الديوان

دردشة رمضانية على مائدة تسيدها الراحل المقيم الأستاذ "سعد الدين إبراهيم"

تذوقنا خلالها عدداً من الموضوعات الشيقة والشهية
حوار ـــ أمل أبو القاسم
طيلة فترة الحوار كان وكلما وردت سيرة أحد المتوفين يترحم عليه بل يقول أحياناً فلان قال لي نعمل كذا وكذا، لكن القدر كان أسرع وأخذه الموت. وها هو وقبل أن يسدل العام آخر أستاره يلحق بهم على عجل وهو الذي لم يكن يوماً عجولاً. وبأنفاس متهدجة كانت بداية الحديث ما دفعني لسؤاله أنت يا أستاذ عندك أزمة؟ فردني بلا، لكنها فقط وعلى ما يبدو كانت من أثر الحركة التي لم يحتملها قلبه الشفيف العليل الذي كان كثيراً ما يخالفه ويصرعه في غير ما استسلام حتى استسلم راضياً لتحالف القلب والسكر وفارقنا في هدوء لتظل جزيل كلماته رنانة على الآذان تمشي أحياناً بيننا حروفاً.
فقبيل رمضان المنصرم بأيام قلائل سجلنا حلقة على إذاعة “المساء” مع الأستاذ القامة الكاتب والإعلامي المعروف الراحل المقيم “سعد الدين إبراهيم ” كانت على برنامج مائدة رمضانية تناولنا فيها معه كل ما يعني برمضان بدءاً من أولى أيامه في الصيام والمواقف التي واجهها وآرائه حول بعض المتغيرات فيه، ثم استأذناه في الدخول للمنزل وتطفلنا على بعض الأمور، أيضاً عرجنا معه على الكتابة الصحفية والشعرية والدراما وغير ذلك كثير. كل ذلك وغيره من دردشة بطعم الحلو المر عبر السطور التالية التي فضلنا نقلها بالدارجة كما هي حتى لا نفسد أريحيتها.
ــ بدأيات الصيام متين؟ وكانت كيف؟
ــ والله ما بتذكر ــ لكن عادة بتكون في شلاقة الشفع لما كنا بنحاول نجرب الصيام وأهلنا لحدي هسي يقولوا الشفع يصوموا لحدي  الساعة 12 وبكرة بعد بكرة تزيدوها.
ــ يعني البرنامج ده كان شغال من زمان؟
ـــ أيوه لكن في بدايات الوعي الواحد يكون أهله وأصدقاؤه صايمين وفي الزمن داك من العيب تفطر، المجتمع ما بقبل الحاجة دي خاصة إذا كنت راشد وقوي البنية، هسي طبعا في انفراج.
ــ حصل غشيت في الصيام أو راوغت؟
ــ راوغت كتيراً
ــ كنت بتعمل شنو؟
ـــ غايتو جغمة الوضو دي أساسية، ومرات تتزلق في الحمام تأخد ليك جغمتين تلاتة سهواً
ــ بس موية؟ يعني ما بتمشي على التلاجة؟
ــ لا، لأنه عيب تسرق حاجة غير الموية.
ــ كمان زمان نهارات رمضان كانت صعبة شوية والعطش كتير؟
ــ عموما أنا ممكن استحمل الجوع ولو يومين ما أكلت ما عندي مشكلة لكن ما بستحمل العطش.
ــ افتكر بعد ما كبرت ووعيت انتظمت في الصيام بجدية؟
ــ والله بعد داك إلا ربنا يدينا  ليها ساي تكون نسيان جد جد أو كدا.
ــ أستاذ “سعد الدين إبراهيم” زول شعبي وتنقل في أحياء شعبية أو بالأحرى هو أم درماني ومعروف عن مجتمعاتها إنها منفتحة يمكن من زمان وحتى الآن فأكيد رمضان عنده نكهة خاصة، حدثنا عن هذه النشأة الأم درمانية؟
ــــ كانت نشأتي الأولى في أم درمان حي السوق أو حي الإستبالية والشهداء كمان، بعدها انتقلت إلى الثورة وكنت صغير في السن زي تسع سنوات، وأسرتنا كانت ممتدة جذور أمي تحديداً من أم درمان، أما أبوي وافد من حلفا، والعائلة الممتدة مكونة من أخوالي وكدا فكان لرمضان طعم جميل جداً جداً، ومعروف في العوائل الممتدة تبادل القصة دي الليلة عند فلان وبكرة عند فلان لكن بيت جدي كان كل جمعة لازم تجتمع فيه العائلة.
أذكر أن بيت جدي كان مجاوراً لنادي الهلال الرياضي القديم فكان حافزاً لأن  نمشي يومياً النادي نشاهد كرة الباسكت، والطائرة، والبلياردو. ومن هنا كان ارتباطي بالهلال.
ــ طبعاً أم درمان غنية بالأماكن الترويحية وبها عدد من السينمات خاصة سينما “برمبل” الشهيرة فضلاً عن معالم أخرى بارزة، وأخرى ثقافية. وطبعا أنتم كشباب كنتم تقصدوها؟
ــ لا،لأننا في تلك الفترة كنا صغاراً، لكن عند مرحلة الشباب كنا في الثورة والوقت داك النشاط كله كان في مقاهي أم درمان ولأننا صغار كنا ممنوعين نمشي المقاهي عشان كدا ما استمتعنا بيها في الفترة ديك إلا بعد مشيت الثورة بقيت أعرف الشعراء والفنانين.
ـــ إذن حدثنا عن مرحلة الشباب التي قضيتها في الثورة خاصة وأن حواليك مجتمعاً منفتحاً.
ـــ شوفي أقول ليك نحن طبعاً كنا في الثورة وكونه نمشي أم درمان دي بعيدة، عشان كدا عملنا منتدانا الخاص. بيتنا في الخامسة كان فيه مسطبة مشهورة لهسي إعلامياً وبعرفوه  كثيرين، لذلك كان عندها رواد أساسيين، أنا طبعاً ابن المنطقة ومعانا “محجوب شريف” عليه رحمة الله و” التيجاني سعيد” ودكتور ” من الله الطاهر” وفنان اسمه ” ميرغني سكر” و” تاج السر عباس” ديل كانوا ثابتين وفي ناس مشوا ويجوا زي ” عمر الدوش” و” محمد يوسف موسى” “هاشم صديق ” كمال الجزولي” ” عبد القادر الكتيابي” ” محمود محمد مدني” فكل هؤلاء  رواد للمنتدى، وأذكر أن محجوب شريف عليه رحمة الله قبيل وفاته بفترة قال لي نفسي ألم الناس دي تاني في المسطبة لكن شاءت إرادة الله أن يتوفى قبل أن يحقق أمنيته.
ــ يعني المسطبة كانت عبارة عن منبر ثقافي؟
ــ إيوة لأنه نحن كنا محتاجين نمشي أم درمان لكن الحاجة دي عوضتنا واستمرينا فيها سنوات طويلة.
ــ كنتو بتديروا فيه شنو المنتدى؟ أقصد موضوعاته؟
ـــ في البداية بتكون ونسة لكن بعد داك بتتفرخ، ناس يقروا شعر وناس يغنوا وناس، يراجعوا كتاب وهكذا.
ـــ حتى ليالي رمضان كانت على المسطبة؟
ـــ أيوه. وطبعا رمضان في الفترة ديك كان عيب تأكل في البيت فكان الناس كلها بتطلع الشارع خاصة منطقتنا، ولحدي ما رحلت خليتهم بفطروا بره بس ما عارف هسي خلوه ولا مواصلين.
ــ غياب صينية رمضان من الشارع برأيك مش غيّر في ملمح رمضان لانها كانت بمثابة نكهة ؟
ـــ طبعاً..طبعاً وفي أسباب كتيرة منها اقتصادية، وغير كدا أصبح من النادر تلقى زول يجي ياكل معاك، وطبعاً المقصود المارين بالشارع لكن عادة ما بجي زول، وبتذكر في الحلفايا دي كنا بنفطر بره والناس بطلعوا، رحلت في بيت تاني في نفس المنطقة لكن قدام شوية. أول يوم طلعت بره مافي زول جانا، تاني دخلنا وخلينا الباب فاتح لقينا زول حايم قبضنا فيه وقلنا ليه تعال قال: والله يا جماعة أنا ذاتي ما صايم قلنا ليه برضو أقعد معانا، استمرينا على فتح الباب ولما لقينا مافي فايدة قفلناه واتلمينا على ناس البيت عشان ما تبقى مائدتين وبقينا ناكل مع المدام والأولاد.
ـــ جميل..لكني لا اتفق معاك في الجانب الاقتصادي وده بيقودنا إلى أن صينية رمضان اختلفت عن زمان ما يشي بأن الوضع الاقتصادي لم يؤثر فيها، ونترك ليك الفرصة تعددها لينا أنت. زمان كان فيها شنو وهسي شنو؟
ــ الوضع الاقتصادي ليس في مكونات الصينية، لكن في أن هناك صينيتين واحدة تطلع وواحدة جوه، تانيا الهدف من الطلوع للشارع عشان مشاركة الناس ومافي زول يشاركك إلا تكون عازم ناس، لكن زمان مثلاً بتقيف لأسياد اللبن والناس المسافرين السايق العربية ومافي زول زي هسي يقول اتفضلوا أو يلح هو من نفسه يجي نازل لأنه عارف أنت محتاج لزول ياكل معاك.

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية