تقارير

بلغ عددها أكثر من أربعة آلاف في الخرطوم : المساجد.. جدل الدين والسياسة!

صار من المألوف جداً في الآونة الأخيرة مشاهدة وحدات من قوات الشرطة والقوات الأمنية الأخرى، وهي تقبع في حالة استعداد قصوى  بالقرب من عدد من المساجد الشهيرة والكبيرة في ولاية الخرطوم وعدد من عواصم الولايات الأخرى عند صلوات الجمعة، خاصة بعد أن اتخذت الحكومة قراراتها الاقتصادية التقشفية، وما تلا ذلك من موجة الاحتجاجات الشعبية التي انتظمت عدداً من مدن البلاد. والسبب في وجود القوات الأمنية في محيط هذه المساجد هو اتخاذ خطوات تحوطية من قبل الحكومة لأي محاولة لاستغلال هذه المساجد والخروج الى الاحتجاجات من داخلها. ولكن هذا لم يمنع أن يكون مسجدا السيد عبد الرحمن بمنطقة (ودنوباي) التابع لهيئة شئون الأنصار، ومسجد السيد علي (بحلة خوجلي) والتي تتبع لطائفة الختمية، مكاناً لخروج احتجاجات متواصلة عقب كل صلاة جمعة، ووقوع اشتباكات بين المصلين وقوات الشرطة. كما أن الكثير من سكان مدينة كوستي سيتذكرون جيداً واقعة منع قوات الشرطة لهم من أداء الباقيات الصالحات عقب صلاة الجمعة، الشهر الماضي، عندما أغلقت هذه القوات أبواب المسجد بعد الصلاة مباشرة دون مزيد من التفسيرات! ويفتح هذا الأمر، جدلاً قديماً – متجدداً حول الدور الذي  يجب أن يلعبه المسجد في حياة المسلمين. هل هو دور ديني وتربوي فقط أم يكون له دور سياسي وإصلاحي وله كلمة في ما يدور في البلاد؟
ومن المعروف خلال السيرة النبوية أن النبي صلي الله عليه وسلم كان يتخذ مسجد المدينة كمكان للعبادة وإدارة شئون المسلمين، حيث كان يعقد الاجتماعات داخل المسجد النبوي ويتخذ القرارات المصيرية من داخله وتعبأ الجيوش فيه. وترى هيئة علماء السودان أن المساجد مكان للعبادة. ويفسر أمينها العام البروفسير محمد أحمد صالح العبادة بقوله: (أعني بالعبادة الصلاة وغيرها من الشعائر الدينية مثل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ومناقشة كل مايصلح المسلمين). وأوجز صالح، الذي كان يتحدث (للمجهر) عبر الهاتف يوم أمس، دور ووظيفة المسجد في حياة المسلمين بقوله: (المساجد كل شيء).  أما  الدكتور يوسف الكودة فيقول إن (المساجد لها دور كبير في حياة المسلمين .. فهي تجمعهم للصلاة خلال خمس مرات في اليوم .. ويمكن أن يلتقوا ويتفاكروا ويتشاوروا في همومهم اليومية ومنافعهم الكلية). وأضاف الكودة الذي يترأس حزب الوسط الإسلامي قائلاً: (يجب أن تُستغل المساجد للتنوير والتبصير بما يجري في البلاد من خلال خطبة الجمعة التي يؤمها عدد كبير من الناس.. وأنا دائماً أميل إلي الحديث عن مشكلات الحياة اليومية من خلال خطبي.. وأعتقد أنه من الأفضل أن تكون المساجد أماكن للتنوير والحديث عن كافة الأمور بما فيها السياسية لأن السياسة لا تنفصل عن حياة الناس وبالتالي الدين).
وخلال موجة الاحتجاجات الأخيرة اتهم نائب رئيس الجمهورية، أمين القطاع السياسي بحزب المؤتمر الوطني – الحاكم، قوي المعارضة بأنهت تستخدم المساجد للانطلاق منها إلى الشارع،  بل إنه ذهب الى أكثر من ذلك خلال مخاطبته للمصلين بأحد مساجد منطقة الدروشاب، عندما قال إن المعارضة حولت المساجد إلى أماكن للعنف وأنها تخزن فيها قنابل الملوتوف وغيرها من أدوات العنف. كما أن كثيراً من المعارضين يتهمون الحكومة باستغلال المساجد كمنابر دينية تهاجم منها المعارضة وخاصة العلمانية منها، وتجند أئمة المساجد للهجوم عليها ولبرنامجها عن طريق دفع مرتبات الأئمة والمؤذنين، ومن ثم تسيطر عليهم وتأمرهم بمهاجمة المعارضة والدفاع عن الحكومة التي تحكم بالشريعة الإسلامية. وفي هذا الصدد يعود صالح ويقول إنه من الأفضل للأئمة المساجد أن لا يتناولوا القضايا الخلافية وأن يركزوا على القضايا المجمع عليها من قبل علماء المسملين. وعندما سألته عن رأي هيئة علماء السودان حول استخدام المساجد كمنابر للاحتجاج على غلاء المعيشة وسوء الأوضاع فقال: (إذا كان يتم تعبئة الناس والتبصير بقضاياهم بطريقة سلمية فهذا أمر جائز ومرحب به ..شريطة أن يتم ذلك دون عنف أو قذف أو شتم لأحد سواء كان من الحاكمين أو المعارضين)، أما الكودة فيرى أن الاحتجاجات الحالية والتي تخرج من المساجد (ليست من نوع الخروج على الحاكم لأن ليس بها أعمال تخريب).
 وليس هنالك إحصائية دقيقة لعدد المساجد في ولاية الخرطوم لكن أحد قيادات المجلس الأعلى للدعوة بولاية الخرطوم قال إن عددها يتجاوز أربعة آلاف مسجد. وبذا تكون الخرطوم قد تجاوزت القاهرة المعروفة بكثرة سكانها ومساجدها والتي تُكنى بعاصمة الألف مئذنة. وهنالك مساجد شهيرة في الخرطوم ولعل أشهرها مسجد (جامعة الخرطوم) والذي فقد بريقه بعد أن كان له صيت واسع خاصة وأن كثيراً من الإسلاميون يقولون إن جزءاً كبيراً من انقلاب ثورة الإنقاذ الوطني قد خُطط ونُفذ من داخله، وكان القيادي الإسلامي وأحد أتباع حسن الترابي حالياً، علي الحاج، يفتخر بأنه كان أول من أذن فيه. ويجد مسجد (النور) بحي كافوري الفخيم شهرة واسعة بسبب الأموال الضخمة التي صُرفت علي بنائه، هذا فضلاً عن أن به مركزاً تجارياً في الطابق الأرضي، بالإضافة إلى أن رئيس الجمهورية يصلي فيه ومن خلال منبره ألغى اتفاقية أديس أبابا التي وقعتها الحكومة السودانية مع الحركة الشعبية لتحرير السودان – قطاع الشمال. كما أن هنالك مساجد اكتسبت شهرة بسبب عراقتها أو وقوع أحداث فيها أو وجود خطيب مثير للجدل  مثل مسجد الثورة الحارة الأولى (مسجد الشيخ أبوزيد) الذي شهد حادثة مقتل عدد كبير من المصلين عندما هاجمتهم جماعة التكفير والهجرة بقيادة عبد الرحمن الخليفي. وهنالك مساجد (السيدة السنهوري) ومسجد (الشهيد) بالمقرن ومسجد (النيلين) والتي أصبحت أماكن  للتفاخر ويسعى كثير من أصحاب السلطة والأغنياء إلى عقد قران أبنائهم فيها. وانتشرت مؤخراً ظاهرة المجمعات الإسلامية المتكاملة،  والتي تتكون من مسجد فاخر ومكيف بالهواء بشكل كلي ومفروش بسجاد ناعم وبه مقر لإحدى المنظمات الدعوية ومكاتب وأماكن للاجتماعات. ومن أهم هذه المجمعات مجمع (خاتم المرسلين) بمنطقة جبرة بالخرطوم الذي يديره الداعية الشهير عبد الحي يوسف، ومجمع (ذي النورين) بمنطقة الفتيحاب بأمدرمان، والمجمع الإسلامي بمنطقة الجريف شرق، والتي يديرها الشيخ محمد عبد الكريم. 

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية