"مشار" يتهم "سلفاكير" بعدم رغبته في تحقيق السلام ويدعو إلى ضبط النفس
نزيف الدم يتواصل بجوبا لليوم الخامس رغم النداءات الدولية لوقف القتال
الخرطوم – وليد النور
سيطرت أخبار القتال المتجدد في دولة الجنوب التي في طريقها إلى الانهيار على المشهد، وحسب رواية شاهد عيان فأن شجاراً في مقهى بجوبا بين مجموعة من الجنود أدى إلى مقتل فرد من حراس “مشار” ،تسبب في قتل (5) أشخاص (الخميس) الماضي، وتفاقم الأوضاع يوم (الجمعة) الماضية ، عقب وصول “رياك مشار” إلى القصر الرئاسي واجتماعه مع الرئيس “سلفاكير”، وأثناء الاجتماع سرت شائعة قوية باعتقال “مشار” في القصر ما دفع قوات حراسته إلى مهاجمة القصر ، واشتبكت مع حراسه.
وتجددت أمس (الاثنين)، بعد هدوء نسبي يومي السبت والاحد، الاشتباكات بين قوات “مشار” الذي دون في حسابه على “تويتر” أن قوات تابعة لرئيس دولة الجنوب “سلفاكير” هاجمت قواته، وتابع بأن “سلفا” لا يرغب في السلام، وتناقلت وسائل الإعلام المختلفة خبراً عن مغادرة “مشار” لجوبا. لكن حسب مصادر مطلعة، فإن “مشار” لم يغادر جوبا، فيما سيطر مشهد الآليات العسكرية الثقيلة في الطرقات والمواقع الإستراتيجية في المدينة التي فرت أعداد كبيرة من مواطنيها إلى أطرافها هرباً من المعارك وأصوات الرصاص. وفي الخرطوم اكتفت سفارة دولة جنوب السودان بالخرطوم ببيان تلقت (المجهر) نسخة منه نفت فيه خبر الناطق الرسمي باسم المعارضة الجنوبية “وليام أزيكيل” عن سير اتفاقية السلام، ووصفته بأنه غير دقيق، وأنه لم يصدر أي تصريح، وتحفظ السفير “ميان دوت” على الخوض في تفاصيل إضافية، وقال لـ(المجهر) إن البيان الذي أصدرته السفارة كافٍ (ولا أستطيع الزيادة عليه ولا بكلمة واحدة).
وقال دكتور “رياك مشار” نائب رئيس دولة جنوب السودان، أمس (الاثنين)، إن طائرات هيلكوبتر تابعة للرئيس “سلفا كير” هاجمت قواته ،مما يظهر أن الرئيس (لا يرغب في السلام)، لكن “مشار” دعا لضبط النفس. وقال إنه لم يفقد الأمل في المستقبل، وقال في حسابه الرسمي على (تويتر): (أدعو للهدوء وضبط النفس في هذه المناوشات. أنا بخير. يجب ألا يطبق أحد القانون بيديه لزعزعة استقرار هذا البلد). ورغم دعوة “مشار” إلى الهدوء وضبط النفس، تجددت الاشتباكات وإطلاق النار في جوبا بعد يوم واحد من دعوة مجلس الأمن الدولي الرئيس “سلفا كير” ونائب الرئيس “رياك مشار” لكبح جماح قواتهما ووقف العنف المستمر منذ أيام وأدى لمقتل العشرات. وقال شهود عيان إن طائرتي هليكوبتر تحلقان وتطلقان النار باتجاه المقار السياسية والعسكرية لـ”مشار”. وقال سكان إن دبابات تجوب الشوارع. وقال مسؤول من الأمم المتحدة إن معارك عنيفة نشبت حول مقار المنظمة مجدداً. فيما قالت مصادر عسكرية موالية للرئيس “سلفا كير” إن القصف طال المباني التي يشتبه في أنها استخدمت من قبل المقاتلين في المعارضة المسلحة.
ويقول المحلل السياسي والأستاذ بجامعة أم درمان الإسلامية دكتور “أسامة بابكر” في حديثه لـ(المجهر) إن الصراع في دولة الجنوب لن يتوقف قريباً في ظل القبلية المتفشية إلا بمغادرة أحد أسباب الأزمة، الرئيس ونائبه الأول، الذي وضح أن العمل والتعاون بينهما أصبح نوعاً من المستحيل، وتابع بأن الرئيس “سلفا كير” ونائبه الأول لم يكونا جادين في تنفيذ اتفاقية السلام التي وقعت في 25أغسطس من العام المنصرم، فضلاً عن عدم توفر الإرادة السياسية والعسكرية والأمنية التي تدير دولة الجنوب، مشيراً إلى أن تصريحات “سلفا كير”و”مشار” التي نفت علمهما بوقوع الأحداث تدل على عدم النضج السياسي. وأردف بأن الجنوبيين كانوا يعتقدون أن السودان يمارس عليهم نوعاً من الاستعلاء، لكن منذ استقلالهم فان ممارساتهم كذبت ادعاءهم السابق بأن القبلية تسيطر عليهم.
وحسب شهود عيان فإن اشتباكات أمس (الاثنين) تعدّ الأعنف منذ اشتعال المواجهات يوم (الخميس) الماضي. وقال مسؤول بالأمم المتحدة- طبقاً لـ(الشروق)- إن جندياً صينياً من قوة الأمم المتحدة لحفظ السلام قُتل. وقالت متحدثة باسم بعثة الأمم المتحدة في جنوب السودان (يونميس) إن جنديين آخرين من القوة أصيبا بجروح خطيرة، وتعرضت مجمعات الأمم المتحدة في جوبا لإطلاق نار من أسلحة صغيرة وثقيلة. وقالت سفيرة الولايات المتحدة بالأمم المتحدة “سامانثا باور”: (نشعر بقلق بالغ بشأن ما يبدو أنه انعدام القيادة والتحكم في القوات). وأطلع رئيس عمليات الأمم المتحدة لحفظ السلام “إيرفيه لادسو” أعضاء مجلس الأمن الدولي على تطورات الوضع في جنوب السودان.
من جهة أخرى، طلبت وزارة الخارجية الأمريكية مغادرة جميع الموظفين- غير الأساسيين- في سفارتها في جوبا بسبب أعمال العنف. ودعت الوزارة مواطنيها في جنوب السودان إلى اتخاذ إجراءات احترازية لتعزيز أمنهم الشخصي.وكذلك فعلت العديد من السفارات الاجنبية، والدول التى بدأت بإخلاء رعاياها، وسط تخوف واسع من تطور الاشتباكات الى حرب شاملة . وأكد المتحدث باسم الخارجية الامريكية ، “جون كيربي” في بيان له ليل (الأحد) الماضي، إدانة الولايات المتحدة لاندلاع القتال من جديد في جوبا، داعياً الجانبين وأنصارهما إلى ضرورة إلزام قواتهما بوقف القتال والعودة إلى ثكناتهم والحيلولة دون وقوع مزيد من أعمال العنف، وشدد على إصرار بلاده على ضرورة محاسبة المسؤولين عن مواصلة القتال وانتهاك القانون الدولي الإنساني بما في ذلك الهجمات التي استهدفت بعثة منظمة الأمم المتحدة في جنوب السودان والمدنيين. وقال “كيربي” إن الولايات المتحدة على اتصال بالاتحاد الأفريقي وقادة المنطقة على أعلى المستويات من أجل العمل للضغط على القادة في جنوب السودان لوقف القتال.
{ الخارجية: وضع السودانيين بجوبا مطمئن
وفي سياق متصل، أكدت وزارة الخارجية متابعتها لتطورات الأحداث بدولة جنوب السودان والقيام بإجراء اتصالات مكثفة بالسفارة في جوبا من أجل الاطمئنان على أحوال الجالية. وكشف وزير الدولة بوزارة الخارجية “عبيد الله محمد عبيد الله” عن تكوين لجنة لمتابعة ومراقبة أوضاع السودانيين بدولة الجنوب، مشيراً إلى وجود ترتيبات مع الشركاء الدوليين للتعاون معها لتقديم المساعدات وإجلاء الرعايا السودانيين إذا احتاج الأمر لذلك، مؤكداً استعدادهم لإجلاء السودانيين من جنوب السودان، مشيداً بجهود دولة الجنوب لحماية وحراسة السفارة السودانية بجوبا. وكشف “عبيد الله” عن وجود أعداد كبيرة من المواطنين السودانيين بسفارة السودان بجوبا، مؤكداً سلامة أفراد الجالية السودانية وعدم تعرضهم لأي أذى جراء التطورات بجنوب السودان.
{ الأمة القومي يتفاعل مع أحداث جوبا
وفي سياق ذي صلة، أصدر حزب الأمة القومي بياناً تلقت (المجهر) نسخة منه، أكد فيه تفاعله مع المشهد المتصاعد في دولة جنوب السودان بعد تجدد الاقتتال في جوبا، وقال إنه سيبذل قصارى جهده على المستوى الرسمي والشعبي في سبيل وقف القتال وصنع السلام انسجاماً مع خطه السياسي الداعي إلى التوأمة بين الشعبين، وحفاظاً على العلاقات والمصالح المشتركة للقبائل التي تعيش في الحدود بين الدولتين. وعبر الحزب عن أسفه للأحداث الجارية الآن في جوبا التي راح ضحيتها المئات من الأبرياء، مشيراً إلى أن الحسم العسكري واستبعاد الحلول السياسية أدى إلى تأزيم الوضع في الدولة الوليدة بأزمات متوالية، ربما تعرضها لمخاطر مصيرية لن يكون أفدحها وضعها في خانة الكيانات المتشظية المضطربة، بل وسلبها سيادتها واستقلالها.
وأعلن البيان أن حزب الأمة القومي يساند المساعي والخطوات الدبلوماسية التي من شأنها أن تفتح أفقاً لوقف الاقتتال وإقناع الأطراف بالالتزام بالتهدئة واتفاق السلام، وشدد على أن السبيل إلى الاستقرار في جنوب السودان يبدأ بتطبيق الأطراف لاتفاق السلام المبرم في أغسطس 2015، مع ضرورة أن يضع المجتمع الدولي المشتغل بالأزمة الجنوبية آليات ضابطة وفاعلة وصارمة لإلزام الجميع بما عليهم من التزامات، مع استيعاب المخاوف الموضوعية لدى الأطراف والإسراع لمساعدتهم لتجاوز المحنة ومنع الانهيار. ودعا البيان جميع الأطراف إلى ضبط النفس ووقف الاقتتال والمأساة التي تخيم على الجنوب ويدفع ثمنها المدنيون الأشد تعرضاً لبؤس النزوح والمجاعة والأوبئة وانهيار مظاهر الحياة كافة.
وحذر البيان من الحرب الأهلية التي تدفع جنوب السودان نحو مخاطر وجودية، ليس أهونها استفحال عوامل انهيار الدولة الذي بدأت ملامحه تتبلور على شكل مراكز متنازعة ومتنافرة في بؤر جهوية متعددة، وأشار إلى أن استمرار الحرب أدى إلى انقسامات اجتماعية بصيغ جهوية وقبلية فتتراكم في ظلها عوامل الانزلاق إلى حرب أهلية شاملة طويلة ومدمرة، وستتفاقم الأوضاع الإنسانية التي تتردى باطراد جراء الاستخفاف بالقانون الدولي والإنساني وارتكاب المزيد من القتل ضد المدنيين، مع التناقص الحاد في الغذاء والدواء ومقومات الحياة.
وحيال ذلك، وجه البيان نداءً إنسانياً إلى الأمم المتحدة ومجلس الأمن وسائر المنظمات الدولية والإقليمية للضغط على أطراف الاقتتال الداخلي بكل الوسائل المتاحة لحملها على احترام منظومة القوانين الدولية الإنسانية، وتجنيب المدنيين عواقب العمليات التدميرية الدموية، وتنظيم هدنة إنسانية مؤقتة، واحترام الحريات وحقوق الإنسان. وقال شهود عيان إن قوات الحكومة تتراجع عن منطقة (الجبل) وسط المدينة بعد فترة قصيرة من الهدوء، حيث استخدمت أسلحة ثقيلة، كما سمع إطلاق نار في نواحي “قودلي” و”توقنبق” بالقرب من مطار جوبا، وقُتل عدد من قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة في جوبا. وأكدت عدة مصادر في المنظمة الدولية مصرع اثنين من الجنود الروانديين بجانب أحد حفظة السلام الصينيين. كما ترددت أنباء عن إصابة اثنين آخرين.
{ الأمم المتحدة تدعو إلى وقف العنف
أثار تفجر القتال من جديد في جوبا مخاوف من عودة الصراع الشامل، إذ تشهد المدينة قتالاً بصورة يومية منذ اندلاع اشتباكات للمرة الأولى يوم (الخميس) الماضي بين الموالين لـ”كير” وأنصار “مشار” الذي قاد المتمردين خلال حرب أهلية استمرت عامين. ولم يصدر أي تصريح رسمي يحدد عدد القتلى لكن خمسة جنود على الأقل قتلوا يوم (الخميس)، وقال مصدر في وزارة الصحة إن (272) شخصاً من بينهم (33) مدنياً قتلوا يوم (الجمعة). وبعد فترة هدوء وجيزة يوم (السبت) بدا أن القتال الذي تجدد يوم (الأحد) أشد عنفاً. وقالت “شانتال بيرسو” المتحدثة باسم بعثة الأمم المتحدة- طبقاً لـ(رويترز): (نحث على وقف للاقتتال ونأمل أن ينفذوا- القادة السياسيين- كل البنود العملية من اتفاق السلام)، وأضافت إن إطلاقاً للنار وقع أمس (الاثنين) حول مقار للأمم المتحدة في منطقة جبل في جوبا وأيضاً حول قاعدة قرب المطار. وتعرضت قواعد الأمم المتحدة لإطلاق نار من أسلحة خفيفة وثقيلة يوم (الأحد)، وقتل صيني من أفراد قوات حفظ السلام. وعبرت بعثة الأمم المتحدة عن غضبها البالغ من تجدد العنف في أحدث دولة في العالم التي أحيت الذكرى الخامسة لاستقلالها عن السودان الأسبوع الماضي. ولا يزال الناس في جنوب السودان يرزحون تحت الفقر، وانخفض بشدة إنتاج النفط في البلاد وهو مصدر الدخل الرئيسي.