بعد.. ومسافة
حول قضية “قتيلة الشهداء”
مصطفى أبو العزايم
تلقيت رسالة عبر بريدي الإلكتروني ظهر أمس الأول حول قضية قتيلة الشهداء بأم درمان والتي شغلت أهل المدينة سنين عدداً منذ حوالي السبع سنوات والتي راحت ضحيتها المعلمة الحاجة “ثريا” والتي اعتبرها كثير من أهل القانون الأطول، نظراً وانتظاراً في ساحات القضاء السوداني. وتلقيت الرسالة التالية من الدكتور “محمد الحسن العبيد” أحد أولياء الدم والذي ظل يتردد كثيراً ما بين “لندن” التي يقيم ويعمل بها وما بين “أم درمان” التي تنظر محاكمها في هذه القضية.. ولكن يبدو الآن أن القضية على نهاياتها وفق ما جاء في هذه الرسالة، ونأمل كثيراً أن يعم العدل أرجاء بلادنا وأن يأخذ كل صاحب حق حقه وأن ينال الظالم جزاءه، وفي هذا رحمة بالبلاد والعباد. و(جمعة) مباركة.
استأذنا الفاضل “مصطفى أبو العزائم”
تحية طيبة وأتمنى أن تكونوا في أتم عافية وصحة.
فقط أردت أن أحيطكم علماً بأنه قد انعقدت في اليوم الثالث من مايو الحالي جلسة للنظر في القضية أعلاه بمحكمة الموضوع بالقسم الأوسط بأم درمان برئاسة مولانا “محمد النوراني”، وقد اكتفى ممثل الدفاع وممثل الاتهام بشهادة الشهود الذين قدموهم في الجلسات السابقة، ولم يطلب أي منهم شهادة أي طرف آخر أو إعادة الاستماع إلى الطبيب الذي قام بتشريح الجثة.
وقد كانت محكمة استئناف أم درمان قد أعادت القضية إلى محكمة الموضوع للعمل وفق توجيهات المحكمة العليا والتي أمرت بدورها بإعادة محاكمة جميع المتهمين تحت المادة (130)، القتل العمد؛ والسماح لها بسماع أية بينات إضافية من كل الأطراف؛ وقد استعان ممثل الاتهام في آخر جلسة حكم بمحكمة الموضوع تحت رئاسة مولانا “كامل الباهي”، استعان بشهادة خبير وهو أستاذ اختصاصي في أمراض المخ و الجهاز العصبي ذو كفاءة ومؤهلات عالية، وهو البروفيسور “محمد الطاهر عبيد”، أستاذ أمراض ألمخ والجهاز العصبي، بأكاديمية العلوم الطبية؛ والذي أدى إفادة شهادة خبير عن حالة الغيبوبة التي كانت قد دخلت فيها القتيلة إثر اعتداء المتهم رقم (9)، “عادل مهدي إبراهيم” (الملقب بالطريفي)، والتي أفادت إدلاءات المتهمين بأنها قد حدثت قرابة أربع ساعات قبل تسلل بقية المتهمين الآخرين إلى المنزل بغرض السرقة. وكان قد أدلى المتهم “الطريفي” في محاكماته السابقة، باعتراف، معضد، وقام بتمثيل الجريمة، بأنه قد تسلل إلى منزل القتيلة في منتصف الليل ، وحينما أحست به القتيلة وتعرفت عليه قام بضربها “بونية” في الوجه ودفعها مما أدى إلى ارتطام رأسها بحائط الغرفة التي كانت تنام بها؛ مما أدى إلى رض دماغي ونزيف داخل المخ ورضوض في الوجه حسب نتيجة التشريح، وقد كان قد ورد في إفادة الطبيب الشرعي أن إصابة القتيلة بالرأس هي ناتجة عن ارتطام الرأس بجسم صلب، كالحائط مثلاً أو ضربة مباشرة في أي موقع من الرأس ممكن أن تتسبب في هذا النوع من الأذى، بدون تدخل أي عوامل خارجية أخرى، مما كان السبب المباشر في دخولها في حالة لا وعي وغيبوبة، ما لم يمكنها من الاستنجاد بشقيقها الذي كان ينام في الجزء الآخر من فناء المنزل، ونتجت الوفاة لاحقاً بدون تدخل أي عوامل خارجية. وقد أفاد المحكمة الشاهد الخبير أن مثل هذه الإصابات “رض دماغي” وتعني تلفاً في خلايا الدماغ، تؤدي إلى حالة من فقدان الوعي والإدراك، ثم الوفاة لاحقاً والتي قد تحدث في غضون ساعات، أيام أو شهور. وهذا يفسر عدم قدرة القتيلة الاستنجاد بشقيقها أو الجيران طوال فترة الأربع ساعات التي سبقت تسلل اللصوص، وهم مجموعة من المشردين بالحي، يسكنون في منزل مهجور “خرابة” بجوار منزل المتهم “الطريفي”، ولهم سابق معرفة ببعضهم البعض. وقد أشار القاضي الذي أدان المتهم التاسع “الطريفي” بالقتل العمد في خمس محاكمات سابقة، (إلى عمر المتهم (32 عاماً) ملاكم سابق، وقد وهبه الله بسطة في الجسم؛ مما كان حدوث الأذى الجسيم للقتيلة، والتي فوق الخامسة والستين أمر راجح ).
وقد أفاد عدة شهود في السابق بأن القتيلة أخبرتهم بأنه ظل يتوعدها ويهددها كل ما صادفها في الطريق قبيل الحادث بأسابيع قليلة، حيث أنه يسكن في نفس الحي، وكان يتردد على منزلها طوال فترة صغره مع بعض أقاربه في زيارات تواصل بين سكان الحي .
وقد كان سبب إعادة محكمة استئناف أم درمان القضية إلى محكمة الموضوع مستفسرة عن عدم استدعاء الطبيب الذي قام بتشريح الجثة للإدلاء برأيه في جلسة الحكم الأخيرة؛ وقد أوضح كل من ممثل الاتهام وممثل الدفاع في جلسة يوم 3 مايو 2016 بأن كل منهم قد اكتفى بالإفادات التي أدلى بها دكتور “عقيل سوار الدهب”، اختصاصي التشريح، والذي قام بتشريح جثة القتيلة في حينها، في جلستين في السابق، ولم يطلب أي منهم استدعاء د. “عقيل سوار الدهب” مرة أخرى .
وفي الختام أمر مولانا “محمد النوراني” بالقبض على بقية المتهمين السابقين الذين كانوا قد تسللوا إلى المنزل بغرض السرقة حينما وجدوا باب المنزل مفتوحاً، ووجدوا القتيلة فاقدة الوعي وهربوا من المنزل، وكان قد أدانتهم المحاكم السابقة بتهمة السرقة، وحكمت عليهم بالسجن، واكتفت بالمدة التي قضوها بالسجن، وهي خمس سنوات، وأطلقت سراحهم.
وقد حدد مولانا “محمد النوراني” الرابع والعشرين من هذا الشهر موعداً للنطق بالحكم في هذه القضية، التي شغلت الرأي العام لمدة سبع سنوات ما بين محكمة الموضوع ومحكمة الاستئناف، وأخيراً المحكمة العليا والتي أمرت في نهاية العام المنصرم بإعادة محاكمة جميع المتهمين تحت المادة (130)، القتل العمد .
ويأمل أولياء الدم، أن لا يطول أمد هذه القضية أكثر من ذلك، لما سببه هذا من معاناة للجميع، وأن تعطي الأسبقية في الفحص نسبة لقدمها وكونها قد استغرقت أطول مدة زمنية للفصل فيها، مقارنة بقضايا مماثلة بولاية الخرطوم خاصة والسودان عامة .
ولك خالص تحياتي
د. محمد الحسن عبيد