رأي

بعد.. ومسافة

“صوت النصابين” علينا جاي
مصطفى  أبو العزائم
“علينا جاي” جملة مفيدة في “سوق الله أكبر” تنطلق من فم صاحب سلعة إلى أذن صاحب حاجة، تنطلق بصوت رخيم يقوم على أسس الإغراء والجذب لميزات نوعية وتفضيلية لتلك السلعة الواحدة أو مجموع السلع المعروضة على أرفف متجر البائع أو على “بسطته” الموضوعة على الأرض، مع رسالة معلنة بأن السعر هو الأدنى على الإطلاق للبضاعة الأعلى جودة.. وتعتبر تلك العبارة “علينا جاي” هي أولى درجات التنافس في الأسواق التي يجني عائدها مرتادو الأسواق وعامة الناس.
هناك “علينا جاي” سرية، بل في غاية السرية، تجئ خافتة وتستهدف أذناً محدودة، ولا تكون متاحة مباحة لكل الناس، وتنطلق دائماً في ظروف خاصة استثنائية، ترتبط بمخالفة القانون، أو مخالفة الضمير، ومع ذلك نجد لتلك العبارة (السرية) جمهورها المعلن أو الخفي ونتائجها المتجاوبة بين المكسب والخسارة!!
نموذجان لـ”علينا جاي” حفلت بها صحف الأمس الأولى مرتبطة بدعوة بعض وكالات استخدام وسماسرة (غير معلنة) للأطباء بمختلف درجاتهم الوظيفية وتخصصاتهم، للحصول على عقود عمل بالخارج، خاصة بالمملكة العربية الشقيقة، مقابل مبالغ مالية طائلة، مقابل وظائف مجانية متاحة، يدفع الطبيب من أجلها مبالغ تتراوح ما بين (15-20) ألف جنيه، تحقق تلك الوكالات والمكاتب أرباحاً طائلة، بينما يضطر كثير من طالبي الهجرة من الأطباء إلى بيع بعض ممتلكاتهم للدفع للسماسرة ولتكملة إجراءات السفر واستخراج التذاكر وغير ذلك من متطلبات العمل في الخارج.
أخيراً انتبهت الحكومة ممثلة في مجلس التخصصات الطبية لذلك (النصب) العلني ووضعت ضوابط جديدة لهجرة الأطباء إلى الشقيقة السعودية، حفاظاً على حقوق الطبيب السوداني، وحماية من الابتزاز والاستغلال بما يحفظ كرامتهم كرامة المواطن السوداني.
المصيبة الكبرى، هي ذلك النزف المستمر الذي تعاني منه بلادنا في رصيدها من الأطباء، إذ أن الذين يعملون بالداخل لا تتجاوز نسبتهم (40%) من جملة عدد الأطباء السودانيين أصبحوا خارج منظومة العمل بالداخل فقد اجتذبتهم المهاجر وأكثرهم محق في توجهه ذاك أمام ضعف العائد المادي من عمل الطبيب في السودان مقابل عائدات ضخمة وظروف عمل أفضل، وفرص أوسع للتحصيل والتدريب العملي في مختلف المجالات.
وأما “علينا جاي” الثانية فتتمثل في قوة جذب المدن للصوص والنشالين والخارجين على القانون، وقد مثلت مدينة “حلفا الجديدة” ذلك النموذج في ولاية كسلا، وفي كل أنحاء السودان بعد أن رصدت مباحث الشرطة عشرات الأوجه والأيدي الغريبة في أسواق المدينة، ثم جمعت معلومات كافية حول تلك الوجوه الغريبة، وأخضعتها لرقابة لصيقة بعد أن لاحظت حركتهم المريبة، وثبت أن أصحاب تلك الوجوه الغريبة إنما جاءوا من إحدى المحليات المجاورة لمحلية “حلفا الجديدة” وأنهم من محترفي النشل الذين اشتهروا بالسرعة وخفة اليد، وأنهم قصدوا المدينة الهادئة ليباشروا سرقاتهم خلال العشر الأواخر من الشهر المبارك مع انشغال أهل المدينة بتجهيزات العيد.
كفى الله أهل “حلفا الجديدة” شر أولئك اللصوص والنشالين بعد أن تمكنت الشرطة من إلقاء القبض عليهم، ولكن ما يحير حقاً هو (الاتفاق الجماعي) لأولئك النشالين بالتوجه إلى “حلفا الجديدة:” لممارسة النشل والسرقة، وهو ما يجعلنا نطرح سؤالاً مشروعاً،هو: هل للنشالين واللصوص اتحاد جامع مانع يأتمرون بأمره ويتحركون بموجب توجيهات قيادته؟).. قطعاً لن نجد الإجابة إلا عند أولئك النشالين.. لكنهم قطعاً لن يتحدثون بكلمة حتى لا ينكشف عالم ما تحت الأرض.

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية