"بكري حسن صالح" يطلق النداء الأخير لمتمردي قطاع الشمال
أحاديث السياسة والسلام من عمق الجبال
قرارات رئاسية بخفض رسوم توصيل الكهرباء بجنوب كردفان
يوسف عبد المنان
أطلق الفريق أول “بكري حسن صالح” النائب الأول لرئيس الجمهورية، نداءات لمتمردي قطاع الشمال في اللقاءات الجماهيرية الثلاثة التي تحدث فيها الجنرال “بكري” لمواطني محليات كادقلي والدلنج والقوز أمس (الثلاثاء)، وبدت نبرة الفريق “بكري” في موسم التصالح والتصافي أكثر مرونة من أحاديث السياسيين في الفترة الأخيرة.. ولم يتخذ الرجل قليل الكلام من منصات المخاطبة الجماهيرية منصات لإطلاق قذائف كلامية موجهة إلى المعارضة المسلحة أو المعارضة السياسية، وآثر دعوة حاملي السلاح للحوار المفتوح واختيار طريق السلام بعد سنوات من الحرب خسرت فيها البلاد الكثير من الإمكانيات والقدرات. وجاءت نداءات الفريق “بكري” التي أطلقها من جنوب كردفان قبيل أسبوع واحد من استئناف المفاوضات الخاصة في المنطقتين ودارفور في مكان واحد بأديس أبابا وبمسارين منفصلين.. ولكن قبل انعقاد جلسة التفاوض القادمة جردت الحكومة الحركة من سلاح هام ظلت تستخدمه كثيراً ألا وهو سلاح نقص الخدمات والتهميش الاقتصادي والتنموي.. وقد سرت في مدينتي “الدبيبات” و”الدلنج” كهرباء سد مروي التي تمتد مسافة (900) كلم من مدينة مروي في أٌقاصي شمال السودان بالولاية الشمالية، إلى “الدلنج” و”الدبيبات” في أقاصي جنوب السودان. وشكل وصول التيار الكهربائي لتلك المناطق حدثاً جعل اللقاءات الجماهيرية بكل من “الدلنج” و”الدبيبات” أمس تتخذ طابعاً لم نعهده في القريب العاجل في علاقة المواطنين بالمسؤولين في الدولة، حيث خرجت الآلاف في موسم الزراعة والري وتحت زخات المطر لاستقبال الجنرال “بكري”.. ورؤية التيار الكهربائي ينساب في الشبكات المتهالكة لتلك المدن.
حضور الأمن والسلام
إذا كانت العمليات العسكرية النشطة التي نفذتها القوات المسلحة في فصل الصيف الماضي قد كسرت شوكة التمرد وضربت عمق المناطق التي يسيطر عليها.. فإن الجنرال المحبوب جداً وسط الجماهير.. والعسكريين اللواء “ياسر العطا” قد نجح في تنفيذ خطة عسكرية ماكرة جداً.. وخادعة جداً.. التمرد كان يتوقع حرباً تقليدية عن طريق المتحركات كثيفة العدة والعتاد والقوة البشرية حتى يمارس لعبة القط والفأر… الهروب من وجه القوة.. ثم نصب عمليات (كمائن) صغيرة لإنهاك القوة وبعثرتها.. لكن الجنرال “ياسر العطا” خطط ونفذ عمليات سريعة ومباغتة.. أحدثت خسائر فادحة في وسط المتمردين.. حيث فقدت الحركة الشعبية أكثر من (60%) من قوتها على الأرض، الشيء الذي دفعها للإعلان عبر وسائط الإعلام الشهر الماضي عن تخريج عسكريين جدد ضباط وجنود.. وقصدت الحركة طبقاً لإفادات مسؤول رفيع في الملف العسكري بجنوب كردفان إلى بث الطمأنينة في نفوس مناصريها لإثبات أنها لم تمت بعد، ولكن والي جنوب كردفان اللواء مهندس أمن “عيسى آدم أبكر” قال إن التمرد أصبح شيئاً من الماضي وقد انتهى عملياً وفعلياً على الأرض.. ودعا المواطنين للحديث عن التنمية والزراعة والصناعة.
وإن إقامة معرض وكرنفالات سياحية في حاضرة الولاية “كادقلي” دليل وشهادة إثبات على القضاء نهائياً على التمرد وحلول السلام. وقال إن التنمية التي تحققت في عهده الذي يمتد لعام وبضعة أيام لم تشهدها الولاية في تاريخها أي منذ انقسامها في عام 1994م من إقليم كردفان.. وعدد الوالي شواهد على أن السلام قد تحقق بارتفاع الرقعة الزراعية.. ولكنه اعترف في ذات الوقت أن نصف سكان ولايته قد طردتهم الحرب من ديارهم وجعلتهم نازحين في المدن ولاجئين في الخارج. وأطلق النداء للنازحين واللاجئين بالعودة إلى جبال النوبة.
“الدلنج” تشرب الماء وتطرد الظلام
إذا كانت “كادقلي” هي العاصمة السياسية بجنوب كردفان فإن مدينة “الدلنج” هي العاصمة الثقافية لكردفان، لتأثير معهد التربية على الحياة العامة.. وقد ظل منارة علم ومعرفة حتى تم وأده بليل وشيعته النخب السياسية بذرائع أمنية وليست سياسية.. مثلما وئدت خطور طقت ووادي سيدنا وحنتوب.. وسعت الحكومة من بعد لمراجعة تلك القرارات الخاطئة.. ولم تفلح في إعادة الروح للأموات.. وقدمت مدينة “الدلنج” عطاءً وافراً من خلال رموز وقيادات في الجندية والسلك الإداري والقضائي، وهي منطقة تصاهر وتعايش وتمازج ما بين العرب والنوبة والإغريق والقبائل الوافدة من غرب أفريقيا وأصبحوا سودانيين من بعد ذلك.. ولعبت الإدارة الأهلية والمجتمعية دوراً في تماسك مكونات “الدلنج” الكبيرة التي تعني هبيلا الزراعية.. وسلارا الغنية والدبيبات ودلامي والسنجاكية.. وحاجز القتاوي.. والتتل والشفر ووالي البابويا وأم كرم.. و”الدلنج” هي من قدم للوطن المك “دارجول” الذي حارب الانجليز والسلطان “عجبنا” و”الناصر بريمة” والسير “الأمين علي عيسى” والناظر “محمد حماد أسوسة” والمك “كجو هنوه”. هؤلاء هم قادة الأمس الذين خرج من أصلابهم قيادات اليوم العميد “محمد مركزو كوكو”.. والدكتور “حامد الطاهر”.. والدكتور “أحمد عثمان خالد” و”إسماعيل دقليس نجار”، أحد مظاليم المؤتمر الوطني والحركة الإسلامية، حيث لا يزال في منصب المعتمد وقد أصبح أقرانه في مواقع عليا بالدولة، ولكن “دقليس” مع قصر عمره في محليته “الدلنج” كانت مشروعات وزارة التخطيط العمراني التي أحسن د.”فيصل حسن إبراهيم” وزير ديوان الحكم الاتحادي حينما رشح لها المحامي “محمد شريف” من خارج الولاية.. وقد حقق “محمد شريف” نجاحات على الصعيدين المهني والفني بالوزارة بتدفق مياه “الدلنج” التي افتتحها أمس النائب الأول بحي التومات.. لتشرب المدينة من جوفها المليء بالماء العذب.. وحقق “محمد شريف” نجاحات رياضية بالارتقاء بهلال الجبال إلى مرتبة رابع فريق في الدوري الممتاز، وهذا ما لم يتحقق حتى حينما كان مولانا “أحمد هارون” والياً على جنوب كردفان وينفق على المباراة الواحدة أكثر من ثلثمائة مليون جنيه.. وفي ذات الوقت أضاء النائب الأول شمعتين في حي المطار من منزل المعتمد السابق “حسن نواي” إيذاناً ببدء سريان التيار الكهربائي في عصب المدينة التي جمعت الآلاف من الجماهير في ميدان الحرية، رغم أن المدينة