"موسيفيني" ينتقد المحكمة والجماهير الأوغندية تهتف لـ"البشير"
قلق أوروبي إزاء مستقبل مجهول ينتظر الجنائية الدولية
الخرطوم – وليد النور
في خطوة مفاجئة وجه الرئيس اليوغندي انتقاداتٍ حادة إلى المحكمة الجنائية الدولية ووصفها بأنها عبارة عن (حفنة من الناس لا طائل منهم ولم يعد يعتمد عليهم). ويرى مراقبون أن الصفعة التي وجهتها يوغندا للمحكمة الجنائية الدولية، تعتبر الأقوى، باستقبال الرئيس “البشير”، ورفض المطالبات التي صدرت من عديد الجهات، بالقبض عليه وتسليمه للمحكمة الجنائية الدولية. وكانت جنوب أفريقيا، العضو في معاهدة روما، المؤسسة للجنائية الدولية، قد دعت “البشير” لحضور قمة الاتحاد الأفريقي، قد أكدت التزامها بقرار الاتحاد الأفريقي بعدم التعامل مع المحكمة الجنائية، بدلاً من الالتزام بنصوص معاهدة روما، وهو ما نتج عنه خلاف وصراع حاد بين الحكومة، التي يترأسها “جاكوب زوما” والمعارضة، التي كسبت حكماً قضائياً، يدين الحكومة لعدم التزامها بقرار الجنائية الدولية، ورفضها اعتقال “البشير”.
لقد بدا واضحاً أن الدول الأفريقية قد بدأت فعلياً في تجاوز قرارات المحكمة الجنائية الدولية، والالتفاف حول موقف السودان، ودعم ومساندته قيادته، ممثلة في الرئيس “البشير”، وبعد أن وضح للكافة بأن الجنائية الدولية، محكمة مسيسة تخدم الغرب وأهدافه، وأنها تستهدف البلدان الأفريقية وقادتها وزعماءها، فهو مؤشر قوي لانهيار وشيك للمحكمة الجنائية، بعد رفض العديد من دول العالم التعاون معها. ويرى مراقبون، أن مواقف الدول الأوربية التي تضررت مصالحها بسبب السياسة الأمريكية، وخصوصاً، تجاه السودان، مرشحة للتغيير. فمواقفها الراهنة، لا تعكس مصالحها الحقيقية، بقدر ما تعبر عن مجاملة أو مجاراة لموقف الولايات المتحدة الأمريكية، التي لم توقع على اتفاقية “روما” المؤسسة للمحكمة، ولكنها تعمل على دعمها، لاستخدامها لإخضاع البلدان الأخرى، خاصة في أفريقيا. وكان دبلوماسيون غربيون غادروا مراسم تنصيب الرئيس الأوغندي “يوري موسفيني” في “كمبالا” (الخميس)، احتجاجاً على ما اعتبروه (إهانة) “موسفيني” للمحكمة الجنائية الدولية بحضور الرئيس السوداني “عمر البشير” لمراسم التنصيب.
ويقول أستاذ العلوم السياسية والمحلل السياسي البروفيسور “صلاح الدومة” في حديثه لـ(المجهر)، إن موقف القادة الأفارقة من الجنائية ينطلق من أنهم ينظرون إلى أن الأوربيين مجردون من الأخلاق، فيما يتعلق بالمحكمة الجنائية الدولية، لأن إصرارهم على محاكمة مرتكبي الجرائم، دون الاهتمام باللاجئين وتقديم المساعدات لهم، لا لدولهم، وينطبق عليهم قول الشاعر:
لا تنهِ عن خلق وتأتي بمثله
عار عليك إذا فعلت عظيم
وفي السياق ذاته يضيف “الدومة” أن الاتحاد الأوربي شعر بأن ميثاق المحكمة الجنائية يحتاج إلى تعديل في المنهج والوسائل وآلية التنفيذ، لأن في الدول الأوربية لا يوجد رؤساء قتلوا شعوبهم، كما يحدث في الدول العربية والأفريقية.
ومن جهته يقول أستاذ العلوم السياسية بجامعة أم درمان الإسلامية دكتور “أسامة بابكر”، في حديثه لـ(المجهر)، إنه على الرغم من أن المحكمة الجنائية تلقت صفعات قوية ومتتالية من القادة الأفارقة، الذين شعروا بأن المحكمة هي أداة من أدوات الاستعمار الجديد، لإدخال الرؤساء الأفارقة الخارجين عن الطوق الغربي إلى بيت الطاعة، ولكن إن لم تكن نهايتها قريبة، فإنه ربما يتم تبديلها. ويضيف “أسامة” أنه رغم محاولة الغرب تغليف دور للمحكمة بإجراء محاكمات في “صربيا”، لإلباسها ثوب أهمية العدالة الدولية، ولكن الآن، حتى بعض الدول الآسيوية، بدأت التفكير في الخروج منها. وتابع أن الغرب، ربما ألبسها ثوباً آخر. وفي السياق ذاته يقول دكتور “أسامة”، إن موقف الرئيس اليوغندي غير ثابت لأنه شخصية مزاجية ومتقلب الآراء، ويمكن أن يغير رأيه في كل لحظة. وأردف أن الأوربيين يتحاشون الحديث عن المحكمة الجنائية حتى تنتهي، وربما هم الآن على وشك الشروع في خطوات تنظيم لترتيب وجه جديد للمحكمة الجنائية الدولية.
وحضر الرئيس “البشير” مراسم تنصيب “موسفيني” لولاية رئاسية خامسة في تحدٍ لأمري اعتقال أصدرتهما المحكمة الجنائية الدولية في “لاهاي” في عامي 2009 و2010 لاتهامه بتدبير إبادة جماعية وأعمال وحشية أخرى، في إطار حملته لسحق التمرد في دارفور.
وقالت وزارة الخارجية الأميركية إن ممثلين عن الولايات المتحدة وكندا ودول أوروبية، غادروا مراسم تنصيب الرئيس الأوغندي “يوري موسفيني” في “كمبالا” يوم (الخميس)، احتجاجاً على تصريحات (سالبة) أدلى بها “موسفيني” عن المحكمة الجنائية الدولية.
وذكرت صحيفة “القارديان” البريطانية أن ممثلين من أوروبا وكندا وأميركا (غير الموقعة علی ميثاق المحكمة الجنائية الدولية)، خرجوا من احتفال تنصيب الرئيس الأوغندي، بعد انتقاداته للمحكمة الجنائية، وبعد هتاف الجماهير الأوغندية ترحيباً برئيس السودان. وقالت إن الاتحاد الأفريقي والدول الأفريقية اتخذت موقفاً موحداً ضد الدول الغربية في ما يتعلق بالمحكمة وبقضايا أفريقيا الأخری، مما أثار القلق من أي نوايا وحدوية، خصوصاً بعد دعوة السودان وأوغندا لوحدة تكاملية بين دول شرق أفريقيا. وقالت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الأميركية “إليزابيث ترودو”، إن السفير الأميركي في أوغندا، “ديبورا مالاك”، انسحب مع عدد من الدبلوماسيين الأوروبيين والكنديين، من مراسم تنصيب “موسفيني” بعد أن قدم (ملاحظات سلبية) حول المحكمة الجنائية الدولية في خطابه الافتتاحي. وأوضحت أن السفير الأميركي قرر حضور حفل تنصيب “موسفيني” على الرغم من حضور “البشير” احتراماً للعلاقات الثنائية بين الولايات المتحدة وأوغندا، ولكن قرار الانسحاب من المراسم اتخذ بعد تصريحات “موسفيني”. وأكدت “ترودو” أن تصريحات “موسفيني” (إهانة) إلى كل من المحكمة وضحايا جرائم الحرب والإبادة الجماعية. وفي خطابه، وصف “موسفيني” المحكمة بأنها (حفنة من الناس لا طائل منهم ولم يعد يعتمد عليهم). وفي مارس 2010، وافق البرلمان الأوغندي على مشروع قانون المحكمة الجنائية الدولية، وتم دمجه بالكامل في القانون الأوغندي.
وكان الرئيس الدوري للاتحاد الأفريقي رئيس وزراء إثيوبيا “هيلا مريام ديسيلين” اتهم في مايو من العام 2013م، بعد انتهاء أعمال قمة الاتحاد، التي طالبت بتحويل ملف الملاحقة القضائية ضد رئيس كينيا ونائبه من المحكمة الجنائية إلى القضاء الكيني، أن المحكمة عند إنشائها (كان الهدف منها تفادي أي نوع من الإفلات من العقاب، لكن الأمر تحول إلى نوع من المطاردة العنصرية).
وتابع أن (القادة الأفارقة لا يفهمون الملاحقات بحق هؤلاء الرؤساء (رئيس الوزراء والرئيس الكيني)، وأعتقد بالتالي أن المحكمة الجنائية عليها أن تدرك أنه يجب عليها عدم مطاردة الأفارقة).
وقد تبنت قمة الاتحاد الأفريقي التي انعقدت يوم (الاثنين) الثامن والعشرين من مايو في العام 2013م (بالإجماع)، قراراً يطالب بإقفال ملف الدعوى الكينية أمام المحكمة الجنائية، وإحالته إلى القضاء الكيني، بعد اقتراح من كينيا التي رأى الاتحاد أنها (الآن أصلحت قضاءها وينبغي أن تترك الأمور لمحاكمها).
وفي المقابل، نفت المحكمة الجنائية الدولية تهم العنصرية الموجهة إليها، واعتبرت أن قرار الاتحاد الأفريقي ليس ملزماً بالنسبة لها، مما يعني أنها قد لا تستجيب لطلب تحويل ملف كينيا.
وقال متحدث باسم المحكمة لوكالة الأنباء الفرنسية (لا تعليق على قرارات الاتحاد الأفريقي)، وأوضح أن (43) دولة أفريقية، وقعت على اتفاقية “روما” المؤسسة للمحكمة الجنائية، وأن (34) دولة صادقت عليها، (مما يجعل من أفريقيا المنطقة الأكثر تمثيلاً في تشكيل المحكمة). ومنذ إنشائها وجهت المحكمة الجنائية تهماً لثلاثين شخصاً – جميعهم أفارقة- بجرائم وقعت في ثماني دول أفريقية، هي الكونغو الديمقراطية وجمهورية أفريقيا الوسطى وأوغندا والسودان (دارفور) وكينيا وليبيا وساحل العاج ومالي. (وأنتم لا ترون أنفسكم ملزمون بالامتثال لنفس القاعدة).