنطقتين في شأن قومي وهو السلام الذي بدأ قريباً قبل أسبوعين، حينما وقعت قوى المعارضة والحركات المسلحة على اتفاقية خارطة الطريق، ولكنه أضحى اليوم بعيداً بعد انهيار جولة المفاوضات والعودة للبلاد بالوصف الحي لما أحدثه “ياسر عرمان” من تخريب متعمد لمشروع التسوية بإصراره على فرض رؤيته الأحادية.. بينما الإرادة الجمعية لأهل المنطقتين هنا.. لا تستطيع فعل شيء.. ولا تملك أي شيء.
ومنهج “إبراهيم محمود” مهما تأخر فإن ثمراته التي يحصدها في مقبل الأيام تغطي تكاليف خسائره المادية وتفيض، فالحوار المفتوح يجعل المواطنين قريبين جداً من السلطة.. ولم يكتب الله عمراً طويلاً للإنقاذ التي تبلغ الآن السابعة والعشرين، إلا بسببين الأول قرب قادتها من الناس وتواضع الرئيس وشجاعته في ذات الوقت في مواجهة المشكلات، ولكن حينما تتوارى الحكومة خلف الأبواب الموصودة ولا تصبر على ساعتين من الحوار ويضيق صدرها لمجرد أن هناك شخصاً قدح في ذمتها.. فإنها بذلك تكتب نهاية عمرها بيدها.
وأمس يوم عطلة رسمية.. ومناخ خريف بارد ورذاذ رطب الجسد الجاف.. ولكن حوار “إبراهيم محمود” مع أهل المنطقتين جعل التفاؤل يتمدد والثقة بأن غداً أفضل من اليوم، وأن وقف الحرب مقدم على رفع البنادق في المنطقتين.