أخبار

تعب "تعبان"

يقبع زميلنا الأستاذ الفريق “تعبان” في معتقلات استخبارات الجيش الشعبي السلطة العليا في دولة جنوب السودان منذ أسبوع بتهمة المطالبة باستقالة وتنحي رئيس دولة الجنوب “سلفاكير ميارديت” عبر مقالة في صحيفة جوبا مونتر محدودة التوزيع والانتشار في جنوب السودان الذي تمثل المطالبة فيه برحيل الرئيس وذهابه عن السلطة جريمة تعاقب عليها استخبارات الجيش الشعبي بالحبس في مكان غير معلوم، وفي مناخات حرب عرقية وأثنية بين قادة الدولة الرئيس في مواجهة النائب الأول ويسقط تحت أحذية حكام الجنوب الأبرياء الذين لم يحملوا بندقية ويقتلوا بها نفساً بشرية، ولم يحرضوا على القتل كما يفعل الجنرال “مولنق” جهراً في وسائل الإعلام.. والزميل الأستاذ الفريق “تعبان” كان بيننا في الخرطوم قبل الانفصال يتعرض للاعتقال والحبس من حين لآخر بتهمة تشجيع المتمردين في الجيش الشعبي والعمل على إسقاط النظام في الخرطوم بالتآمر مع أعدائه من المتمردين المتربصين به.. وظل “الفرد تعبان” ينفي عن نفسه صفة التمرد رغم أن الراحل د.”جون قرنق” كان معجباً بتغطيات “الفرد تعبان” لأحداث الجنوب والمفاوضات مع الشمال من خلال موقعه كمراسل لهيئة الإذاعة البريطانية القسم الإنجليزي، بينما في الضفة الأخرى نعني ضفة اللغة العربية، يقف “كمال حامد” الذي وثق لتجربته في كتاب صدر حديثاً غنياً بالتحليل العميق وأحداث عاصرها.. ولكن “الفرد تعبان” الذي ينحدر من قبيلة الباريا وهم سكان مدينة جوبا الأصليون.. كان مهنياً في تغطياته للأحداث، ولكن له رؤيته السياسية التي تساند استقلال جنوب السودان.. وأصدر في الخرطوم صحيفة الخرطوم مونتر باللغة الإنجليزية، وكانت مصدر معلومات مهمة للسفراء الأجانب والمنظمات والغربيين المقيمين بالخرطوم.. واجه ضيقاً وعنتاً من السلطة.. ولذلك حينما وقعت اتفاقية السلام ظن وبعض الظن سذاجة أن حرية الجنوب تعني رفع القيود عن الأقلام وإقامة دولة ديمقراطية على مقاسات تناسب أهلها.. انتقل مسرعاً لمدينة جوبا.. ووضع الخرطوم وراء ظهره.. وودع زملاء المهنة بعد أيام من الاستفتاء.. وكتب مقالته الأخيرة وداعاً للخرطوم على نسق ودرب ونهج “أرنست همنغواي” وداعاً للسلاح.. لم يبقَ في جوبا طويلاً حيث فرضت استخبارات الجيش الشعبي رقابة على المطبوعات ووسائل الإعلام قبلية وبعدية.
وجد “الفرد تعبان” نفسه قد استبدل الخرطوم بما هو أسوأ منها.. وأخذ الحنين يراوده لأيام وسنوات أركويت والكلاكلة.. تعرض للاعتقال.. ضرب وعذب وانتهكت حقوقه.. فخرج من جوبا إلى نيروبي بحثاً عن حرية لم يجدها في وطنه وظل يصدر صحيفة جوبا مونتر من هناك هروباً من الرقابة القبلية.. وبعد الأحداث الأخيرة حدثه ضميره المهني بأن يقول كلمة (منصفة) في حق الشعب الجنوبي المسكين.. وكتب مطالباً طرفي النزاع الرئيس “سلفاكير” بالاستقالة والتنحي من منصبه.. وكذلك النائب الأول د.”رياك مشار” وحملهما مسؤولية الموت الذي حصد آلاف الأرواح ولا يزال شبحه يخيم على مدن الجنوب.. وجدت كلمات “الفريد تعبان” صدى وسط الرأي العام الجنوبي.. ولكنه وجد نفسه في (قعر السجن) حبيساً بين الجدران.. متهماً بشن الحرب على الدولة وتهديد أمنها القومي.. والانتقاص من سيادتها لمصلحة أعداء الجنوب المتربصين به من شماليين وجلابة، وما “الفريد تعبان” إلا عميل للجلابة والشماليين ومخبر للمؤتمر الوطني الحاكم في الخرطوم.. وهو الذي رفض دخول مبنى المؤتمر الوطني حتى برفقة “جون قرنق” بغضاً فيه.
إن اتحاد الصحافيين السودانيين والمنظمات الأخرى ومجلس حقوق الإنسان والمقرر الخاص لحقوق الإنسان بجنوب السودان مطالبون بالدعوة لإطلاق سراح “الفريد تعبان” ونيل حريته وصون كرامته التي أهدرها غلاوة استخبارات الجيش الشعبي ومن أمامهم الرئيس “سلفاكير” نفسه.

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية