رأي

فوق رأي

علاقتي بـ “نصر بن حجاج”
هناء إبراهيم

في بداية تجوالي بـالمرحلة الثانوية قدم لي مدير المدرسة الأستاذ الرياضي “خضر أحمد مغازي” ديوان “جرير”، وطلب مني قراءته في أوقات الفراغ وللأمانة فهمت منه ما فهمت والباقي يفتح الله فتحاً شديداً.
بعد ديوان (عمو جرير) أصابتني لعنة ما، حيث صار حديثي كـمن عاش في عصر بني أمية ثم عاصر بني العباس وصارت (ونساتي) تتناقل بين الفصول وأضحى لي مقلدون متخصصون، أسكتهم جميعاً حين رجعت إلى أصلي وبقيت أتكلم بلغتنا العامية دي.
بعدها عاد أستاذ “خضر” وقدم لي كتاب (المستطرف في كل فن مستظرف) ذلك الكتاب الذي وجدت بين صفحاته فارس أحلامي، فـ صار الجمال عندي “نصر بن حجاج”، والذوق والأدب “نصر بن حجاج”، الشهامة والرجولة “نصر بن حجاج”، وكل الأشياء الجميلة هو.
فبت حين أجد زميلاتي يتحدثن بـ إعجاب عن نجم ما، (أجيب إعجابهن الأرض) بقولي: ليه هو “نصر بن حجاج” مثلاً؟!
ووسعت مني كتير لدرجة أنني قلت في وصف أحدهم (ياخ بدي الملامح لنصر بن حجاج).
حكاية “نصر بن حجاج” كما وردت في (المستطرف في كل فن مستظرف)، أنه وبينما سيدنا “عمر بن الخطاب” رضي الله عنه يطوف في طرقات المدينة سمع فتاة تقول:
(هل من سبيل إلى خمرٍ فأشربها
أم من سبيلٍ إلى نصر بن حجاج
إلى فتى ماجد الأعراق مقتبلٍ
سهل المحيا كريم غير ملجاج
تنميه أعراق صدقٍ حين تنسبه
أخي وفاءٍ عن المكروب فراج).
فقال سيدنا “عمر”: لا أرى معي بالمدينة رجلاً تهتف به العواتق في خدورهن. عليَّ بنصر بن حجاج.
حيث كان وبـ لغة (شارع الجامعة) طيارة وحرامي وقرض وكسار.
وفي الصباح أحضروا له “نصر بن حجاج” فإذا هو من أحسن الناس وجهاً وأحسنهم شعراً، فقال سيدنا “عمر”: عزيمة من أمير المؤمنين، لنأخذن من شعرك، فأخذ من شعره، فـ خرج من عنده وله وجنتان كأنهما شقتا قمر، فقال له: أعتم فاعتم، فافتتن الناس بعينيه، فقال له سيدنا “عمر”: والله لا تساكنني في بلدة أنا فيها، فقال يا أمير المؤمنين: ما ذنبي؟ قال: هو ما أقول لك، ثم سيره إلى البصرة (وليته سيره إلى بحري أو حتى الدويم، كنا لمينا في أحفاده).
والله جد..
 المهم أن الفتاة (اتجرست) وخشيت أن يبدر من سيدنا “عمر” إليها شيء، فـ دست إليه أبياتاً تقول :
( قل للإمام الذي تخشى بوادره
مالي وللخمر أو نصر بن حجاج
لا تجعل الظن حقاً أن تبينه
إن السبيل سبيل الخائف الراجي
إن الهوى زمّ بالتقوى فتحبسه
حتى يقرّ بإِلجامٍ وإِسراج).
فبكى سيدنا “عمر” رضي الله تعالى عنه وقال: الحمد لله الذي زم الهوى بالتقوى.
أما من ناحية “بن حجاج” فقد طال مكثه بالبصرة
وذات نهار عندما كان البريد خارجاً من البصرة إلى أمير المؤمنين، كتب له “نصر بن حجاج”:
(بسم الله الرحمن الرحيم
سلام عليك يا أمير المؤمنين
أما بعد، فاسمع مني هذه الأبيات :
أصبحت منفياً على غير ريبةٍ
وقد كان لي بالمكّتين مقام
لئن غنت الذلفاء يوما بمنيةٍ
وبعض أماني النساء غرام
فيمنعني مما تقول تكرّمي
واَباءُ صدقٍ سالفون كرام
ويمنعها مما تقول صلاتها
وحالٌ لها في قومها وصيام
فهاتان حالان فهل أنت راجعي
فقد جبّ مني كاهلٌ وسنام)
فأقطعه سيدنا “عمر” رضي الله عنه داراً بالبصرة في موقع متميز بسوقها، فلما مات سيدنا “عمر” عاد إلى المدينة.
هذه الذكريات كتبتها عام 2009 إبان فترة صحيفة (فنون)، وخلال هذا الشهر سئلت ثلاث مرات عن هذا الرجل في مقابلات رسمية مختلفة، لذا أعيد نشره مرفق بتقديري.
وعلى صعيد متصل:
هل من سبيل إلى كتب فأقرأها
أم من سبيل إلى همرٍ وتوسان
وإن كان عن نفسي أنا شخصياً: استغفر الله العظيم
و…………..
وصفو شرحو يطول.

 

 

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية