رأي

عابر سبيل

أسد شيبون.. الظهور الأخير!!
ابراهيم دقش
كان أحد ثلاثة (مؤثرين) في عهد مايو (1969- 1985)، خرجت عنهم الطرفة المعروفة على لسان مستثمر أجنبي سأل عن أوراقه فقيل له إنها في مكتب (أسد) بأمانة الحكومة، وكرر السؤال فقيل له إنها في مكتب محافظ بنك السودان (الفيل)، وفي المرة الثالثة قيل له إن أوراقه أمام مدير بنك النيلين (نمر).. فما كان منه إلا أن صرخ بأعلى صوته: بدي أعرف أنا في دولة أم في حديقة حيوانات؟ والثلاثة المذكورون هم سيد الفيل وإبراهيم نمر- عليهما الرحمة. وأسد إسماعيل شيبون، والأخير لحق بهما قبل أسابيع.
وأسد إداري، بدأ ضابطاً بالحكومة المحلية، عرف بالحزم والحسم من جانب، وبالوجه الإنساني في تعامله مع القضايا والناس.. ورغم دقة حجمه، فقد ترك في كل منصب تقلده بصمته الخاصة، المتمثلة في (الحقانية) و”الدوغرية”.. كمدير للإدارة في هيئة توفير المياه والتنمية الريفية كانت خيوط الإدارة في يده، وتبدأ من مكتب الاستقبال، ففي العام 1967 كان الزعيم ،وهو موظف استقبال بهي الطلعة نضر الثياب يربض في ذلك المكتب، وجاء شاب لا يعرف (أسد) ودلف عبر الاستقبال إلى داخل المبنى لمقابلته فهاج فيه الزعيم: هي زريبة من غير بواب؟ “وتنازل الشاب عن مقابلة (أسد) لسبب غريب ، إذ قال للرجل الضخم: (إذا أنت في البوابة كده، أسد في الداخل يكون كيف؟) فلما أبلغوا السيد “أسد” بالواقعة، قام “بتحجيم” الزعيم،  ووضع ضوابط جديدة لموظف الاستقبال.. وعندما تولى منصب نائب أمين عام الحكومة ، في الأمانة العامة لمجلس الوزراء ،في عهد مايو ،كان محل ثقة الرئيس جعفر نميري، فأولاه المهام الصعبة المتعلقة بمسار دولاب الدولة المدني.. وعندما تولى إدارة شركة (كوبتريد) التجارية جعل منها مثالاً للشركة العامة الناجحة والرابحة من خلال علاقاته ومعاملاته..
لقد عملت مع “أسد”، فبهرني فيه هدوءه الممزوج بالمرح مع الجدية في ساعة الجد، وتعلمت منه أن أي (قضية) مهما صغرت ، لها أكثر من جانب، ويستحيل أخذ قرار فيها دون استكمالها جميعاً، وتعلمت منه أن مناقشة أي موضوع يستحسن أن تكون رسمياً في المكتب، مع عدم الممانعة في الاستماع ، خارج المكتب دون أن يؤثر ذلك في القرار.. وكان أكثر ما يميزه كإداري استقراؤه للأمور ولجوؤه إلى الخيارات مع تبيان حجم السالب وكمية الموجب.. وعرفت عنه في مختلف مواقعه عدم ميله لخلط العام والخاص في العمل، فقد كنت من أصدقائه – وهم كثر- لكنه لم يجاملني في أمر رسمي ،بقدر ما كان يميل “للترجيحات” وتقديم النصح، واسترجاع السوابق المماثلة..
في مناسبة عامة مؤخراً بـ(قاعة الصداقة) حضرها بـ(البدلة) الكاملة، رغم أنه انزوى في أيامه الأخيرة، هاله عدد الذين حييتهم أو عرفتهم، فسألني في استغراب (الناس دي بتعرفها من وين؟)
رحمك الله أخي “أسد شيبون”، فقد كنت نسيج وحدك!

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية