الرواية الأولى
واحدة من مشكلات حكومتنا التي فشلت في علاجها المبادرة الأولى.. وأصبحت كل بيانات الحكومة وتصريحات المسؤولين لا تعدو كونها ردة فعل لما هو سابق لها من أحداث وأقوال.. ولأن المسؤولين في الحكومة يفتقدون الثقة في أنفسهم وتسيطر عليهم عقلية الخوف من تبعات المبادرة، أصبحوا (متفرجين) على كثير من الأحداث ويخافون من تبعات انزلاق اللسان لما يثير غضب من هم في المركز.. والشاهد على ما نقول حزمة أحداث ووقائع، ظلت الحكومة تلهث وراء أجهزة الإعلام لتصحيح خطأ الصورة، والمشهد والرواية التي غالباً ما يتبرع بها آخرون في أحداث جامعة الخرطوم، ولو تصدت وزارة الإعلام مبكراً لسيل الشائعات وأصدرت بياناً نفت فيه بيع الحكومة لمباني الجامعة لنجحت في إيقاف دحرجة صخرة العنف التي رمى بها المعارضون في شارع الجامعة.. وحينما قتل منسوبو الشرطة في أحداث مليّ بغرب دارفور، وحرق منزل الوالي “خليل عبد الله” وفقد حتى ربطة عنقه.. وتم احتلال منزله من قبل النازحين، وتم ربط الماعز والحمير في راكوبة الوالي الرئاسية.. لم يصدر من حكومة الولاية ولا وزير الإعلام بياناً للرأي العام يكشف فيه طبيعة الأحداث وأسبابها.. وبالأمس غابت الرواية الرسمية لحكومة جنوب كردفان، وتركت الساحة الإعلامية لحزب البعث العربي الاشتراكي يتحدث عن انتفاضة الليري ومطاردة الوالي بالعصا و(السفاريق)، وسخرت الحركة الشعبية في المواقع الإلكترونية عما حدث في الليري من احتجاجات على قيام مصنع لمخلفات التعدين.. ولم تتجاوز الأحداث الهتافات ورفع اللافتات الاحتجاجية، لكن المتمردين عدّوها بداية سقوط النظام.. وحزب البعث (حسبها) انتفاضة من الليري ستبلغ الخرطوم قريباً، وحتى اللحظة لم تصدر الحكومة بياناً عن الأحداث.. وأخيراً ما حدث في الضعين من حرق لمنزل الوالي وسيطرة الشائعات على الفضاء الأسفيري وبث صور لقتلى قيل إنهم ضحايا أحداث الضعين.. والحكومة لم تكلف نفسها عناء إصدار بيان توضيحي تكشف فيه ملابسات ما حدث، وتقدم روايتها الرسمية للأحداث وهي رواية مهمة جداً.. لكنها لا تفعل ذلك، تنتظر أصحاب المبادرات من القوى المعارضة يستغلون الأحداث لأغراضهم وأهدافهم ومن ثم (ترمي) الحكومة اللائمة على الإعلام وتقول إنه (مغرض) و(متحيز) ضدها.. وهي اتهامات من السهل جداً إطلاقها في الفضاء، وتصدق الحكومة أنها فعلاً تتعرض لمؤامرة، بينما المؤامرة الحقيقية في عباءة وجلباب الحكومة بتقصيرها وسوء تقديرها، ونزع فضيلة المبادرة من الوزارة ووزارة الدولة.. وتخويف أصحاب المبادرات من تبعات ما قد يحدث جراء إصدار بيان أو تصريح، وتلك من سلبيات (مركزة) السلطة في قيادات على أصابع اليد الواحدة.. وفي كل جولات المفاوضات بين الحكومة والمتمردين ظلت الرواية الأولى للمتمردين وردة الفعل للحكوميين.. واليوم من يقرأ بيانات “مبارك أردول” و”أرنوي نقولي” يظن أن التمرد هو الذي يهاجم والقوات المسلحة هي التي تدافع.. ومن يقرأ بيانات “عبد الواحد محمد نور” من منفاه الاختياري في فرنسا يوقن أن قوات “عبد الواحد” على مشارف نيالا، وبالقرب من الفاشر.. وهؤلاء لا يملكون إمكانيات دولة ولا تتوفر لهم تقنيات أجهزة مثل الموظفين الحكوميين، لكن يهتمون بقضيتهم، بينما المسؤولون هنا تشغلهم عن وظائفهم ومهامهم (هوامش الهامش)، لذلك ظل الفضاء الإسفيري للمعارضة، وحتى الصحافة في الداخل لا تجد من يتحدث لها من وزراء الحكومة إلا إذا كان الأمر صراعاً وخلافاً بين وزير البيئة “حسن هلال” ووالي النيل الأبيض “عبد الحميد كاشا” حول أكياس البلاستيك الفارغة وهل استخدامها حلال أم حرام!!