اسم و(منهجية) الحزب الشيوعي السوداني احتمالات التغيير والبقاء
“الشفيع” يتحدث.. ويعيد القضية إلى الأضواء
الخرطوم – محمد إبراهيم الحاج
بحديث القيادي بالحزب الشيوعي د.”الشفيع خضر” في قناة (اسكاي نيوز) عشية أمس الأول بدا واضحاً للمتابعين لحال الحزب الشيوعي السوداني، أن الصراع الذي كان مكتوماً ولا يتم التصريح به خلال الفترة السابقة بين قيادات التجديد داخل الحزب والزعامات التي يطلق عليها القيادات الستالينية المفرغة قد بدأ يأخذ منحى آخر، يبدو فيه عنصر المواجهة الفكرية والسياسية محتملاً بقوة خلال الفترة القادمة والذي قد تحول بحسب “الشفيع” نفسه إلى صراع إداري، حينما قالها صراحة:(أنا بفتكر دي محاولة لابتذال الصراع الفكري والسياسي وتحويله إلى صراع إداري)، في إشارة منه إلى اتهامه وآخرين بعقد اجتماع خارج الأطر التنظيمية ونفيه كل ذلك جملة واحدة. وبدا أن القيادي الشيوعي متمسك بمراسه الصعب حينما جدد تأكيده على ضرورة تجديد كثير من مفاصل الحزب، وعلى رأسها اسم الحزب الذي كما بدا أن د.”الشفيع” لم يستسلم لأمر حسمه خلال المؤتمر الخامس بالإبقاء على ما كان عليه، مؤكداً أن الراحل “محمد إبراهيم نقد” كان يرى تغيير اسم الحزب.
وغض النظر عن الاتهامات التي برأت د.”الشفيع” ومن معه بالاجتماع خارج الأطر التنظيمية تظهر إلى العلن الآن قضية مهمة ومحورية للغاية تتعلق بالإبقاء على اسم الحزب الشيوعي السوداني أو تبديله بآخر يحمل سماته، ويبدو أن الجدل الكبير القادم سيكون منصباً على تغيير اسم الحزب. ورغم أن هذا المقترح لم يكن جديداً فقد سبق ذلك عدة دعوات من عدد ممن يطلق عليهم التجديديون داخل الحزب، ومنهم د.”الشفيع” نفسه الذي سبق أن قال في حوار صحفي معه: (أفتكر أن المرحلة والظروف، وانهيار التجربة الاشتراكية ومدى الصدى لسنوات طويلة والرغبة في توسيع الحزب كانت تتطلب تغيير اسم الحزب، وأفتكر تصوير ما حدث من انهيار المعسكر الاشتراكي بأنه لا يهمنا فيه درجة من اللا مبالاة، وعندما كنا نبشر نضرب المثل بالمجتمع الاشتراكي، لكنه انهار لذلك لابد من العمل إلى ما يكون قريباً من فهم المواطن وإعطائه أشياء منطقية، من ضمنها اسم الحزب. ولم أكن أرى أن التنازل عن اسم الحزب هزيمة، هزيمة أمام منو؟ ولا هو إخلال بالمنطلقات الفكرية وغيرها، إلا إذا كان هناك ناس بفتكروا أن الحزب وبرنامجه بني على خمسة أحكام وأن من يهدم ركناً هدم الحزب، “هذا كلام فارغ” وهذه تجربة إنسانية بشرية تتطور مع مجرى الحياة، لذلك كانت وجهة نظري تغيير اسم الحزب واقترحت أن يكون اسم الحزب، الحزب الاشتراكي السوداني).
تغييرات إقليمية
بعد سقوط جدار “برلين” وتفكك الاتحاد السوفيتي بدأت كثير من الأحزاب الشيوعية في الدول العربية في تغيير اسم الحزب لظروف تختلف من دولة لأخرى، فيما أبقت كثير من الأحزاب على الاسم القديم، فتحول الحزب الشيوعي التونسي إلى (حركة التجديد) وتحول الحزب السوري إلى (حزب الشعب الديمقراطي)، فيما تدور رحى حركة التغيير في كثير من البلدان العربية الأخرى لمحاولة تغيير اسم الحزب فيها، مثل العراق ولبنان وغيرها من الدول التي لديها حريات تسمح بقيام الأحزاب الشيوعية فيها. وفي السودان يبدو الأمر مختلفاً تماماً فالحزب الشيوعي السوداني ببداياته القوية وتأثيره اللافت في السياسة السودانية والإقليمية، يقف على منصة مختلفة ومتفردة وفي منطقة أكبر قليلاً من بقية الأحزاب الشيوعية الأخرى بالمنطقة، فقياداته العمالية مثل “الشفيع أحمد الشيخ” و”قاسم أمين” وقطاع المرأة مثل “فاطمة أحمد إبراهيم”، كانت لهم بصمة واضحة في حركات التحرر العالمية وفي الكيانات الجماهيرية اليسارية العالمية. ومن هنا يبدو أن الحزب الشيوعي السوداني تجاوز تأثيره المحلي ليكون عالمياً، وهذا الأمر يجعل أي تغيير في بنية أو اسم الحزب ينطوي على قدر كبير من المجازفة الفكرية التي قد تجد معارضة واسعة من القيادات التاريخية للحزب.
إشارات ..ودلالات
إشارة د.”الشفيع” بتغيير اسم الحزب الشيوعي لم تكن معزولة عن ما أسماه بالصراع السياسي الفكري الذي تحول إلى صراع إداري، وهي إشارة ليست خفية عن أنه من الممكن أن تكون الاتهامات التي صوبت تجاهه للحد من تأثيره ونفوذه تجاه تغيير اسم الحزب إلى الاشتراكي، خاصة وأن “الشفيع” لديه تأثير كبير خاصة على قطاعات الطلاب والشباب داخل الحزب، وهو الأمر الذي من الممكن أن يقود معه حركة تجديدية جديدة، فالصراع الذي كان مكتوماً بين تلك المكونات وكان يدار على مستوى النقاشات الفكرية، بدا أنه الآن قد تطور ليأخذ الشكل الفكري والسياسي وتحول إلى صراع إداري وتنظيمي، فمجموعة “براغ” التي تتبنى الخط السياسي الجامد داخل الحزب، هي التي تتحكم في كثير من مفاصل القرارات داخل الحزب، وربما كانت هي التي سوف تدفع بالمرشح المرتقب “فتحي الضو” ليحل سكرتيراً للحزب، وتقدمه كمرشح للجنة المركزية في المؤتمر القادم ومن ثم اختياره سكرتيراً للحزب الشيوعي خلفاً لـ”محمد مختار الخطيب”، ومن ثم يصعب تغيير اسم الحزب الشيوعي أو الاستعانة بمناهج فكرية أخرى يستمد منها الحزب الشيوعي موجهاته. ويرى مراقبون أن مجموعة “براغ” عملت منذ وقت باكر على تهيئة الأجواء لعودة “فتحي الضو” لتقلد المنصب باختلاق مشكلة د.”الشفيع خضر” و”حاتم قطان” وبقية القيادات التي تناصبها العداء الفكري داخل الحزب، ومن ثم تصبح هذه القيادات التي تدعو إلى التجديد داخل الحزب، معزولة تماماً عنه. ولعل ذلك يفسر ما انتهت إليه اللجنة المركزية بتغليب مجموعتها الستالينية وصاحبة الأغلبية أن توقف تبرئة المجموعة المتهمة. ويعتقد مراقبون أن هذا الأمر لم يكن جديداً، فقد سبق أن استطاعت ذات القيادة التاريخية من خلال سيطرتها على مفاصل الحزب، أن تأتي بالقيادات التي تؤيدها في الولايات لحضور المؤتمر الخامس للحزب عام 2009، وتهزم دعاة الإصلاح والتغيير، حيث رفض المؤتمر تغيير اسم الحزب واعتبر الماركسية هي المرجعية الوحيدة للحزب، وهذا كان متوقعاً من خلال المركزية الحزبية التي تعتبر أكبر معوق لقضية ديمقراطية الحزب،
*هل ينشق الشيوعي؟
السؤال الذي يأتي في ترتيب الأولويات هو هل سوف يتعرض الحزب الشيوعي إلى حركة انشقاق داخله، ويستتبع بالضرورة معه كل ما ذكر سابقاً؟
يقول محلل سياسي فضل حجب اسمه إن واقع الأحزاب السياسية السودانية لا يستبعد هذا الافتراض، لجملة أسباب يتعلق بعضها بالتركيبة الديمقراطية داخل منظومة تلك الأحزاب، أو لأسباب أخرى لها علاقة بتباين الرؤى والأفكار والأطروحات. ولكن مصدراً مقرباً نفى ذلك بقوله إن الحزب يضم بداخله عدداً من التيارات الفكرية المتناحرة، فيهم الستالينيون والتروتسكيون ومع شيوعية غرب أوروبا، وفيه ناصريون وطنيون وأمميون والعروبيون والأفريقانيون، مبيناً أن بروز هذه التيارات داخل الحزب ليس سبباً لانشقاق كل على حدة. بيد أن المحلل السياسي د.”صلاح الدومة” يعتقد أن كل الأحزاب السياسية يمكن أن تكون في حالة انشطار لأنها دائمة الاختلاف في الرؤى والمنهج الذي تسير فيه القيادة، مؤكداً في الوقت ذاته أن الانشقاقات لا تمنع الوصول إلى الهدف. ويواصل “الدومة” بقوله: إن إصرار قيادة الحزب الشيوعي على معاقبة من برأتهم لجنة التحقيق، يعد انشقاقاً واضحاً. وأردف: لا يوجد مبرر واضح لكي ترفض اللجنة المركزية قرار لجنة التحقيق، وكان الأجدى لها أن تستبدلها بأخرى أو تتحفظ على بعض ما أوردته، ولكن لا يمكن بأية حال من الأحوال أن ترفض قراراتها.
المؤتمر السادس القادم للحزب الشيوعي كفيل بأن يجيب عن كثير من الأسئلة التي تتعلق بالبنية الفكرية والسياسية للحزب، فالنزوع نحو التجديد ومواكبة التطور الفكري والانفتاح على المناهج الأخرى، بما فيها الشريعة الإسلامية يبقى خياراً متقدماً، لارتباطه بحركة التاريح الطبيعية التي تتجه صوب التغيير في كل أشكال الحياة. بيد أن الماسكين الآن بزمام الحزب الذين قضوا كل حياتهم في سبيل الدفاع عن فكرة الحزب، يقفون في جانب أن كثيراً من الأمور تم حسمها في المؤتمر الخامس، ولم يبقَ سوى أن ننتظر لنرى.