عز الكلام
والقلب الكبير يا “سعد الدين” فيه براءة الأطفال!!
أم وضاح
والساعة تلامس عقاربها السابعة صباحاً وما زالت عيناي تحملان بقايا نعاس، جاءني صوت صغيرتي “وهج” من بعيد وقد تعودت أن تحمل هاتفي ما أن تستيقظ قائلة: (يا أمي عمو “سعد الدين” مرسل ليك رسالة)، وقبل أن أسألها عن ما فيها بدأت تقرأ تفاصيلها كالآتي: (توفي إلى رحمة مولاه الأستاذ “سعد الدين إبراهيم” والدفن الساعة الثامنة صباحاً)، وقبل أن تكمل قلت لها بكامل الثبات (يا بت أقري كويس كيف رسالة من “سعد الدين” وتوفي “سعد الدين”!!)، لكن بقراءتها لها للمرة الثانية قفزت من مكاني لأتأكد أن ما قالته صحيحاً، أو يبدو أن من أرسل خبر الوفاة استعان بهاتف أستاذ “سعد الدين” نفسه لأن به أرقام أصدقائه وزملائه، ولم أفق من صدمتي إلا وأنا في حلفاية الملوك (أقالد) رفيقة دربه “سعاد”، وبكاؤها المر يقطع القلب ويفتت الحجر الأصم، أما حال بناته فلا حول ولا قوة إلا بالله، ليمر بذاكرتي شريط طويل لأول لقاء جمعني بالراحل العزيز “سعد الدين” وكنا وقتها في صحيفة (آخر لحظة)، كان يهاتفني مشيداً ومعلقاً على زاوية تعجبه، وافترقنا بعد أن تركت (آخر لحظة) لنلتقي ذات مساء في حفل على المسرح القومي قدم فيه الفنان “طه سليمان” واحدة من قصائد الراحل الكبرى (أنا عندي حلم)، ويومها تجاورنا جلوساً على الكراسي فهمس لي قائلاً: (يا “أم وضاح” والله إنت مكانك صحيفة المجهر)، لتتحقق رغبته بعد أشهر وأزامله تلميذة في مدرسة ما يكتب بذات الصحيفة.. لكن فجيعتي الكبرى أنني آخر مرة التقيته فيها قبل أيام وأنا أسجل برنامج (أمنا حواء) ودعوته والسيدة زوجته ليكونا ضيفيّ في الحلقة في حديث عن الحب والحياة والشعر، وكعادته دائماً ملأ المكان حبوراً وجمالاً وسخرية تشبه (الخدر اللذيذ)، أكثر ما لفتني فيه احترامه اللا متناهٍ للمرأة وحبه اللا محدود لبناته لدرجة أقرب إلى العشق.. و”سعد الدين” رجل قلبه أبيض لا يحمل حقداً لأحد، مجامل إلى حد أنني كنت أشفق عليه عندما أجده في مناسبة بعيدة وفي وقت متأخر، وأنا أعلم أنه لا يتحجج ببعد مسافة أو صعوبة مواصلات!!
“سعد الدين إبراهيم” لا تمل الاستماع له والحديث معه، قلت له ذات لقاء: (يا أستاذ أنت عبقري لأنك وصفت من تحب بالعزيزة وهي أكثر ملامسة للدواخل من الحبيبة لأنها مفردة مستهلكة فأدخلت لقاموس الغناء مفردة محترمة لا تخجل من ترديدها على الملأ!!).. “سعد الدين إبراهيم” وصف نفسه واستعار صفاته في قصيدته (أبوي)، والرجل فعلاً الطيب الإنسان حنين كلك سماحة وفال، وفيك مهابة الأبطال، والقلب الكبير يا يابا فيهو براءة الأطفال ومهما أقول عليك من قول يا “سعد” ما بيوفي ليك غناي.
وهكذا رحل الأستاذ “سعد الدين” بذات الهدوء الذي انتهجه في حياته!! رحل بعد أن توقف قلبه الكبير ولا زال صدى كلماته (أنا عندي حلم) يتردد لحناً أخضر مليئاً بالمحبة والتسامح والوطنية من غير تعصب ولا تطرف ولا ادعاء بطولات!! رحل حمامة سلام تمشي بين الناس ألفة ومحبة وخيراً.. رحل “سعد الدين” وآخر عهده بقرائه أن زاويته تصافح أعينهم تضج بالحياة وهو تحت الثرى مقبور.. ألا رحم الله “سعد الدين إبراهيم” وصبّرنا على رحيله وآجرنا في مصيبتنا.. ولا حول ولا قوة إلا بالله.
{ كلمة عزيزة
ما انفعلت بقضية أو حدث إلا ووجدت قلمي يطاوعني على الكتابة، وتقفز الحروف وتتسابق لتصبح جملاً مفيدة، إلا اليوم، أشعر أن حزني أكبر من الكتابة وألمي جفف الحبر وكسر الدواية! أشعر أن ما كتبته أقل، أقل بكثير مما يفترض أن أعبر به والدموع وحدها هي القادرة على ذلك.
{ كلمة أعز
في إجازة قصيرة أغادر وأسرتي إلى خارج البلاد، وسأبذل قصارى جهدي ألا تحتجب هذه الزاوية، وأدعو لكم بالصحة والعافية وللبلد بالخير والجمال والأمن.. وإلى لقاء قريب وتواصل ممتد إن شاء الله.
==