فوق رأي
قطع غيار التفاصيل
هناء إبراهيم
ذات طفولة، قامت والدة صديقتنا باستدعاء سباك من الجوار بغرض إصلاح شأن الماسورة التي انفجرت وغرقت الدنيا، وكان ذلك السباك قد فقد أحد أصابعه إثر حادثة ما، لم يتحفني أحد بتفاصيلها..
هذا الصباع المفقود، جعل صديقتي تتوقف عنده كثيراً وتتأمله بإصرار طفولي كبير، كما أنها أخذت تردد على السباك سؤالاً واحداً طول زمن الصيانة (عمو اصبعك دا الأكلو منو) وهو يتجاهلها بمختلف طرق التجاهل التي تعلمها من الحياة والعلوم السياسية.
لكنه في نهاية الأمر وعندما نفذ رصيده من التجاهل ويبدو أنه كان في أقصى درجات الزهج لدرجة عدم احتمال مجرد سؤال، فقال لها (أصبعي دا أكلو أبوك)..
اتفرجتوا؟!
مؤكد أصيبت البنت وهي في ذلك العمر بفزع غريب مصحوب بصمت رهيب..
ظلت تتحاشى الكلام مع والدها وهي التي كانت تنتظره في الباب لتحكي له كل الأشياء التي حصلت بغيابه، تقارير مفصلة عن عمائل جميع أخوانها ومن زارهم ومن لم يزرهم والبرامج التي تابعوها وماذا فعل “بوكيمون” و”ريمي” و”سالي” وكافة (الكرتونات) وأي حاجة حصلت وهو في الشغل.
ثم إنها ظلت لأيام ترفض أن تذهب معه لتناول الآيسكريم كما اعتادا عصر كل يوم..
أبت الآيسكريم..
وأصبحت من أصدقاء الصمت المخلصين..
الفأر الذي بات يلعب في دماغ والدها ووالدتها جعلهما يقصدان الأطباء ويتحران ويدققان لمعرفة السبب..
هذا وأثناء التحقيق مع (شخصي اللميض) خرجا بمعلومة مفادها أن والدها من آكلي لحوم البشر وأنه أكل أصبع السباك..
حسبوني أمزح، لكن والدتها حينما استرجعت شريط الأحداث، تاريخ وقوع الانعزال مع تاريخ انكسار الماسورة وحضور السباك ووجودها أثناء ذلك بالمطبخ وبتجميع قطع غيار التفاصيل المنسية ومداهمة السباك وأخذ أقواله اكتملت الصورة.
لكن عودتها إلى سيرتها الأولى استدعت زمناً طويلاً وجهداً كبيراً.
فالكسور التي تحصل بسرعة، تفقد سرعتها في شوارع الترميم النفسي.
هذا إن نفع الترميم أصلاً.
كثير من الناس عندهم عقد غير منطقية من أشياء المفروض أنها محببة، لذا وراء كل عقدة من هذا النوع سباك مجهول..
رمى قصة كبيرة داخل كتاب صغير..
فـ عاين:
أنت ما مجبر ترد، الزول يا يقول الحقيقة يا إتلهي
مراعاة الكلام والتصرفات زينة كما تقول حبوبة جيرانا..
أقول قولي هذا من باب الذكريات البذكروك ليها وبحكوها ليك..
و…
هسه شربنا الشاي
لدواعٍ في بالي