تقارير

تأكيدات بتحقيق اختراق حوله: ملف النفط.. مفاوضات (اللفة) الأخيرة

مابين دولارات جوبا الـ(9)، ودولارات الخرطوم الـ(32) لا تزال لعنة الذهب الأسود تقف حجر عثرة في مسار العملية التفاوضية بين دولتي السودان وجنوب السودان. ورغم أن الدولة الحديثة بادرت للمرة الأولى باتخاذ خطوة إيجابية في طريق الحل، إلاّ أن المسافة بين عرضي البلدين لا يزال كبيراً. وبينما أعلنت الخرطوم عن اتفاق وشيك وشامل مع جوبا حول ملف النفط، كشفت جوبا عن تقديم مقترح للوساطة وللوفد السوداني، في شكل اتفاق حل شامل لكل القضايا، كانت سبقته قبل أيام بتقديم حوافز لحكومة الخرطوم.
ويبدو أن طرفي التفاوض قد أرادا إنقاذ جولة التفاوض التي كادت أن تنهار بسبب خلافات الملف الأمني المستعصية، والتي قالت الخرطوم إنه تم االتوصل إلى اتفاق فيها بنسابة (88%)؛ بالاتجاه إلى فتح ملف النفط المهم، والذي يبدو أنه وبمجرد التوصل إلى اتفاق حوله وعودة (المعدن الأسود) للجريان من جديد في أنابيب النفط الواصلة بين الدولتين، فإن الدماء ستعود إلى جسد العلاقة بين البلدين، بعد أن كادت أن تدخل مرحلة الموت السريري.
وبالرغم من روح التفاؤل التي تسود أوساط الوفدين والمراقبين في البلدين، قبل أقل من أربعة أيام فقط من انتهاء المدة التي حددها مجلس الأمن لتوصلهما إلى اتفاق شامل؛ إلا أن الشقّة لا تزال بعيدة بين طرح كل طرف، فيما يتعلق بالسعر المحدد لنقل نفط الجنوب عبر أراضي السودان، حيث لا تزال جوبا ترى أن العرض الذي قدمته الخرطوم وتراجعت بموجبه إلى (32) دولاراً للبرميل، يُعد بعيداً عن ما تطالب به، وهو(9) دولارات للبرميل، بينما ترى الخرطوم أنها قدمت تنازلاً عن عرضها الأول، وذلك لدفع المفاوضات إلى الأمام ومراعاة للترتيبات الاقتصادية الانتقالية بعد انفصال الجنوب، وقال “عوض عبد الفتاح” أمين وكيل وزارة النفط، وعضو الوفد الحكومي، إن (الباب لا زال مفتوحاً لتقديم مزيد من التنازل للوصول إلى اتفاق مع جوبا). وأكد توصلهم إلى العديد من التفاهمات في مختلف المحاور الخاصة بملف النفط، خاصة مسألة الديون السابقة من الجانبين، بالإضافة للمتأخرات، وديون الترحيل السابقة. كما أكد وكيل وزارة الخارجية “رحمة الله محمد عثمان” حدوث تقدم في الملفات كافة محل التفاوض، مشيراً إلى أنه يتم التعامل معها كحزمة واحدة. وبالنسبة إلى تقديم الحكومة لمزيد من التنازلات فيما يتلق بقيمة نقل النفط عبر أراضيها؛ قال رحمة الله لـ(المجهر) إن هذا الأمر سابق لأوانه؛ لأن العملية التفاوضية ما تزال مستمرة.
ويسود اعتقاد واسع وسط المراقبين بأن هذه الجولة ستشهد توقيع اتفاق شامل، بعد التوصل إلى تفاهمات في ملف النفط، والذي طالما ظلت حكومة الجنوب تطالب بطرحه للتفاوض قبل باقي الملفات. فضلاً على أن الوصول لتسوية في ملف النفط من شأنه أن يُخرج الدولتين من “عنق الزجاجة” التي أدخلتهما فيه الأزمة الافتصادية الطاحنة، والتي يتوقع أن يساهم إطلاق تدفق البترول في تخفيفها بنسبة كبيرة.
ويرى الخبير الاقتصادي “محمد إبراهيم كبج” بأن الوصول إلى نهاية التفاوض باتت قريبة جداً، بعد أن بدأت الخرطوم في التخلي عن تعنتها، مشيراً إلى أن مصلحة البلدين تقتضي وصولهما إلى اتفاق في مسألة النفط؛ لأن البديل للاتفاق هو الحرب، والبلدان لا يستطيعان خوض حرب جديدة، وكلنا رأينا كيف أن حرب هجليج الصغيرة، تسببت في انهيار الميزانية. وأضاف كبج، في حديثه لـ(المجهر)، أمس، بأن الخرطوم لابد أن تستند لمرجعية في مسألة تحديد أسعار نقل البترول حتى تكون موضوعية في ما تطالب به، مشيراً إلى أن الخرطوم ينبغي أن تكون أكثر رشدرً، خرصة أنها سبق وتعهدت بعمل علاقات جيدة مع دولة الجنوب بعد الانفصال، وقال إن الخيار الوحيد المتاح للجنوب هو تصدير نفطه عبر الشمال، لصعوبة تحقيق ذلك عبر كينيا أو جيبوتي، ولكن هذا ينبغي ألا يجعل حكومة الخرطوم تسعى لأن يوقع الجنوبيون معها عقد إذعان. وأوضح كبج بأن وفد السودان هو وفد سياسي وليس به مختصون في شؤون البترول، وهؤلاء يعملون على إرجاع قيمة البترول الذي ذهب إلى الجنوب من الباب، يحاولون إرجاعه عبر الشبّاك. ورغم كل ذلك يرى “كبج” بأن المفاوضات وصلت الآن إلى لمساتها الأخيرة، وهناك اتفاقات شاملة، توصل إليها الطرفان في شكل (باكيج) لمختلف القضايا، وهما قد وصلا إليها مجبرين.
واياً كانت وسيلة الوصول إلى اتفاق ينهي أمد الخلافات الطويلة، فإن الغاية هي وضع حد للحروب والاقتتال والخلاف، وفتح صفحة جديدة في شكل العلاقة بين البلدين.

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية