(المجهر) تحاور الدكتور "عمر سليمان" رئيس مجلس الولايات (1-2)
فشل قانون الحكم الشعبي المحلي كان سبباً في الصراعات القبلية بدارفور
الحكم الفيدرالي ولد مطالب وخدمات ومشروعات تنموية أرهقت الخزينة العامة
الحركات المسلحة نتاج للممارسات الخاطئة
حوار – صلاح حبيب
حاول البعض أن يجعل من دارفور قضية أشبه بقضية الجنوب الذي انفصل بعد عدة حروب تدخلت فيها الأصابع الأجنبية، ولما كانت قضية دارفور مازالت حاضرة في المجتمع الداخلي والخارجي، حاولنا أن نقلب ملفها مع الدكتور “عمر سليمان” رئيس مجلس الولايات، وكيف ينظر إلى هذه القضية بداياتها وأسبابها وأسباب تفاقمها، وإنشاء الحركات المسلحة وأسباب انشطارها وانقسامها بعد التوقيع على الاتفاقات بين الحكم الإقليمي وقانون الحكم الإقليمي، وهل الحكومة الحالية تعد أيضاً من الأطراف التي شجعت الحركات المسلحة بسبب المطالب والمطامع الشخصية، لماذا تمددت القبلية في السودان، وهل بالإمكان أن نأخذ تجربة “رواندا” بعد الحرب الدامية التي حصدت ملايين الناس من قبيلتي (الهونوا) و(التوتسي)، هل يمكن أن تكون تجربتهم بإنهاء القبلية تجربة يمكن أن يستفيد منها السودان. تناولنا في حوارنا المطول معه قضية الجنوب والحرب التي دارت بين قبيلتي (الدينكا) و(النوير)، وبين الرئيس “سلفاكير” ونائبه “مشار”، وتفجير القتال بمناطق (جبال النوبة)، والمد الكيني والمنهج الديني المستخدم في تعليم طلاب المدارس بـ(جبال النوبة)، فلنترك القارئ مع الجزء الأول من حوارنا مع الدكتور “عمر سليمان”.. كيف جاءت إجابات حول ما طرحنا عليه من أسئلة.
{ دار صراع طويل في دارفور وحاول البعض أن يجعل منه جنوب ثانٍ، ولكن رغم المجهودات الكبيرة المبذولة لاستقرارها.. إلا أن الحركات مستمرة.. كيف تنظر إلى واقع دارفور وما هي حلول المشكلة؟
– إذا عدنا للوراء إلى دارفور نجدها قد انضمت إلى الدولة في عام 1916م، وانضم جنوبها وغربها في العام 1922م، وشهدت دارفور معارك شهيرة بين المساليت والقوات الفرنسية، وعندما انضمت دارفور للمجتمع السوداني حدث انضمامها والترابط الاجتماعي والثقافي.. ودارفور لم تنضم إلى دولة السودان بالقوة، ولكن تلك القضية لم تعكس في برامج حقيقية في الحقب المختلفة حتى تؤدي إلى إحداث التوحد بين المجتمعات الموجودة وحتى نظرة القيادات السياسية أصبحت قصيرة، ولذلك كان لا بد من عمل طويل يحقق كل الأهداف.
{ وماذا قدمت الإنقاذ لدارفور إذا الحقب الماضية لم تقدم لها شيئاً؟
– الإنقاذ عندما جاءت فجرت مشروع الحكم الفيدرالي وهو أحد معالجات المشاركة في السلطة ومن المعالجات السياسية لرد الحقوق والمشاركة في الثروة، ولكن الاستعجال لتلك الحقوق والمطالب لمشروعات التنمية لم يصل بهياكل الدولة ومؤسساتها إلى الأصقاع المختلفة.
{ وما هو السبب؟
– السبب عدم إدراك للحقائق التاريخية والموضوعية والمتطلبات الأساسية لاحتياجات بناء الدولة، فالحكومة السابقة لم تنظر لبناء الدولة الوطنية الموحدة، فأصقاع كثيرة من السودان كانت خارج منظومة الدولة الموحدة، وجل الخدمات فيها منعدمة لا مدرسة ولا مستشفى ولا نقطة شرطة، ولا بئر ماء ولا مؤسسات حاكمة موجودة فيها أو قريبة من المواطن لحل قضاياه، بل تركت السلطة للإدارات الأهلية والعشائرية، وتركت خارج إطار القانون الموحد الذي يجمع بين السودانيين جميعاً ويوحد مشاعرهم، وهذا بمثابة امتداد لحكم الإنجليز الذين لم يسعوا لبناء دولة أو بناء هياكلها وإنما تحقيق أهدافهم ومطامعهم وهي جمع الضرائب والرجال وإعادة الثأر القديم الذي تعرضوا له إبان فترة المهدية.
{ لماذا لم تع الحكومة السابقة دورها؟
– لأنها لم تدرك مسؤولياتها ولم يكن لها إحساس بالمسؤولية، ولو كانت لديهم أهداف إستراتيجية لأمة موحدة ودولة وطنية كان سعت لقيام الهياكل الضرورية لبناء الدولة الموحدة، فنحن الآن وبعد ستين عاماً من استقلال السودان نتحدث عن الهوية.
{ ماذا فعل أبناء دارفور من أجل قضية منطقتهم؟
– بعد أكتوبر بدأ الوعي يتفتح، فقامت المجموعات المطلبية، وقامت نهضة دارفور وسوني وجبال النوبة، فأبناء دارفور كانوا يحسون بالإهمال لذلك تولد عندهم الإحساس بالتجمع والمطالبة، ولكن ماذا حدث؟ لم يحدث شيء، عندما جاء الرئيس الأسبق “جعفر نميري” وعمل قانون الحكم الشعبي المحلي عام 1971م، وقانون الحكم الإقليمي 1981م، كان يهدف من ذلك ملء الفراغ لأنه لم توجد مؤسسات وهياكل للدولة، ولكن وجد صعوبة في ملء هذا الفراغ، فلو قامت مؤسسة تختلف عن المؤسسة الأخرى المؤسسة الثانية تبني هياكلها على القبيلة، ولذلك تجمع ناس من أفخاذ مختلفة باعتبارهم وطنيين، ولكن هذا الشعور لم تعمل له سياسات حتى ينبني وينمو، ولذلك فشلت التجربة وولدت مشاعر جديدة.
الآن كثير من الصراعات القبلية في دارفور لديها جذور من قانون الحكم الشعبي المحلي، وهذا أدى إلى “فركشة” البناء الهيكلي للقبيلة، واعتبروا القبيلة ليست كياناً وانحدراً تسلسلياً من أب وجد، وإنما تجمع لناس لهم مطالب وحاجات ضرورية تتعلق بالمعاش والسكن والخدمات وشكلوا قبيلة بمسماها، وبالتالي تلملمت أعراق مختلفة للكيانات الاجتماعية المعروفة بالقبائل في السودان، ولكن عندما جاء هذا الهيكل بدأ في تقسيم كل مجموعة في أرض محددة لها مجلس، وهذا أدى إلى خلق نزاع بينه وبين المفهوم التقليدي الذي كان مؤسساً لحياة الناس في تلك المناطق، وبدأت النزاعات والأمثلة حولها كثيرة كرد فعل للحكومات السابقة، ولكن عندما جاءت الإنقاذ وطرحت مفهوم الحكم الفيدرالي، واستعجل الناس الحصول على المشاركة السياسية والحصول على المشروعات التنموية والخدمية، فالضغط الشديد على الحكومة الاتحادية أوجد كمية من الصرف وعبئاً على الميزانية العامة مما أثر على الاقتصاد، فبدأ البعض الهجوم على صيغة الحكم الفيدرالي، وفي هيكله الوزراء والولاة والمعتمدون ومخصصاتهم باعتبارها أس المشكلة.
{ وهل فعلاً كانت أس المشكلة؟
– بالعكس أس المشكلة كانت تتمثل في قلة الموارد، فقيام الحكم الفيدرالي ولد مطالب وخدمات ومشروعات تنموية انتشرت في كل البلد، ونظراً لشح الموارد بالولايات أصبحت التكلفة عالية على الخزينة العامة، ولكن أعداء الحكم الفيدرالي أو غير الراغبين فيه، افتكروا أن الجانب الإداري فيه هو الذي تسبب في هذه التكلفة العالية، فلا بد من التخلص منه وإن حدث تكون نكسة خطيرة جداً.
{ ألم تكن تجربة الحكم الفيدرالي فيها فائدة لدارفور؟
– التجربة فيها فائدة لكل السودان وليس دارفور وحدها، والحكم الفيدرالي هو مشروع وحدة السودان.
{ ولكن كيف ولدت الحركات المسلحة في دارفور؟
– الحركات المسلحة بدارفور ولدها الاستعجال في طلب الخدمات والحركات لم تكن موضوعية، وكان من الممكن أن يتطور الأمر طبيعي بدلاً من إحساس نحن مهمشون، فحركة “جبريل” أو”خليل” تحدثت عن رؤيتها لقسمة السلطة وعن أقاليم وعن شكل الحكم الرئاسي بالتداول وكل إقليم له دوره.
{ ألم تكن هناك أصابع خارجية لها دور في المشكلة؟؟
– قطعاً مشكلة دارفور لها أصابع خارجية إن كانت عن طريق التمويل أو التشجيع أو مد العناصر المختلفة بالسلاح.
{ ألم تكن الحكومة واحدة من أسباب كثرة هذه الحركات؟
– الحركات المسلحة إنتاج للممارسات الخاطئة، ولكن أنا أتحدث عن تلك الحركات ذات الدوافع المعروفة والتي كان بالإمكان استيعاب تلك الدوافع، وكان بالإمكان معالجة ذلك سياسياً لأن المعالجات الأمنية أدخلتنا في قضية الأمن الدولي، وهذه هي القضايا التي نسمح بها، فكلما تمت اتفاقية مع حركة من الحركات انشطرت هذه الحركة إلى عدة حركات، وبالتالي هذا يبين رغبة أولئك في المطالب الشخصية، فالمعالجات التي تمت مع حركة محددة هي معالجات تتحدث عن استحقاقات وعن مشروعات تنمية وعن استيعاب لمقاتلين، ولذلك كلما تتم عملية توقيع اتفاقية يتم استقطاب لبعض الناشطين ويتم تأسيس حركة جديدة، فحركة (العدل والمساواة) أصبحت عدداً من الحركات وحركة “مني أركو مناوي” وحركة “عبد الواحد محمد نور” حتى الحركة الشعبية انقسمت إلى أصحاب المصالح الحقيقية، والحركة الشعبية جناح السلام وقطاع الشمال وما شابهه ذلك حتى الأحزاب السياسية انقسمت وانشطرت بسبب المصالح والأزمة مستمرة معنا، فالأحزاب التقليدية لم تطبق الديمقراطية والتجربة البرلمانية، فعندما تحرك “الأزهري” لإسقاط “عبد الله خليل” سلم “عبد الله خليل” السلطة للجيش، ولذلك ستظل الأزمة مستمرة لأن تركيبتها موجودة في المجتمع السوداني وفي سلوكه.
{ كيف تعالج؟
– بالتعليم والممارسة وبمزيد من الرؤية للأهداف الإستراتيجية، وإذا نظرنا إلى تجربة “تركيا” الآن وكيف وقفت المعارضة إلى جانب الحكومة في الانقلاب الذي فشل الأيام الماضية، فإذا حدث ذلك في السودان نجد الطرف الآخر يقف شامتاً.
{ كيف نجعل من أحزابنا وحركاتنا المسلحة تقف إلى جانب الوطن؟
– هذه مسؤولية جماعية، ولا بد أن يكون الإحساس بالوطن مقدماً على كل شيء، ولا بد من تغيير سلوك الناس، وأضرب هنا مثلاً بـ”رواندا” التي عاش شعبها حرباً دامية، فقدت ملايين الأرواح فيها بين (الهوتو) و(التوتسي)، بعد تلك الحرب الدامية انتقل الشعب مباشرة لإلغاء القبلية وتجازوها تماماً، وما في شخص بعد ذلك يقول أنا من القبيلة الفلانية، بل يتحدثون بأنهم ينتمون إلى “رواندا”.
فلماذا لا نأخذ من تجربة “رواندا” أنموذجاً لإنهاء القبلية، فالقبلية هي التي أقعدت بالسودان حتى هذه اللحظة من التطور، ولم تغلب الأهداف الإستراتيجية ومستقبل البلد بالأهداف التكتيكية القصيرة والمرتبطة بالمصالح الشخصية.