الشيخ "حسن "الترابي" في (شاهد على العصر) بقناة الجزيرة (الحلقة الثانية – الجزء الأخير)
كان لي الدور الرئيسي في ثورة أكتوبر والشيوعيون والإسلاميون جعلوني على رأس قائمة الخريجين
رصد- طلال اسماعيل
# “أحمد منصور”: لذلك مجامع اللغة العربية تضم الكل أطباء ومهندسين و…
– الشيخ “الترابي”: كل الطب والهندسة والزراعة، كلها تدرس بالعربية الآن في السودان، وحاولنا ذلك أن نقارنه مع بلاد عربية حتى نتعاون، ولكن البلاد المستعربة كاليمن مثلاً تعسر عليها ذلك، العربية العاربة المستعربة الشام وحدها، لأنها عربت من الترك بعد الحرب الأولى لأنهم طبعاً خرجوا من تركيا فعربوا الأتراك، أما أن تعرب من الفرنسية والإنجليزية كان عسيراً على كل البلاد العربية ذلك،وحتى من جامعة الدول العربية حاولنا أن نحدث كما ينشر الفرنسيون مراكزهم الثقافية و”البرتش كانسل”– المركز الثقافي البريطاني- والألماني (ذكرها باللغات الثلاث)، كل واحد يريد أن ينشر لغته في العالم حتى يتاجر الناس معه ويسمعون خطابه، حاولناهم أن يعطونا شيئاً من أموالهم الهائلة ما شاء الله لننشر اللغة العربية والناس يحبون اللغة حباً جماً حولنا، ملايين كان يمكن أن ندخلهم ببعض ملايين ولكن … (اعتدل في جلسته ورجع للوراء متحسراً).
# “أحمد منصور”: ويعني الآن لو كان هنالك تاجر عربي أراد أن يوقف مبلغاً من المال لنشر اللغة العربية س…
– الشيخ “الترابي”: لامتدت، وهذا سيعود عليه خيراً، يسمعون إذاعته وينفعلون مع قضاياه ويتاجرون معه ويزورونه.
# “أحمد منصور”: حتى يصبح الحكام العرب يحبون لغتهم وشعوبهم سيفعلون هذا الأمر؟
– الشيخ “الترابي”: هم يا أخي لا يحسنون العربية أنفسهم، أنا حضرت القمم الإسلامية والعربية يا أخي، واحد فقط كان يتكلم العربية والبقية أحياناً لا يستطيع أن يقرأ.
# “أحمد منصور”: في حكام ورؤساء عرب يلقون خطابتهم بلغات أخرى ومن ضمنها الفرنسية والإنجليزية وهم يحكمون الشعوب العربية.
– الشيخ “الترابي”: ضحك وردد: نعم.. نعم.
# “أحمد منصور”: نعود إلى وجودك في فرنسا وحصولك على الماجستير من جامعة لندن وعلى الدكتوراه من (استن بورن) وإتقانك للغات أخرى جعلتك تشعر أنك فوق الآخرين وأميز من الآخرين؟
– الشيخ “الترابي”: كلا، كلا، أنا أولاً عشت في الأسرة وربتني على أننا من قرية بائسة يعني.
# “أحمد منصور”: ترتيبك كم بين أخوتك؟
– الشيخ “الترابي”: الثالث، لكن كنا من قرية، نأتي الإجازة نعيش مع أهلنا ودرجة الموظفين درجة وسطى يعني درجة راقية نتعلم، وأنا والدي يرجع إلى بلده أحياناً وأنا أعيش مع التجار ويسكنني مع آخرين فتعلمت العيشة مع البشر بمختلف مستوياتهم المختلفة، أحمد الله يعني، ولكن ما استفدت شيئاً إلا أتيت به إلى الحركة الإسلامية، والحركة الإسلامية أول أمرها كانت أفراداً تجند في التجنيد واحداً وتزكيه وتربيه وتحسن دينه، ولكن بعد فترة أصبحت مداً في جماهير، واسمها من حركات سرية إلى علن، ومن صفوة إلى عامة الناس، فبدأت تمتد جبهة جبهة.
# “أحمد منصور”: أفادتك هذه المعارف والعلوم المختلفة؟
– الشيخ “الترابي”: نعم، نعم.
# “أحمد منصور”: أنت في العام 1961 حينما كنت تدرس الدكتوراه في (استن بورن) سافرت إلى الولايات المتحدة الأمريكية.. ما قصة هذه الزيارة؟
– الشيخ “الترابي”: ذات المعنى، ذات المقصد، اطلع على العالم لأن أمريكا بلد ناهضة نهضت من جوعى من أيرلندا ومساجين ومشردين فما كان ينبغي أن تنهض، لكن جمعت من أوروبا ما جمعت، ومن أفريقيا عبيداً، ومن آسيا هنالك مهاجرون فأردت أن أعرف أمريكا وكتبت لهم، وهو كان برنامج لقيادات طلابية كما يقولون و(حُمت) كل أمريكا إلا المناطق الجنوبية حُذّرت منها هذه.
# “أحمد منصور”: كم بقيت هنالك؟
– الشيخ “الترابي”: بضعة أشهر، ثلاثة شهور كده لكن عشت في بيوت.
# “أحمد منصور”: أمريكان؟
– الشيخ “الترابي”: أمريكان، ما عشت في فنادق ورأيت كل ما أردت أن أراه.
# “أحمد منصور”: ما الذي رأيته؟
– الشيخ “الترابي”: كل شيء، الهنود الحمر وقراهم، متخلفة جداً، والسجون كلها زرتها والجامعات كلها زرتها والمحاكم كلها زرتها والمزارع زرتها، الموسيقى زرتها، المناطق الزراعية، إلا الجنوب حذروني لأنه عسير، حتى البلاد التي دخلتها الحلاق يسألني ماذا تريد؟ لست بقالاً حتى تسألني أريد الحلاق ولكن يميز حتى لهجتي ليست أمريكية ولا يبالي، فاستفدت من شهرين أو ثلاثة فائدة هائلة.
# “أحمد منصور”: لكن لاحظت التمييز العنصري كان موجوداً وقتها؟
– الشيخ “الترابي”: أوووووو، متمكن جداً كان، متمكن جداً، لكن شيئاً قدرت أن الأمريكان أقدر على التطور من الأوروبيين، الأوروبيون محافظون، البريطانيون محافظون، الفرنسيون متعصبون لما هم فيه، الأمريكان الأستاذ يسألك كالطفل عن ما لا يعلم.
# ” أحمد منصور”: أووووم.
– الشيخ “الترابي”: يقول لك أنا لا أعلم، بعض الأستاذة يظنون أنني هندي، السودان لم يألفوا أين هو، كانوا يسألونني أسئلة بسيط جداً.
# “أحمد منصور”: أضرب لي أمثلة
– الشيخ “الترابي”: يعني، أستاذ علاقات خارجية ذهبت إليه ظنني هندياً يكلم عن الهند، قلت له: أنا من أفريقيا، قال لي: أليس السودان جزءاً من الهند؟ قلت له: لا، هذه أفريقيا قارة
# “أحمد منصور”: هذا أستاذ علاقات خارجية.. (ابتسم).
– الشيخ “الترابي”: يعني أستاذ يعني، لكن بعد ذلك يسألني ببساطة ويقول لي لا أعلم، البريطاني لا يقول لك لا أعلم، مهما تحدثه يقول لك أعلم، أعلم.
# “أحمد منصور”: يعني كفوارق أساسية بين الفرنسيين والألمان والبريطانيين والأمريكان في ذلك؟
– الشيخ “الترابي”: تطور يسير هنالك، وأنا قدّرت من ذلك اليوم رغم تخلفهم في مسألة الرق، الرق بدأ تحريره في بريطانيا كمبدأ، وهنالك ظل لحين طويل، الزنوج محاصرون وفقر بائس وتركوا للإجرام، السجون كلها وجدتها منهم، غالبها منهم لا بنسبتهم السكانية، ولكن زرتهم كلهم وزرت المسلم منهم وغير المسلم.
# “أحمد منصور”: يعني شغفك بالمعرفة جعلك تستثمر عدة أشهر؟
– الشيخ “الترابي”: نعم، والعرب زرتهم، ولقيتهم، ولكنهم كانوا يختفون.
# “أحمد منصور”: وين؟ في أي الأماكن؟
– الشيخ “الترابي”: كلها، في شيكاغو وما حولها، وفي نيويورك وأزور كل الطوائف، ولكن هؤلاء المسلمين كانوا في حالة من المسكنة، ويريد المسلم أن يخفي نفسه ويريد أن يغير اسمه أحيانا “مستر مو” بدلاً عن “محمد” مثلاً.
# “أحمد منصور”: نحن بنتكلم عن سنة 1961 مش عن قرون ماضية (50) سنة فقط.
– الشيخ “الترابي”: لا، لا.. كانوا في حالة من المسكنة لأن المهاجرين يريدون أن يخفوا هويتهم حتى لا يغضب عليهم أحد، ولكن الأمريكان عندئذ لم يكن فيهم كره للعرب ولا للمسلمين.
# “أحمد منصور”: فقط السود؟
– الشيخ “الترابي”: فقط السود.
# “أحمد منصور”: واليهود؟
– الشيخ “الترابي”: إلا شيء، ما ورثوا من بريطانيا كثيراً، لا المستعمرات، لأنهم كانوا مستعمرة هم أنفسهم ويسألونني أسئلة بريئة جداً عن الإسلام وعن العرب، أما في بريطانيا وفرنسا لا أحتاج إلى أن أتنكر، يظنون أنني أفريقي خريج مدرسة تبشيرية مثلاً، أسألهم عن العرب، وااااا.. تنفجر من نفوسهم مثل اليهود يكرهونهم في فرنسا مثلاً، أسألهم عن الإسلام، وااااا.. هذا سؤال مستبهماً مستفسراً، لا يؤمنون بالمسيحية أصلاً، إلا إذا قلت مسلماً عندئذ الحمية يكون كاثوليكياً في فرنسا طبعاً، في فرنسا كنت أريد أن اكتشف حال النفس الداخلية لا ما يظهر المرء، لكن في أمريكيا وجدت كرماً في البيوت، بعد يوم الأسرة، تحدثني بكل قضاياها وخلافاتها الأسرية.
ولكنهم يقولون لي: لا، لا، عفواً عفواً، وأدخل معهم المطبخ وأدخل معهم في قضاياهم مع أولادهم ومع بناتهم، يعني شعب منفتح وكريم قابل للتطور من حيث ما كان
#”أحمد منصور”: الأمريكان.
– الشيخ “الترابي”: أسرع من بقية الأوربيين
#”أحمد منصور”: لذلك قراءتك في ذلك الوقت في العام 1961.
– الشيخ “الترابي”: لذلك لم يصدمني أن يأتي “أوباما” ليصبح رئيس الجمهورية طبعاً، أما أوربا يعني هذا سفر طويل، طويل المدى، يعني من ذلك الحال إلى اليوم أنظر إلى الفرق، هؤلاء يحتقرون أيضا اللاتينيين الذين يأتون إليهم من المكسيك، طبعاً هم احتلوا كل هذه المناطق كانت مكسيكية لكن اللغة المكسيكية طبعاً أصبحت هي اللغة الثانية.
#” أحمد منصور”: في الولايات المتحدة.
– الشيخ “الترابي”: في الولايات المتحدة، وأصبح المكسيكيون والأفارقة الآن بدأ يترقى مستواهم وبدأت العرقية تنتهي جداً في نفوس الأمريكان، وما أقول لك لا يوجد متطرفون، التطرف الديني عندهم وجدته كذلك منذ ذلك الحين، الأصولية، كلمة أصولية هذه أصلها من عندهم، أصولية بروتستانت ضد الكاثوليك وأصولية ترجع إلى التوراة قرب من اليهود لكن عندئذٍ ما كانت القضية الفلسطينية ظاهرة ولا القضية الإيرانية كانت قد ظهرت بعد حتى تغضب من الإسلام.
#” أحمد منصور”: كانوا منكفئين في ذلك الوقت؟
– الشيخ “الترابي”: منكفئين، لأن أمريكيا قارة يا أخي، أنت من تكساس أو من فرجينيا، هذا وطن مثل بلد عربي، وأمريكيا هذا هو العالم أنت، لا يعلمون شيئاً وذهبت بعد حين مع رئيس الجمهورية “جعفر نميري”، بعد حين، إلى “ريغان” ما كان يعرف أين السودان؟
#” أحمد منصور”: “ريغان” (نطقها باستغراب شديد).
– الشيخ “الترابي”: نعم.
#” أحمد منصور”: حتى لما قابلتوه يعني؟
– الشيخ “الترابي”: نعم، قلت له تحتج على دخول الكوبيين، ألف كوبي على جزيرة في الكاريبي وأنت تريد أن تحتلها لتحررهم ومازال الكوبيون في إثيوبيا، لا يعرف إثيوبيا ولا يعرف هذا الأمر أصلاً.
#” أحمد منصور”: سآتي إلى زيارتك مع “نميري”، حصلت على الدكتوراة في السوربون في العام 1964.
– الشيخ “الترابي”: نعم.
#” أحمد منصور”: وعدت للسودان.
– الشيخ “الترابي”: نعم.
#” أحمد منصور”: (5) سنوات.
– الشيخ “الترابي”: نعم.
#” أحمد منصور”: أستاذاً في الجامعة، (5) سنوات قضيتها في فرنسا؟
– الشيخ “الترابي”: نعم.
#” أحمد منصور”: كيف كان وضع جامعة الخرطوم حينما عدت؟
– الشيخ “الترابي”: جامعة الخرطوم ما انفكت هي مركز أكبر كتلة من المثقفين، لأن الجامعات ما انتشرت بعد وما خرجت كثيراً ولذلك كانت مركز الندوات وتجمع الساسة يحاسبون هناك أكثر مما يحاسبون في مجالسهم النيابية، النواب كانوا يأتون من الأقاليم لكن (أشار بيده إلى علامة الصمت مع فمه)، يشار عليهم ليصوتوا على أمر ما يدرون ما هو، نحن جئنا عندئذٍ والجامعة بدأ عدد السودانيين يمتد فيها شيئاً ما، كثيراً.
#” أحمد منصور”: كان ما زال فيها لسه أساتذة بريطانيين.
– الشيخ “الترابي”:نعم، نعم.
#” أحمد منصور”: والتدريس كان بالانجليزية.
– الشيخ “الترابي”: التدريس غالبه كان بالانجليزية، حتى الذي حاولت أن أقدمه تأخر ولكن الذي جرى حينئذ أنني جئت مليئاً بحرية فرنسا طبعاً، وكذلك قضية الجنوب مع “عبود” كانت استعرت وكانت عندهم لجنة كبيرة جداً للتداول في قضية الجنوب، وعقدت لي ندوة في الجامعة من جمعية اجتماعية ولكن تحدثت بما أفهم هذا البلد قارة لا يمكن أن يحكم، أنا درست قانوناً دستورياً مقارناً في العالم، البلاد الكبرى كلها تحكم بولايات مختلفة لها ذاتيتها والشأن القومي يمكن أن يجتمعوا كله عليه ولكن لكل تعليمه وما يليه، وثانياً الحريات إذا أردت أن تبسط السلطة لابد أن تبسط الحرية للناس، “عبود” حاول حكماً إقليمياً يعني، وأنا قلت هذا لا ينفع أصلاً، والقضية ليست قضية الجنوب ستنتقل إلى الغرب والشرق إذا لم نستدركها.
#” أحمد منصور”: هذا الكلام قلته بوضوح في العام 1964؟
– الشيخ “الترابي”: نعم، لابد أن يزال هذا النظام، فصحيفة من الصحف تجرأت ونشرت شيئاً ما من هذا الكلام.
#”أحمد منصور”: طيب انعكاس هذا إيه على الناس في الجامعة؟
– الشيخ “الترابي”:أووووك.
#” أحمد منصور”:طبعاً غريب وجديد.
– الشيخ “الترابي”: البشر كلهم كانوا ملأ في جواهم ولكن الأنظمة العسكرية هذه كبت في نفوس الناس كثيراً من الخير، بدأت ندوات طلابية بعد ذلك وبدأ الساسة يدخلون عليها، في قضية الحريات وقضية الحكم لا قضية الجنوب فقط.
#” أحمد منصور”: نعم.
– الشيخ “الترابي”: كل القضية وأنا أستاذ ليس لدي سيارة، دخلت الشرطة على الجامعة وضربوا الرصاص، ودخلنا على الشرطة هكذا وانتهرناهم وأخذنا المجروحين وواحد منهم مات شهيداً يعني إلى المستشفى، والصباح خرجنا إلى المستشفى بكل أساتذة الجامعة الغربي منهم والسوداني لنحمل نعشه حتى نسلمه إلى أهله في سيارات لها موقف بعيد، وحاولت أن تعترضنا الشرطة ولكن تقدمت إلى القاضي وقلت له أنت تريد أن تقتل عدداً من الجنائز غير الجنائز التي نحملها، معنا أساتذة إن قتلتنا نحن السودانيين يمكن أن يكون لك ذلك، ومعنا بريطانيون وأوروبيون وهكذا، ففتح فتجمعت مظاهرات ضخمة جداً حتى نصل الميدان.
#” أحمد منصور”: هل هذه كانت إرهاصات البداية لزوال حكم “عبود”؟
– الشيخ “الترابي”: ثورة، ثورة أكتوبر، أنا ما كنت أدري أنها ثورة حتى الندوة كنت أقول النصيحة ولا أبالي، أنا ما عشت في السودان حتى أتمسكن من كثرة الضغوط علي، حديث عهد يعني لا أفضل نفسي على الآخرين، كانوا يسكتون.
#” أحمد منصور”: يعني الناس يكونوا في حاجة إلى من يثيرون الحماسة فيهم وينبهم إلى واقعهم المرير أو يحي فيها الرجولة.
– الشيخ “الترابي”: حالة الالتهاب منتشرة، من يشعل الشعلة.
#” أحمد منصور”: من يشعل الحريق.
– الشيخ “الترابي”: وبعد ذلك الالتهاب كله يلتهب، وفعلاً حصل.
#” أحمد منصور”: مهما كان الشعوب مستكينة؟
– الشيخ “الترابي”: في تلك الندوة العامة صلينا صلاة الجنازة وأخذنا المياكرفونات وبدأنا الحديث بعد ذلك أصبح ثورياً وبدأ الناس يقلبون السيارات وما اشتعلت النيران في سيارات الشرطة إلا وأدركت عندئذً أني الآن بين يدي ثورة، ليست هي بنصيحة واحتجاج ومظاهرة وهكذا.
#” أحمد منصور”: دون تخطيط.
– الشيخ “الترابي”: دون تخطيط، ولذلك طفت ذلك الليل وسميت نفسي دون الاسم الأخير، وهم كانوا يعرفونني منذ الندوة من هذا الجديد الذي دخل السودان هل هو شيوعي؟
#” أحمد منصور”: لاسيما وأن المد اليساري كان طاغياً في ذلك الوقت.
– الشيخ “الترابي”: نعم، حسبوني شيوعياً أو شيئاً من هذا القبيل، قريباً لي سألوه ما هذا؟ أرادوا أن يقبضوني ولكنهم ترددوا هم متحفظون كما حدثتك عن الحكم، كان معتدلاً، طفت على كل الساسة أن يحضروا معنا الجنازة ثم بعد ذلك المظاهرات وبدأت الضغوط وبدأت التداعيات، الجماهير تخرج.
#” أحمد منصور”: ما فيش حرية من دون دماء، في واحد استشهد.
– الشيخ “الترابي”: نعم.
#” أحمد منصور”: والشعوب عندما يكون لها الاستعداد أن تضحي تحصل على حريتها.
– الشيخ “الترابي”: وبدأت الجموع تذهب إلى القصر وبدأ القضاء بعد ذلك القضاة كلهم تحت تمردوا وكل الخدمة العامة تمردت، ولذلك “عبود” قال خذوها خذوها، أنا ما انتزعتها منكم، أودعت لي كرهاً من نفسي عندما قامت ثورة أكتوبر.
#” أحمد منصور”: خلال قراءتي لثورة أكتوبر من عدة مصادر وجدتها تعطي نموذجاً لكيفية إسقاط حكم عسكري مستبد.
– الشيخ “الترابي”: نعم.
#” أحمد منصور”: ولكن يجب أن يكون الشعب لديه الاستعداد للتضحية وأن يتحرك ليسترد بلده من هذا الطاغية.
– الشيخ “الترابي”:نعم، نعم والثورات الشعبية هي التي تورث انقلاباً عسكرياً قد يعقب خليفة عسكرياً إلى الثاني، ولكن الثورة هي التي تحدث الحرية لأن الشعب هو الذي ثار.
#” أحمد منصور”: الحرية تنتزع.
– الشيخ “الترابي”: نعم.
#” أحمد منصور”: لا تطلب.
– الشيخ “الترابي”: نعم، والشعب هو الذي يثور وعندئذً تبسط الحرية.
#” أحمد منصور”: النقابات المهنية والطلاب وضباط الجيش الشرفاء أيضاً تحركوا.
– الشيخ “الترابي”: أخيراً الأمن قالوا لن نقتل أهلنا لأننا ندافع عن الوطن وجاءوا إلى “عبود” وقالوا له اذهب اذهب سالماً.
#” أحمد منصور”: في بعض الدول العربية عدد الذين يقتلون على يد الأمن أكثر من الذين قتلهم الاستعمار والاحتلال.
– الشيخ “الترابي”: يأسف المرء أن يقول هذا.
#” أحمد منصور”: ولكن لابد من الضباط الشرفاء أيضاً أن يكون لهم موقف.
– الشيخ “الترابي”: نعم، نعم.
#” أحمد منصور”: دائماً العسكر المفسدين يخشون من المحاسبة لذلك من حول “عبود” منحوا وعداً بعدم المحاسبة.
– الشيخ “الترابي”: نعم كتبت في الدستور لهم لأنهم قالوا أمرنا بذلك أرجوا أن لا تحاسبوننا على طاعتنا لأمر حكومة منتخبة.
#” أحمد منصور”: يعني الشعوب العربية تتعهد لهؤلاء الطغاة أن يعطوهم عهداً أن لا يحاسبوهم.
– الشيخ “الترابي”: السودانيون، والمسلمون عندهم العفو دائماً وأحياناً عند جريمة القتل.
#” أحمد منصور”: لكن مسلسل الانقلابات الدموية زي العراق وزي بقية الدول الأخرى دائماً بيكون مخيفاً.
– الشيخ “الترابي”: لا حول ولا قوة إلا بالله، في شعوب دموية أصلاً، لكن نحن السودان ما دموي جداً والعنف ليس فيه حتى حركته الإسلامية ما فيها مدود جهادية طلعت غير نظامية بل فقط تريد أن تستهدف وتقتل وتخرب وتدمر ما عندنا.
#” أحمد منصور”:هل من السهل التخلي عن السلطة.
– الشيخ “الترابي”:لا عسير جداً.
#” أحمد منصور”: يعني “عبود” ما كان يتخلى لولا وجد هذه الحشود.
– الشيخ “الترابي”: هذا السؤال أجيبك عنه.
#” أحمد منصور”: لكن أنا هنا عشان “عبود”.
– الشيخ “الترابي”:لا، عبود هذا أولا رجل طيب كان مهندساً والسودان كثيراً لم يعهد الحكم العسكري في تاريخه لم نعرف فرعوناً نحن في السودان بلد متسع ومنتشر والحكم الإسلامي كان منبهلاً كده.
#” أحمد منصور”: ليس هنالك قبضة.
– الشيخ “الترابي”: القبضة لم نعهدها من قبل والبلد واسع أساساً من العسير أن تقبضه.
#” أحمد منصور”: هي أكبر دولة أفريقية.
– الشيخ “الترابي”: قبل أن يتقدم بعد ذلك الإعلام الحديث وتسيطر على رزق الناس وعلى معلوماتهم وعلى أخبارهم وعلى اتصالهم وكانت تجربة طيبة.
#” أحمد منصور”: تقدر تقول لي أهي هي العوامل التي أدت إلى نجاح ثورة أكتوبر 1964؟
– الشيخ “الترابي”: أولاً انفعال عدد من الصفوة كده عموماً بروح الحرية وبسط السلطة وانبساط الرأي العام، هذه مسألة مهمة جداً، وثانياً الذين في السلطة أنفسهم كان لهم حد في أنفسهم ما فسدوا والمال في يدهم وما قسوا بالاعتقالات والناس كانوا يتحدثون والسودانيون لسانهم طلق والبلد واسع جداً من العسير حتى على نظام عسكري أن يحتويه كله، وهو يعلم أن الجنوب لا يمكن أن يحتوى بالقوة ويعلمون أنه لو ثار الغرب أو ثار الشرق من العسير أن تحتويه، البلد أوسع من قبضة المستبد فيه والشعب أكثر نزعة للحرية بطبيعتهم البدو يرون الأفق فقط حدهم وحياتهم دوماً حرة ما تعودوا على النظام والضبط والربط.
#” أحمد منصور”: هل طبيعة الشعب السوداني طبيعة متمردة.
– الشيخ “الترابي”: لأنهم أصلاً لم يتعودوا على الانضباط والضبط والربط ما عاشوا في منطقة ضيقة جداً يحكمهم حاكم يحيط بهم وجنده، ما مثل الشعب المصري على النيل فقط و”فرعون” وجنوده يمكن أن يحرمك الماء.
#” أحمد منصور”: نعم.
– الشيخ “الترابي”: الحياة، الضرورات تضطرك حيناً ما أن يستخفك.
#” أحمد منصور”: هل تعتبر العام 1964 والمحاضرة التي كانت لك في جامعة الخرطوم كانت بداية ولادتك السياسية في السودان؟
– الشيخ “الترابي”: نعم، نعم.
#” أحمد منصور”: وهل تعتبر أن لك دور رئيسي في ثورة أكتوبر؟
– الشيخ “الترابي”: نعم، ما في ذلك شك ولذلك عندما جاءت انتخابات الخريجين صوت لي كل الخريجين الشيوعي منهم والإسلامي وكنت على رأس القائمة بفارق هائل جداً غالب الذين فازوا من اليساريين.
#” أحمد منصور”: هل خططت لهذه اللحظة أم أن الظروف ساعدتك لتولد زعامتك السياسية؟
– الشيخ “الترابي”: ما خططت بالعكس كنت أخطط لسيرتي العلمية وأقدر والتخطيط كان في ذهني دائماً للأمام، إذا كنت أؤمن بالآخرة المسلمون يؤمنون بالآخرة ولكن لا يخططون للغد، ينسى يوم الآخرة هذا كلام بألسنتهم فقط ليس بأنفسهم ولكن مجرد قامت ثورة علمت أن هذا المسلك ليس مسلكي أخرج للشارع.
#” أحمد منصور”: تقصد أن الجامعة ليست مسلكك.
– الشيخ “الترابي”: نعم.
#” أحمد منصور”: لذلك استقلت وتفرغت.
– الشيخ “الترابي”: كان الفرنسيون يطلبون مني أن أطبع الرسالة ولكن نسيت كل هذا وتركت القانون، وما اشتغلت محامياً وتفرغت للشعب وللناس.