الدعوة لدمج الوساطتين الأفريقية والقطرية.. بين رفض الحكومة ومناورة الحركات
مرونة وتخلٍ عن حالة التوجس من “وثيقة الدوحة”
الخرطوم- عقيل أحمد ناعم
بدا جلياً توصل حركتي العدل والمساواة بقيادة د. “جبريل إبراهيم” وتحرير السودان بزعامة “مني أركو مناوي” لاستحالة تجاوز الدور القطري في أية مفاوضات مع الحكومة السودانية هادفة إلى وضع حل للأزمة الدارفورية الممتدة منذ 2003م، وهو ما ظهر في ما يشبه التراجع عن موقفهما الرافض بتشدد للتفاوض على أساس وثيقة الدوحة لسلام دارفور، والمتبدي في دعوتهما للدمج بين الوساطة القطرية والوساطة الأفريقية في منبر واحد يناقش مختلف الأزمات السودانية، وبالمقابل- كما هو متوقع- رفضت الحكومة الدعوة لدمج الوساطتين وعدّتها محاولة للالتفاف على خارطة الطريق التي دفعت بها الوساطة الأفريقية في ملتقى أديس أبابا التشاوري “مارس الماضي” ووقعت عليها الحكومة والوسيط الأفريقي ورفضتها قوى (نداء السودان) المشاركة في الملتقى التشاوري. ومن الراجح أن حركات دارفور كانت تعلم سلفاً أن الحكومة سترفض هذا المقترح، فهل أطلقت هذه الدعوة لمجرد المناورة تمهيداً للرضوخ والقبول بالتفاوض على أساس “وثيقة الدوحة”، خاصة وأن نهاية الشهر الحالي ستشهد اجتماعاً بين الوساطة القطرية وحركتي دارفور للدفع باتجاه معالجة أزمة دارفور عبر حل تفاوضي؟؟
{ ارتباك حكومي
شيء من الارتباك شاب الموقف الحكومي من دعوة حركتي دارفور لدمج الوساطتين الأفريقية والقطرية، رغم موقف الحكومة المعلن والمتكرر بقفل الباب أمام أية دعوة لتجاوز منبر و”وثيقة الدوحة”، إلا أن تدخل وزير الإعلام الناطق الرسمي باسم الحكومة د. “أحمد بلال عثمان” على خط التصريحات في هذا الملف وما نسب إليه من إعلان ترحيب الحكومة بدعوة الحركات لدمج الوساطة القطرية مع الأفريقية- وهو ما حاول نفيه لاحقاً- أربك ردة الفعل الحكومية وموقفها الثابت من مثل هذه الدعوات، الأمر الذي اضطر رئيس مكتب سلام دارفور والممسك الرئيسي بملف القضية الدارفورية د. “أمين حسن عمر” للإسراع بنفي ما نطق به (الناطق الرسمي) للحكومة وتأكيد رفض دمج الوساطتين، واصفاً دعوة حركتي دارفور لإنشاء منبر عالي المستوى بقيادة الوسيط الأفريقي بعد إلحاق الوساطة القطرية بهذا المنبر بأنها (التفاف على خارطة الطريق التي رفضت الحركات وحزب الأمة التوقيع عليها، ومحاولة للتوصل إلى تفويض جديد خارج نطاق تفويض الوساطة المشتركة والقطرية التي تتأسس على إكمال العملية السلمية على أساس وثيقة الدوحة)، وأعلن أن هذا الأمر مرفوض تماماً. وحاول “أمين” تجاوز الحرج والتشويش الذي أحدثه تصريح وزير الإعلام بتبرير حديث الوزير باعتباره ترحيباً بالتنسيق بين “منبر الدوحة” والوساطة المشتركة، مشيراً إلى أن خارطة الطريق دعت إلى هذا التنسيق.
{ حرج حركات دارفور
حركات دارفور جزء من تحالف معارض يضم أحزاباً سياسية والحركة الشعبية قطاع الشمال، وتدخل هذه الحركات الدارفورية في ما يشبه الالتزام بعدم الاقتراب من (موبقة) “وثيقة الدوحة”، والعمل على تجاوزها في أية عملية تفاوضية مقبلة، لكن التمسك بهذا الالتزام يجعلها في حرج بالغ بعد تمسك كل القوى الإقليمية والدولية المتدخلة والمهتمة بالتفاوض حول دارفور، بمنبر الدوحة ووثيقتها كأساس لأي مسار تفاوضي، فأضحت حركات دارفور باستثناء حركة “عبد الواحد محمد نور”، مضطرة لإمساك العصا من منتصفها فلا هي معلنة للقبول بالتفاوض على أساس الدوحة، ولا هي رافضة للمنبر القطري، الأمر الذي يفتح الباب أمام مواقف جديدة قد لا ترضي حلفاء الحركات الدارفورية، باعتبار أن المقدمات المتمثلة في المرونة الكبيرة التي أبدتها حركات دارفور تجاه الدور القطري بعد اجتماعها مع مسؤولين قطريين في باريس مؤخراً تمضي باتجاه التخلي عن مواقف الحركات وتصلبها تجاه رفض “وثيقة الدوحة”.
{ مناورات تمهيداً لتنازلات أكبر
الجبهة الثورية، التحالف المسلح، الذي يضم حركات دارفور إلى الحركة الشعبية قطاع الشمال وأصابه التصدع مؤخراً، ظل موقفه ثابتاً من رفض “وثيقة الدوحة” وتجاوزها إلى منبر واحد يناقش قضايا السودان كافة في أديس أبابا، ولكن مجرد قبول حركتي دارفور بالوساطة القطرية والاجتماعات المتكررة معها وصولاً إلى الدعوة لدمجها مع الوساطة الأفريقية يعدّه مراقبون انقلاباً في موقف حركتي دارفور ومرونة لم تكن تتوفر لديهما قد تفتح الباب لخروج هاتين الحركتين من الجبهة الثورية تماماً، ووصف المحلل السياسي وأستاذ العلوم السياسية المهتم بالشأن الدارفوري دكتور “آدم محمد أحمد” دعوة حركتي “جبريل” و”مناوي” لدمج الوساطتين بأنه محاولة لاتخاذ طريق وسط بين قبول الوساطة القطرية وبين دمجها مع الوساطة الأفريقية، وعدّ هذا الموقف تراجعاً عن كل التزاماتهما مع الجبهة الثورية. وأكد “آدم” أن الحركات سترضخ في نهاية المطاف للقبول بخيار التفاوض على أساس “وثيقة الدوحة”، وقال: (أصلاً هم قد تراجعوا وتنازلوا عن موقفهم الرافض تماماً للدوحة وحديثهم عن دمج الوساطتين مجرد مناورة)، ولفت إلى أن حركة العدل والمساواة تحديداً كانت الشريك الأساسي في إنشاء “منبر الدوحة” منذ حياة قائدها الراجل د. “خليل إبراهيم”.
{ اجتماع الدوحة المفصلي
الاجتماع الذي ستحتضنه الدوحة نهاية الشهر الحالي بين الوساطة القطرية وحركتي العدل والمساواة وتحرير السودان سيكون حاسماً في موقف الحركتين من “وثيقة الدوحة” والتفاوض على أساسها، في ظل اعتراف دولي وإقليمي متمثل في الاتحاد الأفريقي بالوثيقة كأساس لعملية التفاوض الدارفورية، مصحوباً بحالة التشظي التي تعيشها الجبهة الثورية بعد خلافات حركات دارفور مع الحركة الشعبية حول رئاسة الجبهة، دون إغفال زهد المجتمع الدولي في دعم العمل المسلح للإطاحة بحكومة الخرطوم.