حوارات

(المجهر) تحاور رئيس مجلس الولايات الدكتور "عمر سليمان" (2-2)

لن يستقر الجنوب إلا بذهاب “سلفاكير” و”رياك مشار”
أمريكا ندمت على انفصال الجنوب وبدأت التحقيق في الأموال التي استولى عليها القادة الجنوبيون
تأثير التمرد بجبال النوبة محدود ولم يتمكنوا من احتلال المدن
تضاعف الوجود اليوغندي بالجنوب وتحييدهم للشمال ليخلوا لهم الجو
لا بد أن تتنازل الحكومة لحل مشكلة الجبال أو استدعاء العمل العسكري
حوار – صلاح حبيب
{ من القضايا التي ناقشها الحوار الوطني قضية الهوية.. فهل بعد كل هذا الزمن لم تكن لدينا هوية؟
– هذا ما كنت أقوله هل نحن ما عندنا هوية بعد ستين عاماً من الاستقلال، لقد حاربنا خلال فترة “المهدية” وأخرجنا الأتراك والإنجليز والمصريين، ولكن ماذا فعلنا بعد ذلك، لقد انكفينا على أنفسنا فظللنا نستخدم أسلوب الرفض للآخر ولم نستخدم أسلوب البناء، ولذلك حينما يحدث انقلاب نصفه بأنه انقلاب عنصري رغم أن من قاد الانقلاب سوداني، ولكن لماذا يوصف بأن هذا عنصري وذاك غير عنصري، أعتقد أن هذا ضيق نظر في معالجة القضايا.
{ وماذا عن النزاعات القبلية؟
– النزاعات القبلية بلا شك خطر على الوحدة الوطنية وعلى الأمن القومي، والصراعات القبلية تؤدي إلى مزيد من التفتت، فالقبائل تكونت من مجموعة سلالات اتحدت لمصالحها سواء أكانت أكلاً أو شرباً أو أمناً أو سكناً نتيجة لتلك المصالح سكنوا مع بعضهم البعض وسموا أنفسهم بالاسم الفلاني أو الاسم الاجتماعي القبلي، ولذلك القبيلة سواء أكانت إبان الحكم المايوي أو حكم الإنقاذ كل قبيلة تعتز بنفسها وتعتقد أنها القبيلة الأعز من أجل مطاردة مكاسبها السلطوية ومن أجل المناصب الدستورية والحصول على الهياكل الولائية، وهذا هو الذي يؤدي للانشطار لأن التكوين أصلاً لم يكن من أجل التوحد وإنما من أجل المصالح والمكاسب الشخصية، وهذه المصالح يمكن أن تكون سبباً للتفتت.
{ وكيف نعالج ذلك؟
– عن طريق السياسات القوية وإجراء التنمية الواسعة في التعليم والصحة والخدمات.
{ والقبلية ألم تكن الأخطر؟
– القبلية تصبح مدخلاً للمنظمات العالمية ويمكنها أن تستغل القبيلة من خلال حقوق الإنسان وما شابه ذلك وهي خطرة لأنها تستقطب الأسلحة من أية جهة وبأي ثمن طالما الاتصالات أصبحت سهلة.. فالمنظمات العالمية تحاول استغلال الحركات المسلحة والحركات الإرهابية، والحركات تهرب البشر والمال والمخدرات، ولذلك فهي تستطيع أن تستقطب أي متفلت ولابد أن يكون النظر إليها جاداً.
{ ولكن الحركات المسلحة الدارفورية وصلت لاتفاق الدوحة؟
– نعم وصل البعض منهم إلى هذه الاتفاقية وبسببها شاركوا في السلطة.
{ واستفتاء دارفور؟
– كان استكمالاً للاتفاقية، فأبناء دارفور اختاروا صيغة ما بين الإقليم والولايات لأنهم سبق أن جربوا صيغة الإقليم عندما كانت في الفاشر، فعرف الناس (البيها والعليها) ولذلك ما اختاره أهل دارفور كان ما بين الحكم الإقليمي والحكم الفيدرالي، فتبقى بعد ذلك الحوار السياسي مع الحركات ومرحلة العمل السياسي مع المجتمع الدولي الداعم لتلك الحركات والعمل على إقناعها إبان هذه الحركات تجاوزت الحدود والمرحلة المقبلة مرحلة بناء الدولة عن طريق الوجود الفعلي والوجود الأمني والسياسي والبناء المؤسس للحكومات الموجودة وتقويتها واختيار العناصر القوية لها.
{ ولكن التمرد موجود فكيف ننهيه؟
– إنهاء التمرد ومحاصرته بالقيادات الواعية والمدركة لمهامها، وكيف يمكن أن تتحدث مع المجتمعات الموجودة وإطلاعها بالانجازات التي تمت في مجال المشروعات التنموية التي أقيمت والأهداف التي يمكن أن تحقق في المستقبل مع الاستجابة لقضايا المواطنين وسرعة البت فيها، وإعادة بناء المؤسسة المجتمعية للقبيلة، فهذا كله سيعمل على إنهاء التمرد، بالإضافة إلى أن أبناء دارفور اختاروا خيار الاستفتاء.
{ إذا كان أبناء دارفور اختاروا الاستفتاء الذي سيحقق الأمن والاستقرار هناك خطر آخر موجود الآن في (جبال النوبة)؟
– نعم جبال النوبة فيها خطورة، لأن الحركة الموجودة في جبال النوبة لها أهداف مختلفة من الموجودة في دارفور، فهي حركة تأسست مع الحركة الشعبية لتحرير السودان عندما كان رئيسها “جون قرنق”، وهذه الحركة كان مشروعها الكلي بناء السودان الجديد، ولذلك عندما انفصل الجنوب كان خيانة لهم لأنه تركهم وحيدين في المعركة، وكانت فكرتهم تغيير السودان وهم مجتمعون، ولكن الحركة الشعبية اكتفت بالجنوب وقالت لهم سوف ندعمكم، ولذلك ظلوا مستمرين في تبني المشروع وحاولوا أن يكونوا بديلاً لمشروع الجنوب، ولذلك استقطبوا دارفور عشان يعملوا (الجبهة الثورية) حتى يقولوا لسنا عرب والمشروع داك عربي، ونحن لسنا مسلمين ونحن أفارقة، وبالتالي لا بد من بناء المشروع ضد مشروع الدولة السودانية الموجودة في الشمال العربي المسلم، ويقولون هؤلاء يريدون أن يمحوا تاريخ الآباء والأجداد، وهذه كلها أطروحات عاطفية ليكسبوا بها الآخرين، ولم يدرك هؤلاء أن المجموعات المهاجرة من العرب التقت مع المجموعات المحلية في السودان وشكلت الموجود الآن، ولذلك يحاول أولئك أن يبنوا مجتمعهم الموازي عن طريق الثقافة والتعليم وتغيير الهوية وتغيير أسماء الناس حتى لا تتماشى مع الأسماء القديمة، ويريدون أن يغيروا سلوكياتهم ودياناتهم، والتعليم الآن يدار بالمدارس بالمنهج الكيني وباللغة الإنجليزية.
{ ولكن هذا إذا تمدد سيشكل خطورة كيف يمكن التصدي له أو إنهاؤه؟
–    لا بد من إشراك الجميع لإنهاء الحرب في تلك المنطقة لأن ما يتم الآن بـ(جبال النوبة) هو أشبه بالمناطق المقفولة بالجنوب وهو أسوأ القوانين التي وضعها الإنجليز، الآن هناك مناطق تسيطر عليها الحركة أشبه بالمناطق المقفولة، فيمارس التعليم فيها بطريقة مختلفة وإدارة مختلفة وكل شيء فيها مختلف، ومناطق الحكومة مختلفة، وهناك عازل بين الطرفين أشبه بقانون المناطق المقفولة.
{ ما هو دور الحكومة في ذلك؟
– الحكومة لا بد أن تصل إلى صيغة لإنهاء التمرد الموجود حتى تتمكن من إعادة تلك المناطق إلى سيطرة الدولة.
{ ما هو تأثير التمرد على تلك المناطق؟
– تأثيره محدود من الناحية الأمنية ولم يتمكنوا من احتلال المدن وكل ما عملوه تمسكوا بالمناطق الوعرة وعدم الاتصال بالمناطق الوعرة تظل هذه المناطق خارج سلطة الدولة.
{ هل المتمردون بتلك المناطق يعملون على استقطاب الآخرين إليهم؟
– نعم هناك استقطاب بالمناطق الموجودة فيها مثلاً أم دورين ومنطقة هيبان وكاودا وريفي البرام، وفي تلك المناطق يحاولون استخدام (اللغة الإنجليزية) في المدارس، ولكن لم يتجاوز الطلاب نهاية المرحلة الابتدائية، ولذلك لن يجدوا فرصة لمواصلة تعليمهم ومن لم يجد فرصة لمواصلة تعليمه بالتأكيد سوف ينضم إلى الجيش الشعبي، وهذه هي الخطورة وحتى لا يظل التأثير أكبر لابد من حسم القضية لأن (الصغير بيكبر) ودوام الحال من المحال حتى ولو استدعى تنازلات من الحكومة أو استدعى عملاً عسكرياً، نحن لا ننظر إلى القضية لإسقاط الحكومة أو الاستيلاء على عاصمة الولاية، ولكن القضية للطرح الموازي الذي يتم الاستقطاب إليه عن طريق التضليل والطرق على العناصر البسيطة بأنهم مهمشون أو ممسوخون، فالحضارات في العالم تتم عن طريق التمازج، فالحضارة التي قامت في أمريكا كانت نتيجة للمجتمع الأمريكي والرحلات التي تمت ما بين الإيطاليين والبرتقال وكذلك الحضارة في روسيا، كانت نتيجة تفاعل مجتمعات مختلفة في سلوكها، لكن في السودان الضرورة ماتت والانعزال هو الخطر.
{ وكيف نحل تلك المشكلة بالمناطق التي يدعى أنها مهمشة؟
– بإتاحة فرص للمشاركة في السلطة، وبزيادة المشروعات التنموية وأن يعمل الحكم الفيدرالي على معالجة القضية السياسية بإتاحة المزيد من الفرص للناس للمشاركة سياسياً.
{ هناك عدد من المثقفين موجودون بالخارج هل يرضون بذلك؟
– الموجودون بالخارج يتحدثون عن قضية السودان عامة ومرة يتحدثون عن قضية دارفور، ولكن أولئك لا أحد كلفهم بالحديث عن الشرق أو الغرب أو الوسط، فالحركات الدارفورية عدم وضوح في الرؤية، فقضية دارفور يمكن أن يشاركوا في حلها باعتبارها قضية السودان.
{ إذا انتقلنا بك إلى قضية جنوب السودان التي انفجر الوضع فيها بصورة مخيفة وأصبح القتال دائراً في معظم مناطق الجنوب.. كيف تنظر إليها وما تأثيرها على الشمال؟
– الساسة الجنوبيون للأسف الشديد اختاروا الانفصال وهذا من حقهم، فعدم الثقة التي بنيت طوال فترة الحرب جعلتهم يصلوا إلى هذه النتيجة، ولكن عندما حاول تكوين دولتهم واجهتهم عدة مشاكل، فهم مجتمع قبلي وأمي والحرب الطويلة لها أثار مباشرة في سلوكيات الناس، ولذلك عندما جاءت الدولة انقسموا إلى قبائل، والمشكلة الثانية أنهم مجتمع زراعي ورعوي، فغالبيتهم أصبحوا عالة على المسؤولين، إضافة إلى الفساد الذي استشرى بعد قيام الدولة، فالحكومة الأمريكية الآن تحقق حول الأموال التي حولها الجنوبيون لأمريكا.
{ المعركة في الجنوب مع من؟
– المعركة بين (الدينكا) و(النوير) رغم أن هناك (نوير) مع “سلفاكير” و(دينكا) مع “مشار”، لكن المعركة الأساسية بين (الدينكا) و(النوير).
{ وما هو سببها؟
– الخلاف سببه إدارة الدولة والمكاسب التي تحققها كل مجموعة.
{ ألم يكونوا مؤهلين لإدارة الدولة؟
– أصلاً ما موجودة دولة ليكونوا مؤهلين لإدارتها، فالجيش الشعبي الذي انتصر في المعركة شاعر بأن المسؤولية مسؤوليته وذلك انفجر الوضع وحدث قتال مر سقط جراءه آلاف المواطنين. فالشعور القبلي الآن أن القضية لن تعالج إلا بذهاب الاثنين “سلفاكير” و”رياك مشار” باعتبارهما رمزية للصراع القبلي، فأحدهم يمثل رمزية (الدينكا) والثاني (النوير)، فـ(الدينكا) يحملون “رياك مشار” ما حدث وليسوا مستعدين أن ينظروا إليه وهو يعتلي كرسي السلطة، وكذلك (النوير) يحملون “سلفاكير” ما حدث لهم وغير مستعدين ينظرون إليه وهو على كرسي السلطة، لذلك لابد أن يغادرا السلطة حتى يستقر الجنوب، وهم يرون أن “سلفاكير” و”مشار” فشلا في بناء دولة الجنوب، فالدولة الآن ابتلعت كلياً بواسطة “يوغندا”، و”يوغندا” أهدافها مختلفة عن أهداف دولة الشمال التي ترغب في دولة مستقرة بالجنوب.
 (يوغندا) عدد سكانها ما بين (25 – 30) مليون نسمة ورقعتها صغيرة ومساحة الجنوب تساوي عشرة مرات دولة (يوغندا)، والجنوب به بترول وغابات وموارد مائية ضخمة، وبالتالي يشكل فرص معيشة لليوغنديين، وعدد اليوغنديين الآن بدولة الجنوب يقدرون بخمسين ألف مواطن، ووجود يوغندا بالجنوب الآن ضد مصالح الشمال، يوغندا تحاول تحييد الشمال عن الجنوب حتى يخلو لها الجو.
{ ما يحدث في الجنوب ألم يجعل أمريكا تندم على الانفصال؟
– أمريكا ندمت تماماً على انفصال الجنوب، فالأمريكان بدءوا يحققون الآن مع بعض الساسة الجنوبيين في الأموال التي هربوها لأمريكا واشتروا بها البيوت هناك، وطالبتهم بإحضار ما يثبت حصولهم على تلك الأموال، وأمريكا عملت على إغلاق بعض حسابات الجنوبيين بـ”كينيا”.

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية