لماذا أصبحت "نيالا" تسهر مع "حمد الريح" وتطرب لانتصارات مريخ البحير
هل أتاك حديث “الضعين” وصواريخ (الاثنين)
قرارات رئاسية بنزع سلاح المواطنين و(الرزيقات) يجددون ثقتهم في “أنس”
حديث (السبت)
يوسف عبد المنان
نفضت مدينة “الضعين” ذات العينين الساهرتين أرق احمرار ليلة الصواريخ التي تم تصويبها نحو منزل الوالي “أنس عمر” فأصابت امرأة بعد سقوطها في منزل “عبد الله علي مسار” أحد أبرز قادة (الرزيقات) في العصر الحديث.. ومزقت أحشاء امرأة كانت تغطي نصف جسدها بثوب أسود في ليلة صيفية.. وتساقطت صواريخ أخرى على رؤوس طلاب مدارس جاءت بهم دورات العمل الصيفي وأنشطة الاتحاد العام للطلاب.. شعرت “الضعين” بالحياء والخجل من صنع بعض المحسوبين عليها كمدينة، و(الرزيقات) كقبيلة لم يعهد الناس فيها إلا إكرام الضيف وحسن وداعه، فكيف ينزلق البعض ويستجيب لتحريض المحرضين الذين بعضهم صنعتهم الإنقاذ وحملتهم وهناً على وهن فأصبحوا وزراء ووزراء دولة وضباطاً في القوات النظامية، ولكنهم لا يؤمنون بأن الأيام دول والتغيير سنة الحياة والوظيفة إلى زوال مهما طال عهدك بها.. في هذا المناخ يقتل بعض منسوبي القبيلة من ضباط القوات المسلحة المنتمين لقوات الاستطلاع (حرس الحدود سابقاً) في تحرش قبلي مع (المعاليا).. ولم تتضح حتى اللحظة ملابسات ذلك الحادث.. كيف التقى فزع (المعاليا) بشباب من (الرزيقات) عائدين من “نيالا”؟؟ وهل كان اللقاء بخور طعان وداخل حامية الجيش محض صدفة؟؟ هناك محرك للأحداث يقف بعيداً عن خشبة المسرح؟؟ لما كانت لجنة تحقيق قضائية وعسكرية قد باشرت أعمالها.. وتعهدت رئاسة الجمهورية بإعلان نتائجها للرأي العام ومحاسبة أي مسؤول يثبت تورطه بالعبث بأرواح المواطنين، مهما كانت مكانته.. فإن الحديث عن وقائع الحدث الآن يمثل استباقاً لما ينتظر أن يرفع عنه الغطاء غداً.
“حسبو” في عين العاصفة
عاد نائب رئيس الجمهورية من تركيا يوم (الأحد) بعد رحلة استشفاء امتدت لأسبوع.. وغداة العودة من “اسطنبول” مدينة العلم والحضارة والزخارف والتاريخ إثر تنفيذ برنامجه المعلن مسبقاً بحضور فعاليات أسبوع العمل الصيفي بولاية شرق دارفور، وختام معرض “نيالا” التجاري بجنوب دارفور.. وقعت أحداث ليلة (الثلاثاء) لتضع النائب “حسبو” أمام اختبار صعب، بل تضع الحكومة المركزية أمام واقع إن هربت منه واستمعت لنصائح الفنيين سقطت في الاختبار وذهب وقارها في نفوس الناس.. وإن هي أقبلت على زيارة “الضعين” وتنفيذ البرنامج المعلن ركبت سرج المخاطر.. والصعاب.. ومشت على الأشواك بأقدام حافية.. والمرافقون لنائب الرئيس يتوافدون على صالة كبار الزوار بمطار الخرطوم تأهباً للمغادرة للضعين. كانت الهواتف ترن عند كل دقيقة من نافذين في الحكومة ومسؤولين من الملفات الخاصة.. ومن “الضعين” تطلب من نائب الرئيس “حسبو محمد عبد الرحمن” إرجاء زيارته لاعتبارات أمنية.. ولكن النائب الذي ينتمي لذات الولاية وضع الاعتبارات السياسية فوق كل اعتبار آخر.. وأمر كابتن الطائرة الأنتنوف بالتحرك للضعين. ومدير مكتبه د.”الفتاح الحسن المهدي” يطمئن الوفد بالحديث عن البرنامج الرشيق الذي أعده الطلاب الذين ساهموا في إعمار المدينة ونثر الفرح وخدمة الناس.. وخلاوي الشيخ “بيتاي” تنتقل لقلب بادية (الرزيقات) وحاضرتهم “الضعين”، ينتظرون النائب لتخريج خمسمائة حافظ للقرآن وحافظة من خلاوي لم يتجاوز عمرها الثلاث سنوات، وهي إحدى منارات التغيير الذي بدأ يترى على تلك المناطق.
هبطت الطائرة بمدينة “الضعين” التي يخنقها غبار الصيف العالق.. وتبحث قطعان الماشية عن العشب الجاف فلا تجده.. ويحدق طائر (أم قرص) ليلاً نحو الجنوب مترقباً أن تهب نسمات الليل ممزوجة بعطر ورائحة المطر الذي يثير في الإنسان والحيوان والطيور أشجاناً لموسم الأمطار.. كانت أبرز ملامح “الضعين” في ذلك الصباح أن الوالي “أنس عمر” قد نزع الطاقية الخضراء التي لا تليق بالزي الإفرنجي.. وتذهب بوقار السلطة وتجعلها أقرب لدراويش المسيد وبين دراويش المسيد والسلطة تنافر.. وقديماً كان “البرعي” ينشد (أسأل ربي الكريم أن يبعدني أبواب الحاكم والحكيم)!! لكن العميد “الفاضل” مدير جهاز المخابرات وهو من المجاهدين في الميل (40) يضع طاقية خضراء على رأسه.. ويبتسم في الزائر في هدوء يجعلك تطمئن لهدوء الأوضاع الأمنية، لكن كان لغياب الناظر “محمود موسى مادبو” أثره البالغ على تفلت المتفلتين، والناظر “مادبو” بمستشفى بحري التعليمي الحكومي مرافقاً لشقيقه المريض.. وفي غياب الناظر “محمود” (انفلت) العقال وهاجم بعض المحسوبين على القبيلة منزل الوالي “أنس”.. ومن المطار اتجه ركب نائب الرئيس لإستاد “الضعين” لكرة القدم الذي ينتظر وعوداً من المهندس “طارق حمزة” المدير العام لشركة (سوداني) بجعله (إستاداً) يجذب إليه أندية الممتاز، حينما ينضم ممثل الضعين قريباً لركب أندية الصفوة في السودان.. و”طارق حمزة” مدير عام (سوداني) كان فاكهة الرحلة وثمرتها.. شاب في حيوية طاغية وأدب جم.. وهو يقرأ ويكتب الشعر مثل المبدعين من (الأعاجم) “خليل فرح” و”النور عثمان أبكر”.
تحدث “حسبو” في إستاد “الضعين” عن الطلاب ودورهم في تغيير الواقع.. وحشد الإرادة الوطنية والتنمية والإعمار وبعث برسالة مغلفة إلى المتفلتين من أبناء (الرزيقات)، بقوله لن نسمح بالعبث بأرواح المواطنين ومن يحاول بعد اليوم التعدي على الحكومة سيجد اليد الباطشة والسلطة الرادعة.
“حسبو” في مواجهة (الرزيقات)
ثلاثة اجتماعات مهمة جداً عقدها “حسبو” في “الضعين” امتدت لست ساعات كاملة من الواحدة ظهراً حتى السادسة مساءً، وكان القاسم المشترك لاجتماعين الأوضاع الأمنية وكيفية تجاوز المرحلة الحرجة التي تعيشها “الضعين”.. في الاجتماع الأول بلجنة أمن ولاية شرق دارفور بمقر الأمانة العامة لحكومة الولاية أبلغ “حسبو” الوالي ومدير الشرطة وقائد حامية “الضعين” ومدير جهاز الأمن الوطني والمخابرات، بقرارات الرئاسة لمعالجة الأوضاع في شرق دارفور. القرار الأول أن تنفذ كل توصيات لجنة التحقيق التي تم تشكيلها بشأن أحداث (خور طعان) وتقديم أي شخص للمحاسبة والمحاكمة إن كان متورطاً في نشوب الأحداث، أو متهاوناً في القيام بواجبه مما أدى لنشوب الأحداث.
وثانياً: أن تنفذ توجيهات الرئيس التي أعلنها في زيارته الأخيرة لولايات دارفور بنزع السلاح من أيدي المواطنين وحصره فقط في أيدي القوات المسلحة، أي أن تحتكر الحكومة آليات العنف.
ثالثاً: القبض على أية سيارة بدون لوحات مهما كان موقع من يقودها.. ومصادرتها فوراً.. وتقديم سائقها للمحاكمة بموجب القانون.
رابعاً: يمنع منعاً باتاً لبس (الكدمول) حتى للقوات النظامية.
خامساً: تمنع الدراجات البخارية التي ثبتت مساهمتها في الإخلال بالأمن.. ومن اجتماع لجنة أمن الولاية الذي وضع خارطة طريق لردع المتفلتين واستقرار الأوضاع ومنح القيادة العسكرية والأمنية بالولاية سنداً ودعماً معنوياً هي في حاجة إليه في الوقت الراهن.. وفي الاجتماع الثاني لمجلس وزراء ولاية شرق دارفور، انتهج “حسبو محمد عبد الرحمن” سياسة مساعدة الوزراء بالرؤى والأفكار من واقع تجارب يحملها الرجل في جعبته.. ومتابعته في ذات الوقت لمشروعات التنمية. ويملك “حسبو” ذاكرة حاضرة في تعداد الأموال التي تدفقت للولايات والالتزامات القومية التي نفذتها الحكومة المركزية، وحجم التدفقات المالية للولاية.. وكثيراً ما يشقى وزراء المالية بالولايات وهم يباغتون بأسئلة إن لم تكن مستعداً فالرسوب في الامتحان أمام نائب الرئيس سيكون مصيرك.. قال “حسبو” إن مشروعات درء العطش التي نفذت في شرق دارفور خلال عام واحد لم تنفذ منذ استقلال السودان عام 1956م، وحتى اليوم.. لكنه اشتاط غضباً على إهمال حكومة الولاية لبعض آليات الحفر التي استولى عليها نهابون ومتفلتون في محلية عديلة.. ووجه وزارة التربية بالاهتمام بالمعلمين.. وقد كشف وزير التربية عن أوضاع مزرية في ولاية على صعيد تجليس الطلاب وقلة عدد المعلمين، وطالب باستثناء ولايته من قرار الوزارة المركزية بعدم تعيين معلمين من حملة الشهادة الثانوية، وهذا المطلب ظل يتردد على نائب الرئيس في كل ولايات دارفور التي زارها.
وفي الاجتماع الثالث والأخير جمع النائب “حسبو” قيادات قبيلة (الرزيقات) من عمد وأعيان في قاعة أمانة الحكومة التي أصبحت منارة سامقة وشاهداً على أداء الوالي “أنس عمر”.. الاجتماع بالرزيقات حضره الوالي “أنس عمر” وحده إثر بقية الوفد الذي يتكون من وزير الدولة بالتربية والتعليم “عبد الحفيظ الصادق عبد الرحيم” ووكيل وزارة المالية للتخطيط الاقتصادي “عبد الله إبراهيم” وهو شخصية كارزمية لها تأثيرها الكبير على الولايات.. والسفير “عاصم تاتاي” وكيل وزارة الاستثمار، ووزير الدولة بالرعاية الاجتماعية د.”إبراهيم آدم”.. والمدير العام لشركة (سوداتيل) المهندس “طارق حمزة”.. في اجتماع المواجهة بين (الرزيقات) ونائب الرئيس ووالي شرق دارفور، كانت (المجهر) حضوراً.. ورصدت وقائع الاجتماع التي اعترف فيها (الرزيقات) بأن الاعتداء على منزل الوالي وضيوف الولاية من الطلاب عمل لا يمثلهم ولا ينبغي له أن يحدث وطالبوا بالقبض على الجناة متبرئين منهم.. ولكنهم في ذات الوقت هاجموا إطلاق الحكومة بولاية جنوب دارفور لسراح (31) متهماً من (المعاليا).. في اليوم الثاني للأحداث، مما جعل كثيراً منهم يعتقدون أنها سياسات حكومية. وجددوا ثقتهم في الوالي “أنس عمر” باعتباره الوالي الوحيد الذي حكم شرق دارفور وقدم شيئاً لإنسانها، حيث لم يقدم الولاة الذين سبقوه طوال السنوات الثلاث الماضية، ما قدمه “أنس” في الشهور السبعة التي أمضاها.. وقال العمدة “سعيد دقيس” إن (الرزيقات) يثمنون ما قام به الوالي في الشهور الأخيرة.. من جهته قال “حسبو محمد عبد الرحمن” للرزيقات، إن المجرم لا قبيلة له، والمعتدي لا قبيلة له ولا حصانة لمنسوبي القوات النظامية.. وإن (الرزيقات) بريئون من المجرمين ويجب على الإدارة الأهلية التمسك بموقفها منذ اليوم الأول للأحداث وأن تخطو خطوات أخرى بالضعين على الجناة والتعاون مع أجهزة الأمن، لأن (الرزيقات) يعلمون جيداً من هم المتفلتون المجرمون الذين هاجموا منزل الوالي وإبلاغ الأجهزة الأمنية بأسماء أبنائهم المتفلتين.. وتسليم العمد لأي شخص شارك في الأحداث وعدم التستر على المجرم لأن ذلك يمثل شراكة معه في الجريمة.
كان لموقف النائب “حسبو” في “الضعين” أثره البالغ على تغيير الواقع.. صمتت أصوات الذخائر.. وتنفست المدينة طبيعياً وارتسمت على محيا الوالي “أنس عمر” ابتسامة الرضا، وقد اعترف أمام الإدارات الأهلية بأن انشغاله بملفات التنمية والالتزامات المركزية قد جعلته (مقصراً) في عقد لقاءات دورية مع زعماء الإدارة الأهلية وإشراكهم في القضايا المجتمعية.. وتعاهد قادة قبيلة (الرزيقات) من “الضعين” و”الفردوس” و(بحر العرب)، على دعم حكومة الولاية وصون الأمن والاستقرار في شرق دارفور من أجل تنمية المنطقة وتطورها.. وغادرت الطائرة “الضعين” وقد أخذت أشعة الشمس ترسل لوناً مصفراً إيذاناً بالغروب بعد نهار طويل في “الضعين” التي تسمى تدليلاً وتصغيراً.. وتجميلاً عند أهلها الطيبين (الحديبة أم الديار).
“نيالا” تتعافى ليلاً
حتى قبل عام ونصف من الآن كانت “نيالا” مدينة الرعب والخوف والنهب.. وبعض أسماء المدينة ترتبط بذاكرة العنف ببعض البلدان.. هناك حي تكساس الذي نشأ في السبعينيات وكانت ولاية تكساس الأمريكية تشهد أحداث عنف لا مثيل لها بين رعاة البقر، وحي الكنغو وسكر شتت وكمبوديا.. وحديثاً كان حي المطار الذي يقطنه الآن قادة المجتمع وعلياء القوم قد أطلق عليه اسم (الفلوجة) تشبيهاً بالفلوجة العراقية، ولكن منذ مغادرة الجنرال “آدم جار النبي” وتعيين المهندس “آدم الفكي” تبدلت الأوضاع.. ونجح “الفكي” في التعاون مع قوات الدعم السريع والتي استطاعت فرض هيبة السلطة واستقرار المدينة، شباب يسهرون منذ غروب الشمس حتى طلوعها يسدون الثغرات ويتعقبون المجرمين.. و”نيالا” كانت تنام منذ الساعة الثامنة، أصبحت تسهر مع “حمد الريح” في ليلة ختام المعرض التجاري و”حمد الريح” يغني (الساقية لسه مدورة) ونحن جايين في المغيرب وتاني ماشين في المغيرب.. والشباب يتدافعون بالآلاف لحضور مشهد الختام.. والوفد الرئاسي يقترب من المعرض الذي أقيم بالقرب من إستاد “نيالا” والمدينة تبتسم لفوز مريخها على أسد الجبال في ليلة حزينة بكادقلي وفرحة نيالا، كان مطرباً شاباً من المدينة تغنى بعد وصول “حسبو” لساحة المعرض وتفقده لأجنحته، المطرب كان يردد أغنية لـ”زيدان إبراهيم” كتبها “دسوقي محمد خير” وهو من الشعراء المجهولين:
كن مجامل يا حبيبي ويكفي أنك تصطفيني
عشي خاوي بالليالي والنهار يشهد أنيني
والضلام يكتب عليهو بي حروف النور حنيني
والنجوم تشهد ضنايا وتقرأ فيك صفحة جبيني
متين تعود أيام هنايا وتاني ترجع تصطفيني
هكذا الحياة.. اليوم “نيالا” تطرب وتسهر مع مباريات دوري أبطال أوروبا وعادت لنيالا بعض من أيام هناها.. وقد أعلن “حسبو” وهو يخاطب اليوم الختامي وعرس المدينة الجميل أن دارفور لن تعود إلى حالتها السابقة قبل سنوات، وأن الاستفتاء الذي قال فيه المواطنون كلمتهم هو فاصل بين مرحلة وأخرى، وإنه لا نزوح بعد اليوم ولا معسكرات يذل فيها المواطنون ببلادهم. ووجه النائب “حسبو” حكومة “الفكي” بأن تضع خطتها بشأن معسكرات النازحين، وأن الحكومة الاتحادية جاهزة لتنفيذ أية خطة.. وغداً نواصل.