تعيش حالة حزن على رحيل المك “عبد الحميد أبو زهرة” أحد قيادات النوبة التي تحظى بشعبية كبيرة. وقد ظل المك “أبو زهرة” يقف مع أهله وعشيرته ولم يسعَ يوماً وراء السلاطين الذين استعاذ منهم الراحل الفقيه الشيخ “عبد الرحيم وقيع الله البرعي” في قصيدته الشهيرة (جنبنا يا كريم باب الحاكم والحكيم)، وقد استجاب الله لدعوته ولم يتزلف “البرعي” للحكام حتى رحل عن الدنيا وكان الولاة والوزراء يسعون إليه ولا يسعى هو لديارهم ومكاتبهم.. ومات الشيخ “البرعي” دون تردد على المستشفيات والأطباء.. و”الدلنج” أمس قالت شكراً للجنرال “بكري حسن صالح” الذي وعد وأوفى.. وأمس أيضاً أطلق وعداً وتوجيهاً إلى صندوق دعم السلام الذي يشرف عليه ويرأسه البروفيسور “خميس كجو” الذي آثر حضور اجتماع المكتب القيادي على حضور اجتماع أهله في “الدلنج” و”كادقلي”.. وجه النائب الأول الصندوق بالإنفاق على تركيب الشبكة الداخلية وكذلك الطرق الداخلية. وحينما يصدر الفريق “بكري” التوجيهات يعلم أن الصندوق عجز العام الماضي عن التصرف في الميزانية التي خصصت له واستفادت المالية الاتحادية من راجع المال الذي قدر بـ (14) مليار جنيه.. ظل الصندوق ينظر إليها حتى انقضى العام.. والآن بدأ يساهم في بعض المشروعات من خلال جهود يبذلها “سلمان الصافي” الذي سلم معتمد “الدلنج” (50) مليون جنيه و(25) مليوناً لمحلية القوز دعماً لمشروعات التنمية، وافتتاح محطة مياه المدينة التي ظلت متعثرة وشعارات لسنوات طويلة.. كما افتتحت مباني المحلية الجديدة.
“القوز” وإشادة النائب الأول
منح الفريق “بكري حسن صالح” محلية القوز شهادة حسن الأداء بعد أن أحسنت المحلية ممثلة في جماهيرها وقادتها الشعبيين الذين شكلوا حضوراً كبيراً في الأيام الماضية، مما أدى إلى نجاح اللقاء الجماهيري الذي أقيم أمس بميدان المدرسة الأولية.. ورغم أن (الثلاثاء) هو السوق الأسبوعي للأهالي حيث يجتمعون من قرى الكركرة.. والحمري والعامري والكربب وجفاوة.. وأبو دكة والفينقر في الشمال والميع ومناقو.. والحاجز السنجكاية في الجنوب.. وعريدبو.. ومسبعات وأم جقوقة في الشرق.. وعادت خيول الحوازمة والبديرية وكنانة للصهيل في استقبال الجنرال “بكري حسن صالح”.. والفرحة في الوجوه بدخول المدينة الشبكة القومية.. وقد نال المعتمد الشاب “المكي إسماعيل” وسام العطاء.. ومنحه الفريق “بكري حسن صالح” شهادة حسن أداء. و”بكري” ضنين بالشهادة لصالح الموظفين في الدولة إلا لمن يحسن الأداء.. وكانت للإدارة الأهلية بزعامة “بقادي محمد حماد” وعمد المنطقة “حماد موسى أبوهم” و”حماد السابر”.. و”النعيم يحيى”.. و”أحمد عبد الرحمن الفضل” في نجاح كرنفال الاستقبال الكبير بالدبيبات، ويصعب إحصاء الرجال الذين ساهموا في نجاح كرنفال الأمس من “صديق” دينمو المحلية وقلبها الناضب إلى المقدم “محمد صالح” مدير جهاز الأمن الوطني.. والنواب “حمداني هبيلا” و”ساغة حسين”.. وقيادات المؤتمر الوطني “مصطفى موسى”.. و”أحمد موسى” و”عبد القادر كباشي”.. و”عامر حسن عبد القادر”.
وقد وجه النائب الأول في حديثه لجماهير “الدبيبات” وزارة الكهرباء بحل مشكلة عدادات الكهرباء عن طريق توفير عدادات جماعية للمواطنين، وبيع العداد الجديد بسعر العام الماضي وليس سعره الحالي. وقال الفريق “بكري” موجهاً حديثه إلى المهندس “معتز موسى” يجب الإسراع في توفير العدادات لأن هؤلاء المواطنين يستحقون أن تقدم إليهم الخدمات.. وتبرع النائب الأول بتشييد الطرق الداخلية بمدينة “الدبيبات” والمساهمة في حل مشكلة شبكة المياه للأحياء السكنية. ووجه في ذات الوقت صندوق دعم السلام بتشييد الطرق بين القرى ورئاسة المحلية.
مشاهد وصور من رحلة الجنرال “بكري”
في كل يوم تثبت الدكتورة “سمية أكد” رغم صغر سنها أنها واحدة من الإضاءات الهامة في تشكيل شباب المؤتمر الوطني التي دفع بها “البشير” لضخ الدماء في شرايين الحكومة.. “سمية” قدمت إليها تقارير عن المراكز الصحية التي أنشأتها الوزارة في السنوات الماضية، وقدمت إليها المعدات ضمن مشروع التغطية الصحية الشاملة. ووجه الرئيس ولاة الولايات بتعيين المساعدين الطبيين والممرضين والمساعدين.. ولكن بعض الولاة لم يبالوا في مخالفة توجيهات الرئيس وجعلوا أولويات أخرى هي الأهم.. “سمية” قدم إليها تقرير مكتوب عن عدد المراكز الصحية التي تم تشغيلها فعلياً.. وحينما بدأت التقصي من خلال توجيه الأسئلة للمواطنين وأعضاء المجالس التشريعية، أكدوا لها أن المراكز الصحية مغلقة منذ افتتاحها من قبل النائب الأول للرئيس منذ (22) شهراً.. ونقلت الوزيرة لـ(المجهر) عن تشكيل لجنة تحقيق من المركز للوقوف على حقائق ما يحدث في المراكز الصحية بعدد من الولايات.. وتقديم تقرير حولها عاجلاً للنائب الأول ليتخذ قرارات بشأنها باعتبار إغلاق المراكز الصحية يشكل مخالفة لقرارات الرئيس.
أشاد والي جنوب كردفان بحسن أداء فريق المتابعة وحراسات النائب الأول الذين يتعاملون مع المواطنين باحترام وتقدير ومهنية في التنظيم والرفق بكبار السن والمساعدة في التنظيم.. وشهادة الجنرال “عيسى أبكر” اتبعها آخرون منهم اللواء “إبراهيم نايل إيدام” وهي قلادة شرف في جيد النقيب “قاسم” الذي اكتسب خبرات في موقعه وهو جندي خفي ساهم في حل كثير من قضايا المواطنين.. وظل قريباً من النائب وليس بعيداً عن المواطنين.
تفاجأ الكثيرون بأن وزير الدولة بالمالية “مجدي حسن يسين” لا يتبعه رهط من الحراس ولا سائق.. يقود سيارته في كثير من الأحيان بنفسه. ويقول أنا لا أشعر بأن هناك شيئاً يدعوني للخوف حتى أجعل شخصاً يحرسني، وفي اليوم الذي أشعر بحاجتي إلى حرس فإني سأغادر المنصب.
شكل الدكتور “عبد الله حسن أحمد البشير” وجوداً في مهرجان “كادقلي” أمس الأول، بعد أن تبرع بدعم المهرجان مع صديقه “فضل محمد خير” الذي منح جنوب كردفان رحلتين مجاناً من شركته (تاركو) للطيران لنقل فعاليات المهرجان وتبرع بمبلغ مائة مليون جنيه.