رأي

المشهد السياسي

الانضمام للجنائية خسارة لا مكسب..
موسى يعقوب
 
أعجبني ما كتب الأستاذ “الهندي عز الدين” في عموده (الأحد) الماضي عن المبادرة الفلسطينية غير المدروسة والمحسوبة تماماً التي ألقت بها حكومة السيد “أبو مازن” أمام القمة العربية بالعاصمة الموريتانية “نواكشوط”، وكذلك ما كتب السيد رئيس تحرير صحيفة (الرأي العام) الأستاذ “محمد عبد القادر”.
القرار الفلسطيني وأياً كانت مبرراته لدى حكومة الوحدة، فهو خسارة سياسية ودبلوماسية لها وليس بمكسب بأي حال من الأحوال.. فالجنائية الآن تتداعى وتتهالك وتفقد سمعتها العدلية جراء ما جرى حولها وما قامت به من انحياز للجهات الغربية التي وقفت خلفها وفي مقدمتها – كما هو معلوم – “الولايات المتحدة الأمريكية” التي لم توقع على ميثاق تأسيس المحكمة كما هو حال حليفتها الكبرى إسرائيل.
المحكمة الجنائية الدولية عصا أريد بها (تخويف) وإرهاب الرؤساء الأفارقة وغيرهم من رؤساء دول العالم الثالث، أما “الولايات المتحدة” و”إسرائيل” ولهما اختراقاتهما المعروفة للقانون الإنساني وحقوق الإنسان، فلم تمسهما أو تصل إليهما إجراءات واتهامات المحكمة الجنائية الدولية، كما حدث لآخرين دون إثبات ومنهم الرئيس السوداني “عمر حسن أحمد البشير” والرئيس الكيني.
فأين انتهاكات وخروقات الحكومات الإسرائيلية لحقوق الإنسان الفلسطيني في الأراضي المحتلة وغيرها، وأين انتهاكات وخروقات القطب الأمريكي وحلفاؤه لحقوق الإنسان العراقي ودولته وهي ثابتة ومعلومة وقد أصبحت أقرب الأقربين.
وكما حدث بالنسبة لاتفاقيات وتعهدات بشأن قيام دولتين فلسطينيتين متجاورتين، واعتداءات إسرائيل على الإنسان الفلسطيني في أرضه المحتلة والمعتدى عليها بين حين وآخر، فإن الجنائية الدولية التي تسعى حكومة السيد “أبو مازن” إلى الانضمام إليها بغرض نصرتها على إسرائيل لن تحقق لها هدفاً، ذلك أن الحكومة (سياسية) ومنحازة، ومن لم ينصره من خلفها في حقوقه السياسية فلن ينصره في حقوقه القانونية، تلك حقائق كان يجب على حكومة السيد “أبو مازن” أن تدركها بالتجربة والواقع، وإذا كان ذلك كذلك فإن الخسارة ليست على هذا الصعيد فحسب وإنما:
أولاً: هناك دولة عربية هي جمهورية السودان تأذت من الإدعاءات والاتهامات الكاذبة التي وجهتها الجنائية لرئيسها، ووصلت حملته ضدها الآن إلى الجامعة العربية والاتحاد الأفريقي وغيرهما.
ثانياً: الاتحاد الأفريقي بالكامل وقف الآن ضد الجنائية الدولية وممارستها.
هنا نسأل – والحال كذلك – لماذا تخرج الحكومة الفلسطينية عن هذا السياق العربي الأفريقي العام، وهي تعلم أن الدولة العبرية عصية عن الوصول إليها بهكذا مؤسسات، وإن كانت أخطاؤها بائنة ولا يتجاوزها نظر عاقل، والمطلوب في كل الأحوال تشديد الحملة الدبلوماسية والسياسية والإنسانية عليها عربية كانت أم أفريقية أو عالمية.
ذلك من جانب ومن جانب آخر، فإن الجامعة العربية وهمومها وغمومها في هذا الطور الجديد معروفة ولا تريد أن تدخل في شد وجذب..!
فالسودان الذي هو سلة غذاء العالم، كما يقولون – يطرح المزيد من مشروعات التكامل والتعاون في مجالات الأمن والتنمية والوحدة والاستقرار، وقد بدا ذلك بالفعل في خطابه الذي ألقاه أمام القمة العربية في “نواكشوط” العاصمة الموريتانية هذا الأسبوع.
إن السودان يستنصر بأشقائه في الجامعة العربية ضد الجنائية الدولية التي – كما قلنا – هي الآن آيلة للسقوط. وعندما يأتي طلب من دولة شقيقة أخرى هي (فلسطين) بالانضمام للجنائية – هكذا بالتزامن – يبدو أن الأمر مزعج ومتناقص إلى حد كبير.
والخسارة في الانضمام للجنائية الدولية بمواصفاتها المعروفة تبدو أكبر من (ربح) أو نيل من الدولة العبرية، إن ذلك لن يحقق أغراضه، وإلا فأين ما اعترف به أمريكياً وأوروبياً، بأن اتهام الدولة العراقية بحيازة سلاح نووي ليس له ما يثبته ورغم ما حدث من تدمير وهدر للأرواح والممتلكات في دولة كانت موحدة وعامرة بالإمكانيات والموارد!!
وكفى الله الشر، فالجنائية خسارة لا مكسب..!

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية