مسألة مستعجلة
برمجة المواطنين!
نجل الدين ادم
لم أجد توصيفاً قريباً لحالة قطوعات الكهرباء التي تحاصر المواطنين وحرمانهم من الخدمة لساعات طويلة إلا كلمة (برمجة المواطنين) على نسق برمجة الكهرباء، بالفعل تبرمج المواطنون تلقائياً، فباتت الأسر الكبيرة في حالة زيارات متبادلة بشكل يومي إلى بعضهم البعض هرباً من حرارة الطقس بخاصة عند منتصف النهار، حيث تزور البنت منزل والدها نهاراً بصحبة أبنائها بمجرد أن تنقطع خدمة الكهرباء لتعود إلى منزلها في المساء، وفي اليوم التالي تغادر الأم إلى ابنتها هذه بصحبة بناتها أيضاً، لقضاء ساعات طويلة هناك وهن يتنعمن بالكهرباء.
قبل يومين قرأت اأن مواطناً شرع في مقاضاة شركة توزيع الكهرباء بسبب الخسائر التي وقعت عليه!، للأمانة توقفت عند طلب هذا المواطن، لا أعرف هل بالفعل تنبهت وزارة الكهرباء إلى الخسائر الاقتصادية الفادحة التي تتعرض لها الأسر جراء الانقطاع المبرمج للكهرباء، حيث لم تعد الثلاجة أداة اقتصادية حافظة للمأكولات والمشروبات، بال باتت مستودعاً لما سيتلف من خضروات ولحوم، حيث إن النساء اللاتي يطبخن ليومين أو ثلاثة لم يعد بإمكانهن فعل ذلك لأنه ببساطة أن الطبيخ الذي أعددنه سيتلف، أما اللبن فإنه سينفد بمجرد انقطاع الكهرباء وقس على ذلك.
هذه الإجراءات التعسفية التي يتعرض لها المواطن جراء هذه القطوعات إن جاز لنا تسميتها؛ ينبغي لها أن تجد التعويض، حتى قيمة المواصلات اليومية التي تدفعها النساء للتنقل من منزل إلى آخر، ومن الغرائب أن المناسبات والحفلات هي الأخرى يتم برمجتها مع القطوعات، كل شيء مبرمج، حتى خطوط المواصلات حيث بات أصحاب الحافلات والمركبات أكثر معرفة بالقطوعات، باختصار لأن ذلك ينعكس عليهم بصورة إيجابية عندما تنقطع الخدمة، حيث تضطر معظم الأسر إلى المغادرة إلى مكان آخر إلا من رحم ربي.
ذهبت يوم (السبت) الماضي صوب صالون حلاقة أعتدت الذهاب إليه لكنني اصطدمت بمشكلة انقطاع الكهرباء ووجدت مجموعة من الحلاقين يتحلقون حول بائعة شاي بعد أن تعطلت ساعات كسب عيشهم، فطلبت من زبوني أن يشرع في حلاقة شعري، لكنه أخبرني بانقطاع الكهرباء، ولكنني فاجأته وقلت له (ليس مهماً أحضر الموس والمشط وخفف الشعر واعمل القطعية والمرة الجاية لما أجيك كمل شغل)، بالفعل فعلها وطلعت حلاقة ذي العجب وغادرت على أمل أن أعود له لتكملة بعض اللمسات الفنية!
السودانيون تفننوا خلال هذه الأزمة الكهربائية في إطلاق التعليقات الساخرة، ولسان حال أحدهم يقول للذين يغادرون منازلهم باكراً إلى أماكن عملهم حيث لا يتأثرون بانقطاع الكهرباء عند الصباح، (إعادة لمن فاتتهم القطوعات)، أي أنه لا محال في أن يجد هؤلاء فرصتهم في الاكتواء بسخونة الجو عند العودة مساءً بعد أن أمضوا وقتاً خالي من القطوعات بأماكن عملهم في المناطق الإستراتيجية.
على أي حال رغم أن الضرر كبير ولكننا نأمل أن تنقشع سحابة القطوعات وتحل علينا خدمة كاملة مع بداية شهر (رمضان).
نأمل أن نحتفل بانتهاء فترة برمجتنا مع القطوعات في الخامس من (يونيو) المقبل، ولكنني أخشى من أن يصادف هذا الاحتفال استمرار برمجة القطوعات.. والله المستعان.