المشهد السياسي
للنجاح ثمنه وضريبته العالية
موسى يعقوب
هذه المقولة يؤيدها ويدعمها ما جرى في الجمهورية التركية في الأيام القليلة الماضية، وما تزال معطياته وشواهده مستمرة. فلم يكن لأحد أن يتصور أن جمهورية “أردوغان” وحزبه (العدالة والتنمية) الذي ورث السلطة في الجمهورية التركية شرعياً وعبر انتخابات وكانت له إنجازاته على كل الصعد والمستويات داخل تركيا وخارجها عبر ثلاثة عشر عاماً منذ عام 2003م، وإلى اليوم 2016م، سيجري بحقه ما جرى من عملية انقلابية فاشلة قلبت الموازين شيئاً ما، وربما (ربكت) السلطة وبرامجها.
اليوم هناك حديث وأخبار عن اعتقالات واسعة في مجال الشرطة والجيش وغيرهما ممن وجهت لهم تهمة القيام بالانقلاب وأعمال تخريبية وعدوانية لم تكن مسبوقة أو مشهودة من قبل في المحيط التركي والإقليمي، فالانقلاب أو التغيير يجريان في محيط محدود ومحصور في انتزاع السلطة وليس اغتيال الرئيس وقصف موقع سكنه بالطائرات.
وما جرى في جمهورية السودان من آليات وعمليات تعتبر خير دليل وبرهان.
– ففي ثورة الحادي والعشرين من أكتوبر 1964م، تم التغيير وانتقال السلطة بسلام ومسؤولية.
– وكذلك الحال في انتفاضة السادس من أبريل 1985م، التي أودت بنظام المشير “نميري”.
– وفي التغيير في (30) يونيو 1989م، الذي تم في عهد الديمقراطية الثالثة أو حكومة السيد “الصادق المهدي” وبسلام تام.
صحيح في محاولة الرائد “هاشم العطا” الانقلابية في 19 يوليو 1971م، كانت هناك بدايات غير مرضية أدت إلى نهايات غير مرضية أيضاً مؤسفة وفي حدود شأن ما حدث في أحداث الجزيرة أبا وتداعياتها.
الجمهورية التركية في عهد الرئيس “أردوغان” وحزب العدالة والتنمية كانت قد أجرت الكثير من المتغيرات السياسية والتنموية والاقتصادية في الداخل التي نالت رضا الشعب التركي، والمتغيرات في السياسة الخارجية التي لم ترضِ الحلفاء في الاتحاد الأوروبي الذين لاذوا بالصمت في هذه المحاولة الانقلابية الفاشلة، كما ذكر كُتاب الصحف والمقالات هناك.. ورغم دعاواهم بمساندة الديمقراطية والتنمية.
ففي الاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة والمنظمات الإقليمية مارس السيد “أردوغان” قدراً من الاستقلالية والاعتماد على الذات في القرارات، ويكفي أن نذكر هنا أنه رئيس (مجموعة العشرين) التي لها شهرتها في سياق العلاقات الدولية.
ولم يكن ذلك كله ممكناً لولا أنه أوجد نقلة اقتصادية وتنموية في تركيا شهد بها شعبه التركي في الداخل والعالم والجوار في الخارج أيضاً، إضافة إلى أن الرجل أعاد إلى الجمهورية التركية وبأسلوب جديد ومتوازن نهجها وسمتها الإسلامي الذي لم يعجب الشركاء في الغرب بشكل، ولاسيما بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001م، الغاشم على جمهورية العراق في 2003م، وما استجد من متغيرات في المنطقة ودول الجوار التركية وأشهرها الجمهورية السورية حالياً التي تأثرت تركيا بمعطياتها السالبة، ومنها عبور اللاجئين السوريين إلى تركيا والصراع المسلح بين الحكومة والمعارضة.. وهو صراع بدا في التدخل الخارجي واضحاً ومستمراً وله انعكاساته.
نظام “أردوغان” في تركيا بشكل عام يشكل أنموذجاً يقتدى به في المحيط الإسلامي، ولعل هذا ما جعل الرافضين للفكرة من حلفاء الأتراك بالأمس لا يمانعون من أن يروا نظامه يسقط وينهار وإن لم يعلنوا ذلك.
وهناك في جمهورية السودان نحسب أن أدعياء الديمقراطية من المعارضين قد سلكوا ذات النهج.. أي نهج الصمت وإدانة المحاولة الانقلابية الفاشلة، فلم يسمع لهم صوت في هذا المجال إطلاقاً..!!
إن للنجاح ثمنه وضريبته العالية.. كما نقول في المشهد السياسي اليوم – غير أن الشعب التركي صاحب المصلحة والقرار هو الذي أعاد الأمور إلى نصابها الذي نرجو أن يكتمل بما يشبه ويعين على مواصلة المشوار.