بعد.. ومسافة
“فلسطين” عربية مسلمة.. وأفريقية
مصطفى أبو العزائم
مرحباً بالرئيس الفلسطيني السيد “محمود عباس” في وطنه السودان، بين أهله وأشقائه، ولأهل السودان معزة خاصة لفلسطين وأرضها الطاهرة المقدسة، لأنها كانت وسوف تظل رمزاً للعقائد المقدسة، ومهبطاً للوحي ومقراً للمسجد الأقصى في القدس الشريف.. ولأنها ظلت دائماً هي ما يجمع بين أهل الإسلام في أنحاء الدنيا كلها، كما ظلت نموذجاً لقضية أجمع عليها العرب من المحيط إلى الخليج.
نرحب بـ”أبو مازن” وهي كنية محببة لقائد محبوب وسط أبناء شعبه، اتصف بالحكمة والحنكة، وظل شوكة في قلب دولة البغي والظلم والاحتلال التي قامت على غير أرضها، لكنها لم تستطع أن تطمس هوية شعب عريق وعظيم، ولا أن تغير ملامح الأرض المقدسة.
بالأمس اتصل عليّ ممثل للتلفزيون الفلسطيني وسألني عن توقعاتي لنتائج زيارة فخامة السيد الرئيس “محمود عباس” للسودان، ولقائه بالسيد رئيس الجمهورية المشير “عمر حسن أحمد البشير”، فقلت لمحدثي في الجانب الآخر من (الخط) على أرض فلسطين، إن زيارة “أبو مازن” إلى “الخرطوم” تأتي في وقت تشهد فيه الساحة العربية والإقليمية تطورات كبيرة وخطيرة، مثل حرب اليمن بين التحالف العربي الإسلامي الداعم للسلطة الشرعية، ضد الانقلابيين من حوثيين وأنصار للرئيس السابق “علي عبد الله صالح”، ومثل المعارك الدائرة في أرض الرافدين بالعراق، والمواجهات الطائفية الدامية التي لا يخفى على أحد من يقف وراءها.. إضافة إلى محاولات للتغيير القسري للسلطة في بعض دول المنطقة والإقليم، إما بالانقلاب مثل ما حدث في تركيا مؤخراً، أو بحروب العصابات مع رفع رايات التحرر والثورة مثلما هو حادث في السودان، أو بإشعال نيران الحرب عند منابع النيل وأعاليه مثلما يحدث الآن بين قوات رئيس دولة جنوب السودان ونائبه الأول، أو من خلال بذور الفتنة والتشكيك في النوايا مثلما حدث بسبب سد النهضة الأثيوبي بين دول حوض النيل.. والكل يعلم أن اليد الإسرائيلية تعبث في الخفاء لزعزعة أمن المنطقة واستقرارها، وأن القيادة الإسرائيلية أدركت منذ وقت بعيد أهمية القارة الأفريقية، خاصة بعد أن تعرضت للعزل بعد حروبها العربية وعدوانها المستمر على جيرانها وتهديد أمنهم بزعم حماية أمنها، وهي التي تأخذ القانون في يدها دون رادع أو كابح أو حسيب أو رقيب ممن يدعون حماية حقوق الإنسان، وهم يرون هذه الحقوق تنتهك كل يوم وساعة ولحظة في أرض فلسطين، ولا يحركون ساكناً.
إسرائيل تحركت لتستعيد موقعها القديم في القارة الأفريقية من خلال علاقات اقتصادية جديدة تبدو أقوى مما كانت عليه من خلال تدفق الاستثمارات والأموال التي تحتاجها دول أفريقيا التي تواجه تحديات صعبة وظروف بالغة التعقيد، لذلك قام رئيس وزراء إسرائيل بجولة أفريقية لم يخف مغزاها على أحد من المراقبين أو المتابعين للشأن السياسي العربي الأفريقي، جولة شملت أربع دول هي “يوغندا، وكينيا ورواندا، وأثيوبيا”، غير لقاءات مع سبعة من قادة ورؤساء الدول الأفريقية لتكون تلك الجولة مدخلاً لإسرائيل في أفريقيا من جديد، وقد نجح رئيس وزراء إسرائيل “نتنياهو” في أن يحصل على دعم أثيوبيا للحصول على وضع مراقب لدى الاتحاد الأفريقي، بعد يومين من إبداء كينيا لموقف مماثل.
الآن يتحرك العقل السياسي الفلسطيني ليسد المنافذ على محاولات إسرائيل للتسلل إلى عمق القارة الأفريقية من جديد، وتتحرك الدبلوماسية من خلال جولة يقوم بها “أبو مازن” يزور خلالها عدداً من الدول، ويشارك في بعض الفعاليات الأفريقية الكبيرة، وهو يستند إلى تاريخ نظيف، تاريخ نضالي لا تلوثه ملفات البطش أو تدنسه الأفعال المخزية مثلما هو حال دولة إسرائيل، ويستند إلى أشقائه العرب الأفارقة الذين يشكلون ثقلاً مؤثراً داخل الاتحاد الأفريقي، كما يستند إلى الأفارقة المسلمين وغير المسلمين الذين قرأوا التاريخ جيداً.. ونرى أن فلسطين من خلال هذه الزيارة ستضمن مقعداً في الاتحاد الأفريقي بين أشقائها حتى ولو كان ذلك بصفة مراقب.