رأي

بعد.. ومسافة

“دارفور” وقطع الطريق على الفوضى!
مصطفى أبو العزائم
 
وبعد أن قال الرئيس “البشير” إن التمرد أوشك أن ينتهي، وبعد أن التزم بكسر شوكة التمرد في “دارفور”، ومع العمليات النوعية للقوات المسلحة السودانية، وبعد اكتمال عملية الاستفتاء الإداري في “دارفور”، والتزام الحكومة بنزع كامل للسلاح من أيدي الجماعات والأفراد.. بعد كل هذا وذاك، نجد أن صُناع الفوضى أبوا إلا يعلنوا عن وجودهم، ولكن ليس في مسارح العمليات، أو ميادين القتال، بل من داخل إحدى أكبر مدن “شرق دارفور”، وحاضرتها الآمنة مدينة “الضعين”.
صُنّاع الفوضى.. أرادوا بجهلهم، وسوء تقديرهم للأمور، وقفزهم على منطق الأحداث والواقع، أرادوا أن يثبتوا وجودهم مع إيذان شمسهم بالرحيل.. وبعد أن أفل نجم الجماعات المسلحة إما بالالتحاق بالسلام، أو بالهزائم المتلاحقة في ميادين المواجهة والقتال.. أرادوا إثبات وجودهم.. فهل نجحوا في ذلك.. أم فشلوا؟
نجح صُناع الفوضى في ترويع المواطنين الآمنين بمدينة “الضعين” بتصعيدهم لأعمال العنف هناك قبل يومين، والتي أدت إلى استشهاد اثنين من الحرس الرسمي في منزل والي ولاية “شرق دارفور” العميد “أنس عمر”.. نعم نجحوا في ترويع الآمنين، لكنهم فشلوا في كسب التعاطف معهم، خاصة وأن بعضهم حاول أن يصور الأمر كأنما هو مواجهة بين جماعة مظلومة وبين حكومة ظالمة، في حين أن أصل المشكلة التي أدت إلى تلك الاشتباكات تعود إلى صراعات قبلية مسلحة على خلفية سرقة إبل.
الوالي العميد “أنس عمر” كان حاضراً بمعلومات طازجة رغم أنه كان في مدينة “الفاشر” لحظة وقوع الحادث المؤسف، وأكد على أن تلك الأحداث تعود تفاصيلها إلى اشتباك كان قد وقع بين (العقارية) ومجموعة من (الرزيقات) في قضية فزع مما أسفر عن سقوط خمسة عشر شخصاً بين قتيل وجريح من المواطنين، وأنه بعد انتهاء عملية دفن القتلى في “نيالا” ذهبوا لأداء واجب العزاء بـ”الضعين” حيث اندلعت هذه الأحداث.. وقد توعد الوالي الجناة بالملاحقة والضبط.
المشكلة الحقيقية في “دارفور” هي مشكلة قديمة ومتأصلة في بعض القيادات القبلية، وبعض المواطنين الذين يقودون مواكب الجهل هناك.. وهم للأسف من أصحاب الأصوات العالية الذين لا يأبهون بقانون ولا يلتزمون بعرف مما جعل القتل لديهم سلعة رخيصة بلا ثمن.
فلنسأل أنفسنا لماذا ظلت “دارفور” أرض صراعات ومواجهات دامية بسبب نزاعات على أراضٍ كان يمكن أن يتم حلها إن تعامل الكبار معها بحكمة، خاصة وأن النزاع على الأراضي يعتبر أمراً عادياً في كثير من أنحاء السودان، لكن الحكمة كثيراً ما تطفئ نيران الغضب، وتغلق أبواب القلوب في وجه الشيطان.
الآن هناك نخبة متعلمة ومستنيرة من أبناء دارفور، نخبة استفادت من تجاربها في الصراع وتجارب الآخرين، عليها الآن أن تتحرك للسيطرة على بعض الشباب الذين تدفعهم الحمية القبلية، والفراغ إلى تأجيج نيران الصراع القبلي من أجل الكسب السياسي.. ونحن نعلم وهم يعلمون أن تاريخ بعض الصراعات القبلية يعود إلى ما قبل الاستقلال، فالهجوم على بيت الوالي في “شرق دارفور”، ما هو إلا طرق على باب الأزمة من جديد.. نرجو ألا نفتح الباب.
مشكلة كل السودان و”دارفور” تحديداً تتمثل في الإدارات الأهلية التي يعتقد بعض قادتها أنهم يرثون الملك والأرض بما عليها.. وهذا أدى إلى تلمس قوة القبيلة واستعراض هذه القوة وتقوية شوكتها، خاصة وأن دور الدولة كان في تراجع مستمر بتفويضها لبعض سلطاتها لمن يقفون على مسافة واحدة من أطراف أي مشكلة، وقد تطور الصراع ليصبح بين فروع القبيلة الواحدة بعد أن كان بين قبيلة وأخرى.. وكلما خفت صوت الدولة ارتفع وعلا صوت القبيلة.
الحل في الحل.. ونعني أن تتخذ الحكومة قراراً جريئاً بحل الإدارات الأهلية كلها صالحها وطالحها، بسطاً لهيبة الدولة وتأكيداً على نفوذها بدلاً من أن تحولها هذه الصراعات القبلية إلى عربة إطفاء بطيئة تعمل على إخماد نيران يعقدها البعض من قيادات الإدارة الأهلية.

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية